بدأت الأمطار  تتساقط الان على مدينتي عدن , وعادت  بذاكرتي لأمطار العام السابق , حينما غرقت شوارع عدن , وتسربت المياه الممزوجة بالمجاري للمساكن , حينها كنت في رحلة علاج في دولة الهند , في مدينة بونا , هذه المدينة المعروفة بالأمطار الموسمية الغزيرة التي تستمر لسته أشهر متتالية , كلما أطل من شرفة السكن واشاهد حجم الأمطار التي تسقط , أشعر بالرعب مما نعانيه في عدن , وعندما تتوقف الأمطار تنزل للشارع وتتعجب أين تذهب كمية تلك المياه , وتعرف ان للمدن الحضرية في كل انحاء العالم يوجد تخطيط حضري , ملزم للجميع فيه تضع كل الاحتمالات لمواجهة الكوارث الطبيعية , الامطار والفيضانات , إضافة الى الاستفادة من كل قطرة ماء تنزل , يتم تصريفها لخزانات الأحياء السكنية , ومن ثم إعادة تصريفها بما يخدم المصلحة العامة , المصلحة العامة , العنوان الرئيسي لكل خطط وبرامج الدولة والمؤسسات والافراد , تضع فوق كل الاعتبارات والمصالح , يخطط لها وينظم من اجلها القوانين والتشريعات, ولا شيء فوق تلك المصلحة .

تلك المصلحة تتعرض في عدن للتدمير الممنهج , وتضعف عدن في مواجهة أبسط الكوارث الطبيعية , فالأمطار بالنسبة لعدن مصدر رعب لسكانها , تعرض المدينة للغرق , كما حدث في العام الماضي , كنت في حالة تواصل مع اسرتي , واستلم صور منزلي وقد داهمته المياه , وأتلفت الأثاث , اشاهد شقاء العمر يدمر وينهار, لا زال لليوم لم أستطع  استكمل ترميم كل شيء , عشت لحظات مقارنة بين مدينتي عدن , وما يحدث لها من إهمال وانهيار للبنية التحتية , وبين مدينة بونا , الفرق بين دولة محترمة تعتمد على الكفاءات والخبرات , تخطط وترسم للمستقبل , تضع المصلحة العامة فوق كل المصالح , وبين واقع اللادولة الذي نعيشه في عدن , يتصدره ثلة من الأنانيين والجهلة والمتخلفين , وضعوا مصالحهم فوق الجميع , بسطوا على المتنفسات , وسدو مجاري السيول , ومخارج الامطار , وشيدوا القصور والفلل والأحواش في طريق تصريف المياه, وعلى محاذاة الخدمات , وتحولت المدينة لعشوائيات شوه مخططها الحضري , وعطل مستقبلها , بل أوقف حالها , لتكن مدينة غير قابلة لا للإستثمار ولا للعمران الحضري ولا للحياة , إلا ما يخدم مصالح تلك الفئة القليلة .

حتى الوحدات السكنية التي تبنى , تفتقد لتصريف صحي وخدمات محترمة , من اول عام من افتتاحها تتعرض لفيضان المجاري , وتنهار أمام أمطار خفيفة , وتفتقد لتهوية صحية وتصريف صحي , واستثمار حقيقي لكل قطرة ماء تسقط من السماء , هي عبارة عن استثمارات مربحة لأصحابها والنافذين الداعمين لها , بل بعضها مبني على أراضي تم البسط عليها , تفتقد مخطط حضري معتمد من قبل مؤسسات دولة , بفقدان تلك الدولة , وغياب الضمير .

من مفارقات اليوم , ان عدن تعيش ظلام دامس , بسبب فترة انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشر ساعات , اليوم وفي اثناء هطول الامطار ظل التيار الكهربائي دون انقطاع , مما أثار تساؤل البعض , وخطورة الكهرباء في ظل بنية تحتية هشة وشبكة كهربائية عشوائية رثة , وما تسببه من مخاطر على العامة والأحياء السكنية , تساؤل مشروع في ظل الحرب الشرسة لمعاقبة عدن , كمدينة كسرت جبروت النظام السابق , وحطمت طغيانه , ولا يستبعد ان تعاقب عدن ....!   

مع العلم ان عدن صممت كمدينة منذ الأزل , ولها مخططها الحضري , ومخارج تصريف المياه , بل  مزوده بصهاريج حفظ المياه , ومحمية من الفيضانات والكوارث الطبيعية , أسس كل ذلك الاسلاف , مما يؤكد ان لعدن تاريخ حضاري متقدم , شهدت من وقت مبكر فكرة الدولة بكل اشكالها مؤسساتها ومخططاتها واستراتيجيتها العملية على الأرض , وكل ذلك يتعرض اليوم للتدمير والتخريب الممنهج والابادة بسبب غزو التخلف والانانية تفقد عدن ايقونتها الحضارية  ورونقها .

اسألوا رجال التاريخ , وشواهد الحفريات , الصهاريج , ومحرى تدفق مياه الأمطار وتجمعها , والبرك السبع في المعلا , وتصريف المياه من الهضبة الى الساحل في الرزمت , والبُغد ( أنفاق ) والقلاع , كل تلك شواهد على حضارة وتحضر عدن , اليوم تتراجع تلك الحضارة بسبب ذلك الغزو اللعين .

لك الله يا عدن محفوظة برحمته  وبركته , بصمود ابنائك الابطال , وصبرهم على الجور , صبرا يستمر في مستوى الاحتمال , إذا فقد ذلك الاحتمال , سينفجر البركان ليحمي عدن ويعيد لها روحها وايقونتها وحضارتها ورونقها الاخاذ بأذنه تعالى , فاحذروا  بركان عدن ان ثار , وطوفانها البشري ان تحرك , والله على ما اقول شهيد .