" إهداء.. 
إلى : ارواح فرج بن حسينون ، فرج النوبي ، فرج باحويرث ، سعيد باطويح ، عمر محمد عبد ، محمد بن عبدات الكثيري ، وثابت سالم لرضي ..
   وإلى كل زملاء المعهد الديني بغيل باوزير ..  " 

  عندماأضافني زميلي العزيز عبدالله بن احمد بن طاهرباوزير إلى جروب " واحة زملاءالمعهدالديني " هاجت بي الذكريات بسرعة، وتوالت الصور  ،الأحداث ، و الوقائع ..ذكريات الزمان والمكان ..وجوه زملاءالمعهد..المشاعر والأحاسيس  .. مجريات وتفاصيل كثيرة مرت سريعا في ذاكرتي كشريط سينمائي ..ايام الدراسة .. وايام الفرح واللعب والضحك والفراق المر ..
    فجأةارتد بي الزمن إلىالخلف .. إلى  منتصف ستينيات القرن العشرين الماضي عندما قرر اخي محفوظ ان التحق المعهد الديني في غيل باوزير ، رغم افتتاح مدرسة وسطى في بلدتنا قبل ذلك بعام .. كنت قد حزت المركز الأول في نهاية المرحلة الإبتدائية في المدرسة "الغربية" بالديس الشرقية ، والسابع على المدارس الابتدائية على مستوى السلطنة القعيطية للعام الدراسي 64 /65م .
  "  اللاندروفر " التي ركبناها من الديس ، و الحافلة التي اقلتنا من الشحر إلى غيل باوزير ، المنظر الأبيض المهيب لمبنى المعهد ، الأشجار الكثيفةالإخضرار التي تظلله.. إستقبال الإدارة ، السيد علي محمد بن يحي مدير المعهد بوجهه البشوش السمح ..الدراسة التي كانت قد بدأت قبل ايام من وصولي .عيون الزملاء الذين يحاولون إكتشاف ماهية زميلهم  الجديد من الديس . او " بتاع الديس 2 "  كما اطلق علي الأستاذ الشيخ الأزهري عوض الله السيد عوض الله ، تمييزا لي عن زميلي من الديس ايضا عبد الله حسين المرفدي الذي كنت وإياه نتنافس على المركزالاول في الإبتدائي والذي سبقني بالالتحاق  ! .. 
    التعرف إلىزملاء جدد من مختلف مناطق ومدن حضرموت.. من الساحل ، ومن الوادي سرعان مااصبحوا اصدقائي ورفقة الروح حتى بعد ان فرقت بيننا السنون ..اوقات الدراسة ، وساعات  المذاكرة ، والإمتحان ، والحياة كلها في مبنى المعهد كداخلية ومدرسة .. 
اللعب وشقاوة صبيان في اول العمر .. الأطفال المسحورين بسعة علم معلميهم من مصر والسودان وفلسطين و حضرموت ، ومحاولة التكيف مع اللهجات السودانية والمصرية والفلسطينية .. ممارسة شتى الرياضات : الجمباز ، السلة ، الطائرة وكرة القدم ، والمدرب هو نفس المدرب لكل الألعاب ، الأستاذ السوداني محمد طه الدقيل مدرس الرياضيات والإنجليزي وعريف الداخلية ومدرب النادي الاهلي بغيل باوزير . 

المسجد والمكتبة في آخره المحتوية على شتى المعارف والروايات ودواوين الشعر والمجلات .. نفس المسجد حيث نؤدي الصلوات ، والإمتحانات ، الساحة الكبيرة التي تفصل بين الصفوف وغرف النوم ، "الجرامفون"  الذي نستمع منه إلى تلاوة القرآن بصوت الشيخ ساطع الحصري ، وإلى اغاني ام كلثوم وعبد الوهاب وفريد وحليم وجمعة خان وبلفقيه واحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد عبد الله وغيرهم من فناني الزمن الجميل .
   *العم عمرعلي برعية..المكتبةالثقافية المتنقلة بعربة " القاري " الصغيرة التي يدفعها امامه بين معهدناوالمدرسة الوسطى والمدرسة الابتدائية ،المليئة بكل انواع المجلات والدفاتر وانواع الحلوى والاسطوانات ، البائع نقدا و"بنك" تسليفنا عندما نكون مفلسين ، وبوابتنا إلى آخر إنتاج اغاني المطربين محليين وعرب من اسطوانات .
  * الزميل فرج محفوظ دويل ، من معيان المساجدة الذي لايزال يحرص على التواصل معنا واحدا واحدا في هذا العمر ...
