بدأ درج مسكنه مظلما وبارداً ، وخطواته على الالواح الخشبية مرتبكة، تتلمس طريقا أخرى للنجاة والهروب، من مداهمات صاحب الشقة المتكررة، وشكاويه المتعددة، وتهديداته بالطرد والحبس.
 
 كانت يده ترتجف وهو يقبض رسالة البريد الوحيدة ،التي كتبها لشخص غير معروف، واودع فيها مشكلته من الالف الى الياء.
 في أحايين كثيرة يفطن إلى أنه يعرف ذلك الشخص تماما، و يشعر أنه يخلع عليه نفس الصفات التي يتمتع بها هو، فكل ما لديه من أنانية كان  يذكرها، وكل مافيه  من طبيعة كدرة
كان يصفها ،ولذلك كان واعيا تماما لمن كان يوجه خطابه، ويعرف في قرارة نفسه أنه يوجه كلامه لشخص معروف قابع فيه. ولذلك، في ذلك اليوم فقط، كان ينزل السلم الخشبي بشعور مرتبك وصادم.ويعرف أن ذلك الشخص سينهي مخاوفه تماما فور استلامه هذا الخطاب، الذي يمسك به وهو ينهي السلم ،ولذلك ماان تلقفه الشارع العام، حتى أسرع الخطى، بظهره المحدودب، وشعره الابيض،ورداءه الجيشي الماتع.
وكان يلتفت طوال الطريق، ليزيح عن عينيه طيف ذلك المالك الجشع، حتى وجد نفسه قريبا من مكتب البريد..
كانت جميع فقرات الخطاب تشير إلى توجيه الكلام إلى رجل يحمل نفس صفاته هو وشجاعته هو ونفس ماضيه الآفل، رجل يقف قريبا منه، يحدثه، يعطيه ايعازا بالمضي إلى أمام،ويمنحه شعورا بانه ليس وحيدا في هذا العالم، فبالرغم من المكائد التي نسجت حوله وحولته إلى انسان بائس، إلا أنه أصبح الآن اكثر قدره على مواجهة مصيره وتوفير إيجار الشقة لذلك المالك، فور أن يسلم ذلك الخطاب الذي سطره ويتجاوز محنته، ولذلك عندما وقف أمام العاملة الحسناء في مكتب البريد حتى احس بقوة خارقة تسكنه، ولما نظرت إلى ظرف الرسالة، لم تجد عليها العنوان، فقالت له: اكتب عنوان المرسل إليه هنا فوق الظرف وتبسمت، وبثبات كتب : اسماعيل حسن، وهو اسمه، الذي لايخطؤه!