التاريخ لا يرحم , وحقائقه تملك قوة الثبات , وتفرض نفسها كأمر واقع متجدد يذكٌر الناس بحقيقة الاحداث , ويعيد الأمور لصوابها , ويدحض كل وسائل التزوير للأحداث والتحوير للمشهد , وتغرير الناس , واستعباط لعقولهم , بسرد حكايات الوهم عن نضال لا وجود له في صفحات التاريخ , ونسج بطولات من العدم لأفراد يراد لهم ان يكونوا اصنام للعبادة  .

عدن اليوم تبتهج فرحا بيوم تحريرها من الكهنوت الحوثي وحليفة عفاش , وتملأ وسائل التواصل الاجتماعي والسوشل ميديا , فيديوهات وصور عن احداث المعركة وابطالها الحقيقين والشجعان البواسل , وبثقة منقطعة النظير , يتحدون من سطا على نضالهم , وقطف ثمرة جهودهم , ان يأتي بصورة , او يظهر احدهم بتلك الصور والفيديوهات , مؤكدين مقولة التاريخ التي تتحدث عن ان(  الثورة يصنعها الشرفاء و يقودها الشجعان ثم يسرقها الجبناء ) وهي مقولة تاريخية مجربة في حقب سابقة , أما اليوم تقدم اسوا مأساة خذلان ثورة حقيقية لشعب فقد تطلعاته وأحلامه على يد من راهن عليهم وباعوه برخص التراب .

الانسان والمكان يجمعهما احداث وروابط , بل نشأة وتربية وحياة , يندمجان ليصيروا كتلة واحدة , هذه الرابطة تخلد في الذاكرة المشتركة ,  تتحرك غرائزية لتدافع عن بعضها البعض , عندما تعرضت عدن للغزوا تحركت الروابط العدنية , والى جانبهم تحرك الوازع العقائدي , وتحركت الغريزة لتدافع عن الأرض والعرض والعقيدة , ولم تتحرك تلك الروابط الغير مشتركة مع عدن , قيل حينها ان المعركة لا تعنيهم , وكانت لا تعنيهم , حتى تدخل التحالف , ليعيد رسم خريطة المشهد السياسي , و تموضع الأدوات الخادمة للمصالح والأطماع , وضرب روح الثورة , وكتم نفسها , كانت المعركة تعنيهم كموظفين في سيناريو , عدن اليوم تصلى بنارها , تعاقب عقاب ذنب الثورة , انتقاما لخادمهم عفاش  .

رغم الفرحة التي تعم عدن اليوم , وهي تستعرض صور وفيديوهات المعركة والابطال والشجعان , وهم يدحرون الغازي , ويحررون الأرض , بعضهم تعرض للغدر , اغتيال الشرفاء وعلى راسهم الشهيد المحافظ جعفر محمد سعد , وامتلأت السجون , وتم إخفاء الكثير قسرا , وطرد وتهجير , وتمكن التحالف من إعادة تموضع ادواته المطيعة , بكتله ممزوجة من أدوات النظام السابق ( عفاش ) , ومن عنده استعداد للتوظيف وباع ضميره وشرفه لهم , ولن يكونوا هؤلاء إلا من اراذل القوم , واقلهم شئناً .

عدن اليوم مدينة تتحسر وترسل زفرات التحسر والندم المصبوغة بالم الحاضر , وهي تفتقد لكوكبة من أبنائها المغدورين , بل تفتقد لروحها المدنية , وألقها الثقافي والفكري والنضالي , تفتقد لمكانتها كشريان اقتصادي وتجاري هام , يرفد اليمن والمنطقة بكل جديد , عدن التي كانت سباقة بالكهرباء تقبع اليوم بالظلام الدامس , وتفتقد لشربة ماء , وسبل الحياة والمعيشة , وتدريجيا تعجز عن توفير رواتب موظفيها , بعد سطو ونهبوا اللصوص مقدراتها , وبسطو على أرضها وخيراتها وباعوها سكني تجاري .

بل فقدت عدن معايير الأمل في الأيام القادمة , معايير عدن التي جمعتنا فيها لحظات دافئة في عائلة رائعة ومجتمع حضاري جميل , كل هذا الجمال والبهاء الذي عشناه ونفتقده اليوم , دمر عن بكرة ابية , استبدل بالكراهية والأحقاد والضغائن , والقروية والتخلف والجهل , وكل ذلك محمي ببندقية عسكري بليد للأذى فطن كان ابليس للشر رباه , ( رحم الله شاعر اليمن الزبيري )

لهذا عدن اليوم ترفض  الحاضر , ترفض أدواته , وترفض معاييره , الأدنى مستوى في معايير كل الحقب , معايير التفكك الاجتماعي والتصدع البنيوي , معايير تتفجر في وجوهنا  مدمره لعدن وحياة الناس فيها .

عدن القادمة على عيد , وهي عاجزة عن توفير السعادة والفرح لأبنائها المساكين , توفير كسوة العيد , كبش العيد , حلاوة العيد , بعد ان غزاها الفقر والعوز , وصار معظم سكانها من الطبقة الفقيرة , بينما من قدموا اليها كموظفين مع التحالف الطامعين بعدن , تحسنت احوالهم , وصار لهم قصور ومولات , وثروات , ونفوذ وجاه , وثكنات عسكرية , سيطرت على سواحل ومتنفسات , وأبناء المنطقة فقد التمتع بطبيعة عدن الجميلة و الغناء .

هذا حال عدن اليوم , وهي المدينة العصية التي ستقلب المعادلة على رأس الطامعين , وترمي أدواتهم لمزبلة التاريخ , وتنصف أبنائها المساكين , وسيعود لها الابطال فاتحين , وتعود لعدن تألقها وجمالها وايقونتها , ان غدا لناظره لقريب