  الأصدقاء الذين كسبتهم ولايبارحونك
 ، وقد صرتم اسرة ، تذاكرون ، تلعبون ، تستحمون ، تنامون ، تصلون ، وتخرجون في المظاهرات ومعا تطالبون بالحرية والإستقلال وبسقوط الإستعمار ! 
  الصغار يتعارفون بسرعة،ليست لديهم عقد ، اومصالح يخشون عليها ، وسرعان مايصبحون اصدقاءحتى في ظل التنافس المشروع في التفوق والنجاح ! 
  *هاانا ذا مرة اخرىوسط اصدقاء وزملاء المعهد ، وقد كبروا، وهرموا،وغادروامثلي سنوات الصباوالشباب ، لكن لاأستطيع ان اتذكرهم إلابوجوههم، وملامحهم عندما كانوا في شرخ الصبا واوج احلامنا المبكرة..
 * هااناذا التقي معهم اول مرة وإن على البعد ، عبر"الواتس " في "القروب" الذي شكلوه بمبادرة من زميلنا عبد الله بن احمد بن طاهر باوزير ، ثاني اثنين ظللنا على تواصل وإن في ازمان متباعدة ،فقد التقينا عدة مرات في منتصف سبعينيات القرن الماضي في عدن بمبنى صحيفة " الثوري"  بقصر " السلطان العبدلي "  في الخليج الأمامى بكريتر ، وبمقر صحيفة 14 اكتوبر التي اعمل فيها ( مبنى إدارة الضرائب حاليا .) وآخر مرةالتقيته فيها كان في منزلي بالمعلا في2007 . 
 *اما الأول فهو زميلي علوي سالم مدهر ،  وتجمعني به صداقة عمرطويلة ومواقف كثيرةلاتنسى،بعضهاحددمصيرحياتي ،وقد التقيته بعد سنوات في الكويت ، سنة 1980م لم نلتق بعدها ، لكنه ظل على تواصل معي عندما كنت في الإمارات عبر الهاتف.والحقيقة هو المبادر دائما إلى ربط خيوط التواصل بين زملاءالمعهد ، يلم شتاتهم اينماكانوا ..ونحن على تواصل حتى اليوم . والحقيقة ان هذا الوفاء متأصل فيه سواء لزملائه او لمعلميه ، وقداصدر قبل سنوات كتابا عن استاذنا الدقيل بعنوان : " رجل من السودان في ذاكرة الوجدان .. محمد طه الدقيل - التربوي المدرب الرياضي "  اودع فيه خلاصة ماجمعه من معلومات وصور عن الدقيل وفترة عمله في غيل باوزير ، كما تطرق فيه الى دور المعلمين السودانيين في النهضة التعليمية في حضرموت وغيل باوزير تحديدا .
  قبل سنوات زرت المعهد برفقةعائلتي ، بعد غياب اربعين سنةتقريبا .. قطعت السنوات والأمكنةبخطى طفل وجسدعلى اعتاب الستين..لم يكن للمبنى نفس الهيبة وبهاؤه الأبيض في منتصف الستين من القرن العشرين عندماالتحقت به .. تحول إلى مدرسة إبتدائية و طلي بألوان صفراء وبرتقالية فاقعة ، لكن من الداخل كان له نفس البهاء ، دخلت الفصل الذي درست فيه ، وتقافزت صور زملاءالدفعة فوق الطاولات ، وعلى ارض الساحة..رائحة النرجس ، وخرير ماءالفرات في بركة السباحة التي كنا ننظفها مرة في الأسبوع من الطحالب ..حسرة ان الماء جف فيها ، والأشجار لم تكن بنفس الكثافة،والنرجس اقتلع ..وكان هناك جنود يرقبوني بفضول ويتساءلون من هذاالزائرالغريب ؟! 
  استعدت بعض طفولتي وصباي واجمل سنوات العمر ..لكن مكوثي لم يطل كثيرا فقد كانت زيارتي قصيرة وعليّ ان اعود إلى المكلا وان اذهب إلى بلدتي الديس لرؤية اهلي ، واُري اولادي وطن ابيهم وجدهم وبيت عائلتهم الكبير بحاح ...
     كانت ردودفعل زملاء الواحة مذهلة ، لكن غيرمستغربة،لقداستقبلوني بحفاوة بمجرد أن عرفوا بانضمامي إلى جروب واحتهم . شعرت بدفء وحميمية وبصدق مشاعرهم .
   كأننا لم نبتعدعن بعضنا كل هذه السنوات .. 
   كأن العمرلم يتقدم بنا .
