من المحزن أننا في هذا الوطن نتعرض لعملية فساد كبيرة , في كل نواحي الحياة , إفساد العقول والأفكار والمشاريع والأموال , مما يفسد حياتنا باستمرار .

مثل ما يتم غسيل الأموال القذرة , وما يفرزه هذا الغسيل من فساد على حياتنا الاقتصادية والسياسية , وما تشكله تلك الاموال القذرة من نفوذ فاسد , فهناك غسيل اشد واعظم فساد للحياة وهو غسيل الأفكار .

البلد تعيش حالة حرب , وصراع محتدم بين قوى العنف , مهما كانت العناوين , فهي مجرد شعارات مبروزة لحرب ضروس , اصبح الوطن والموطن هم الضحية , في هذه الحرب تتفجر في وجوهنا كل قذارات الماضي والحاضر , وتستخدم معاناتنا كوسائل ضغط ضد بعضهم بعض , مما يزيد من حجم تلك المعاناة والمآسي .

مع بداية بزوغ عام دراسي جديد , يشعر الناس بنبض الحياة يعود للمدن, وتعود بالنفع  لروح شبابها واطفالها الذي يعيشون فراغ قاتل , تفاجئنا بالأضراب بعض النقابات الطارئة , التي تشكلت في اتون الحرب , بأدوات الحرب , والدعم الإقليمي السخي لتلك الأدوات , لاستمرار الحرب , والهوة بين المتصارعين , في ظل فقدان الدعم التنموي والإصلاحي للأوضاع , فقط مجرد تأجيج للمشكلات دون حلول , وما تفريخ منظمات المجتمع المدني والنقابات , الا احد الوسائل لإفساد دور هذه المؤسسات , وتحويلها وسائل قذرة في صراع قذر لاستمرار حرب قذرة .    

والاضراب كفكرة , حق مكفول دستوريا , لكنه يرتبط بشروط النجاح او الفشل , وبحكم الخبرة , لا تعلن النقابة الاضراب قبل ان تستوفي شروط النجاح , وتحقيق الهدف , الذي بالضرورة ان يكون سامي ونبيل , مالم يكن كذلك سيعود بالمضرة على وظيفة العمل النقابي, والعملية التربوية والتعليمة برمتها, والتعليم كرسالة , والمعلم كحامل لتلك الرسالة , والتلميذ والطالب كمتلقي للرسالة , والإنسان كهدف تنموي , ومصدر مهم من مصادر انفراج الأزمة والنهضة والتطور  .

كثرت البيانات , مع كُثرت الكيانات , وكل كيان سياسي عديم الخبرة , يعتقد انه يجب ان يفرخ له منظمات مجتمع مدني تابعه لنشاطه الجماهيري , وتبدأ حالة من التفريخ الفاسد للمنظمات جماهيرية ومدنية , يفترض بها ان تكون مستقلة حرة القرار والاختيار , مبنية على أسس أدبيات المهنة وأخلاقيات الهدف .

فمثل هذه الطبخات التي تتم في غرف مغلقة , وتنحصر على الحزبية والأنصار , وتقصي وتهمش الكوادر والكفاءات بتهم امزجه فاسدة , انها طبخات فساد بكل ما تحمله الكلمة من معنى ,الفساد السياسي وغسيل الأفكار , التي لا تؤدي لغير مولود مشوه , تجمعهم المصالح , وعندما تنتهي تلك المصالح تبدأ الأحقاد , يبدأ التناحر , وبحكم دعم العنف لهم , يمارسون ترهيب وتعنيف بعضهم بعض .

فكرة الاضراب في ظل الحرب , وحدة الصراع القائم , فكرة فاسدة , لا تتوفر لديها فرص النجاح , بل يتم الزج بها في خضم التناقضات , فتغرق في مستنقع المشكلة وتصيب العملية التربوية والتعليمة في مقتل , وتوفر حالة من التجهيل , واستمرار حالة الفراغ القاتل لدى الجيل وما له مأثره السلبية .

البيانات تخاطب حكومة مسلوبة القرار , والمفارقة توصيفها بالفاسدة والخائنة , وصف يكفي لكي لا يخاطبها , ويخاطب المعنى على الأرض , هي السلطات المحلية , التي تسيطر على إيرادات المناطق , تحكم وتتحكم بمقدرات تلك المناطق , للسيطرة استحقاق , من يحكم مسؤول مسئولية كاملة عن مناطق حكمه .

الحكومة اليوم مرتهنة للتحالف , ومضغوطة في الداخل من قبل سلطات الأمر الواقع , والكل يطالبها , ومن يدفع بتلك المطالبات يعرف انها مجرد عدد من الموظفين , يديرهم التحالف تحت غطاء شرعية مرتهنة أيضا , خاصة بعد أن ساهمنا جميعا ,بأخلاء سلطة الشرعية من كوادرها التي ترفض الارتهان والتبعية , وكانت تخاطب التحالف بندية , لو وجدت التفاف شعبي وجماهيري , لتمكنت من تحرر القرار السيادي , وتحرر مصادر الثروة والدخل القومي من فساد التحالف وأدواته بالداخل , في ظل وجود حكومة صاحبة قرار , قادرة على ضبط الايراد , وتشغيل المرتكزات الاقتصادية وتنمية الدخل القومي , لتصب في وعاء الخزينة العامة , هنا سيكون للأضراب صداه , وينجح في انتزاع قرار من سلطة قادرة على إصدار القرار والتموين المادي له  .

أم اليوم فكرة الإضراب فكرة فاسدة , تدعمها أدوات فاسدة , تطالب من سلطة فاسدة , وتحالف مصدر للفساد والإفساد , و لهدف فاسد هو استمرار الصراع والحرب , وتدمير التعليم , بعد تعطل القضاء والنيابات ومنظومة العدالة , والبقية ستلحق للهاوية , والله المستعان .