   كأن الزمن لم يعبس في وجوهنامرات .. ويهزمنا مرات ، لكنناايضاحققنا بعض الانتصارات عليه .. بعض الاحلام والآمال . 
  الأطفال الصغار كبروا ..
  صار منا اطباء ومهندسون ومؤرخون ومعلمون وشعراءوكتاب وموظفون ورجال اعمال ناجحون ، ولاعبو كرة قدم .
    * بعض الوجوه لاتنسى .. ذلك الفتى الأسمرمن السويري فرج النوبي ، بظرفه ولطفه إلى درجة كنت اسميه ملح المعهد ، واسندت إليه دورا في تمثيلية من تأليفي وإخراجي ..كان موهوبا وكوميديانا بالفطرة ..انتزع ضحك المشاهدين بالمواقف التي كان يرتجلها..وقد احزنني انه قد توفي قبل سنوات ولم يعدعضوا في الواحة ، لكن إبنه البار أنور حلَّ مقام ابيه وهو عضو فاعل في الواحة ، وكان من اوائل المرحبين بي ، وتواصل معي على الخاص ونتبادل التهاني كل جمعة وفي الأعياد والمناسبات ولايخاطبني إلا ب " ياعم محمد .."
 * لا انسى ايضاذلك الفتى الوسيم ،نجيب محمدبكيرمن القارة ، ومشاكساته ، والذي يتابع مااكتب ويعلق عليه ويذكرني بعصبيتي ! 
 * ولا الفتى الوسيم الآخرمحمد سالمين الحضرمي من غيل باوزير وقد صار طبيبا ، يعمل لدى شركة نفظية في حضرموت . وهوابن العم سالمين حسين الحضرمي ، اشهرمن يقول النكتةالسياسية في حضرموت وقدطفقت شهرته الآفاق . تعرفت في القاهرة على ابنه هيثم محمد سالمين ، وقد تخرج من المعهد العالي للموسيقى وهو عازف عود خطير . 
  * ولا الفتى محمد جمعان العسكري ، وقد صار. اخصائي امرض الكلى في مستشفى ابن سيناء في المكلا ..ولديه عيادته اومركزه الخاص في نفس التخصص .
 * ولا الفتى الصغيرالخجول ذاالشعرالناعم الفاحم احمدسالم بازار ، من شحير وقد صار شاعرا وملحنا فوق كونه معلما .. وينشر اشعاره في مواقع التواصل ، وفي عدة مواقع للنشر من بينها ( صوت عدن ) ويغني له فنانون معروفون منهم محفوظ بن بريك ، ويبعث لي بآخر إنتاجه من شعر .
   * ولاالفتى عبدالله بادحمان وهواليوم رجل اعمال ناجح في السعودية ويحمل جنسيتها ، وتواصل معي بعد انضمامي للواحة ، والتقينا عدة مرات في القاهرة ، ونحن على تواصل يومي عبر الشبكة . 
  ولا علي عبد الله باكثير بطل مسرحيتي في المعهد ، المقيم في السعوديةوالذي كان عضوا نشطا في الواحة ، وظل على تواصل معي على الخاص قبل ان يمنعه اطباء العيون الإبتعاد عن إستخدام الشبكة - شفاه الله .
    * ولامحمود المليجي ، اوفريد شوقي .. ولاتستغربوا فقدكانا زميلي دفعتنا في المعهد ، الأول محفوظ دحدح ، والثاني عمرمحمدعبد " رحمه الله " وقداطلقنا عليهما إسمي الممثلين المصريين الأشهر في الشاشةالمصرية محمودالمليجي وفريدشوقي لشدة إعجابهم بهما وإعادة تمثيل ادوارهما .. 
    * ولاعبدالرحمن بامخرمة ، وقد صار طبيبا هو الآخر .. متخصص في طب الاطفال وطب المجتمع ، وعمل في عدة مستشفيات في صنعاء وعدن وغيرها .. وكان في زيارة لمصر السنة الماضية ،لكن الحظر بسبب جائحة كورونا حال دون لقائنا ، لكن بقيناعلى تواصل شبه يومي عبرالواتس ، ولازلنا .
  * ولاعلي صالح الخلاقي ، وقدالتقيته في القاهرة قبل اعوام .ولاسعدبادقيدق الذي كان في القاهرة ايضا لكن حالت ظروف قاهرة ان نلتقي لكن مازلنا على تواصل يومي . 
   * ولامحمد عبد الله بن عميران الذي يوثق للعادات والتقاليد عبر كتاباته اليومية " شعبيات حضرمية " في الواحة . واتمنى ان يجمعها في كتاب ، وإذا تبنت محتواه السلطة المحلية فإن ماجاء فيه  يصلح ان يكون مادة لمتحف للعادات والتقاليد في حضرموت .
  *ولاعبد الرحمن باربيد الذي نتبادل وإياه المنشورات يوميا عبر الواتس .
 ولاعلي سعيد بارزيق ،ولاسعيد عوض بن هامل ، ولاكرامة الجابري ، ولا ثابت سالم لرضي ، الذي فجعنا بموته في الثامن من فبراير الحالي، قبل ان يقرأ هذه الحلقة عن رفقة الروح  ، اوسالم مبروك بامحمود ، أوالأخوين عاشور وعوض سالم مسيعد ، اوعمرالصويل ، اوعمرمسعود بن شابظ وابن عمه عبدالله عمر بن شابظ ، ولامحمد رجب العمودي ، ولاسعيد العمودي ، ولا منصور عبدالله حبراس ، ولا صالح بلصقع ، ولافريد محمدبن همام ، ولاالرسام عوض سالم بن شعب ، ولامحمد الحداد ، ولاعبدالرحمن بن شرف ، ولا عبد الله محمدوبير ، ولاعوض جمعان بن عويض .
  * ولا المرحوم محمدبن عبدات الكثيري ، وقد كان ابنه وسيم آخر المنضمين إلى واحتنا قبل فترة قصيرة ،  وحظي باستقبال رائع من زملاء أبيه . 
  * ولا زميلنا الذي فقدناه مبكرا في حادث سير في المكلا فرج بن حسينون .... ولا المرحوم فرج باحويرث ، اوالمرحوم  سعيد صالح باطويح الذي ابنه معنا أيضا في الواحة . 
  ولاشك ان كل واحد منهم قد تابع حلمه الخاص خلال سني حياته ، وصنع مأثرته الخاصة ، وكون اسرة ، وانجب اولادا ، وصار جدا لاحفاد كثيرين يشيعون البهجة من حوله ..
  * وهل استطيع أن انسى فريق طباخينا سعيدمحمدوبر ، وعباد يسربافرج ، ونصيب فرج زايد و عمارو بن همام "رحمهم الله جميعا ،" وعبد الله علي مرسال - اطال الله في عمره .اشتاق إلى لذة اطعمتهم على بساطتها ، لرائحة السمك المقلي بالزيت ، المعمول ب " نفس "الطباخين كما يقال ..
  * أوأنسى الجنائنيين محفوظ سعيد بن سلوم وسالم سعيدبن حازم اللذين كانا يحيطان بستان المعهد بالرعاية بحيث يبدو دائم الإخضرار يعبق برائحة النرجس ويلقي بسحره على اجواء المكان ، ويعطر حياتنا بالجمال . 
  اشتاق إلى كل شجرة في البستان ..إلى رائحة الورد ، وإلى ذلك الحب الصامت بين الشجر والجنائنية الذي كان ينتج لنا كل تلك الحياة المزهرة .
    اشتاق لمساءات الغيل الجميلة ، للباغ ، والحومة ، لأشجارالحناء ..لروائحهاالعطرة ولمساتها الحانية .. للنخيل الذي ينصت لصوت الريح ، ويتطلع إلى السماء في شموخ ..
 وليعذرني من لم تسعفني الذاكرة وقد شاخت بذكرهم لكن لهم في قلبي كل المودة والاحترام ، من كان منهم على قيد الحياة ومن انتقل منهم إلىدارالبقاء والخلودالرحمةوالغفران .. فهم يسكنون القلب والروح .. 
  وإن بقيت أمنية فهي أن يمد الله في عمري وأحضر عوادهم السنوي الذي اعتادوا على اللقاء فيه في سادس ايام عيد الاضحى المبارك .. وهي عادة وسنة طيبة حرصواعليها منذ سنوات يلتقون خلالها في مبنى المعهد ، يستعيدون ذكريات ايام الطفولة والعمر الجميل ، ويواصلون ماانقطع بسبب الإنشغال بأمور الحياة . لم تسعفني الظروف ان احضره ولو مرة واحدة ، لكن روحي تحوم حولهم وحول تلك البقعة الحبيبة إلى قلبي حيث قضيت بعض ، إن لم تكن اجمل سنوات العمر مع رفقة الروح . حيثما اكون تكون ويكونون معي .. كلما نأت اوبعدوا يقتربون .. 
  لايمكن نسيان مدينة وزملاء موصولين بالقلب .. لايمكن .