كان سالمين قائدا كاريزميا يحظى بشعبية وحب الجماهير ، ويسهر على تنفيذ سياسات تتوخى صالح الفقراء 
 ،كثيرالنزول إلى المزارع والتعاونيات وثلاجات الأسماك ويباشر بنفسه الوقوف على تأمين حاجات المواطنين المعيشية، خاصة الأسماك واللحوم والخضراوات ، دون ان ينسى الإهتمام بالقضايا الحيوية والسياسات الكبرى ، وكان يعتبر هذاجزء من عمله اليومي، ومن مسؤوليته نحو الشعب في ظل دولة حديثة العهد لم تستكمل بعد بناء جهازها الإداري ، بينما كان يرى البعض في ذلك نوعا من    إشتراكية عمرية ' في زمن مختلف لاينفع فيه هذا النوع من الحكم في ظل وجود دولة ومؤسسات .
   لكن كان للرئيس اسلوب عمله الخاص ، ولايطيق البيروقراطية ويرى انها تعطل مصالح الناس الذين هم في حاجة إلى تطبيق القوانين والقرارات التي تصدر لمصلحتهم لكنهم لايلمسون نتائجها سريعا .
                               ( 2)
 
   رن جرس الهاتف في مكتبي وقالت لي البدالة : 
   - الرئاسة تطلبك  ..
 كان المتحدث مراسم الرئيس شخصيا ..
  قال لي الرئيس يعتذرعن إجراء المقابلة الصحفية التي طلبتها ..
  اصبت بخيبة امل . كنت حديث عهد بالصحافة ، وحديث الإلتحاق بصحيفة 14 اكتوبر ، وحتى ذلك الوقت لم يكن الرئيس يظهر في مقابلات صحافية ،كان  أملي ان إجراء حديث مع الرئيس سالم ربيع علي سوف يعزز مكانتي في عالم الصحافة . وكان هناك الكثير الذي في ذهني ان اسأل عنه الرجل الأول في الدولة في السياستين الداخليةوالخارجية
 ، لكن اعتذاره عن إجراء الحديث احبط آمالي دون ان يبدي الأسباب .
 فيمابعدعرفت انه كان يملك وجهة نظر في هذا الشان ، وقد قدرتهاواحترمتها .. وهي انه لم يمض وقت كاف على تسلمه سدة الرئاسة ، ولم يحقق إنجازات يمكن ان يتحدث عنها للصحافة وللناس .. ماذا سيقول لهم ؟.. سوف وسوف . هو ليس من اصحاب السين ، بل من نوع القادة الذين يؤمنون بالعمل والفعل ويجعل عمله يتحدث عنه ، اوحين يقرر ان يتحدث يكون لديه ما يقوله .. 
  من ناحية أخرى ، فان ابتعاده عن الإعلام
 حرمه من فرصة شرح سياساته واسلوب عمله للناس ، واعطى الآخرين الظهور والنيل منه حين حان وقت تصفية الحسابات . حين انتبه لذلك كان الوقت متأخرا ، لكن لم يستطيعوا محو اثره من التاريخ ...
                               ( 3 )
 
 كان الأمر فوق طاقتي حتى اعيد شيئا فشيئا إعادة تركيب صورة الرجل بعد اكثر من اربعين سنة من إعدامه . كان علي ان ابحث عن الشخص المناسب الذي يقبل الإجابة على وابل اسئلتي و يشاركني هذه المهمة الصعبة ، لالشيء بل من اجل الحقيقة والتاريخ . وعندما وجدته اخيرا أصر على إخفاء هويته ، وكان هذا شرطه الوحيد .. وقد قبلته .
  هواحد الذين عملوا معه في مكتبه ، وبالقرب منه وكان يحوز على ثقته إلى درجة انه كان يتركه في غرفته لوحده  بمافيها من ملفات واسرار خصوصا عندما يكون مشغولا باجتماع للقيادة او  لإنشغالات اخرى لاتتطلب وجوده معه. 
   يقول :
 " عندما يراني الرئيس منشغلا بالمكتبة او ابحث عن كتاب لموضوع محدد ، يخرج ويبقى مفتاح الغرفة معي حتى عودته، او اسلمه لزوجته.. وعليك الان ان تعرف ان الغرفة لها مفتاح واحد فقط....وحسب علمي فاني الوحيد الذي حاز هذا المفتاح  مع مايعنيه ذلك ..... "
  كان سكن الرئيس متواضعا ، توجد مكتبةدسمة بغرفة معيشته داخل سكنه الشخصي وهناك مكتبة اخرى في غرفة اخرى تفصلها عن الغرفة الأولى صالة صغيرة او ممر لايوجد فيها شيء سوى ثلاجة...وتشكل الغرفتان والصاله الممركل سكن الرئيس... وأثاث الغرفتين متواضع جدا  ...
                                (4)

   - ولمفتاح غرفة الرئيس معي حكاية ظريفة ..كان من عادة الرئيس ربيع عند إستقبال سفراء الدول التي لها علاقات مميزة باليمن الديمقراطية ان يخرج لاستقبالهم بنفسه . ذلك اليوم كان ضمن برنامجه ان يستقبل سفير الاتحاد السوفيتي الجديد الذي سيقدم له اوراق اعتماده ..وحين قرب موعد وصوله بدقائق ذهبت إلى الرئيس لإشعاره ، فخرج لاستقباله، واغلقت الباب خلفه ووضعت المفتاح في جيبي كما هي العادة ، وخرجت لشأن طارىء اعلمته به ، وعدت إليه بعد ساعتين لإن الأمر الذي خرجت من اجله استغرق وقتا اكثر مما كنت مقدرا له ، فوجدته في انتظاري ، لأنه كان يريد الذهاب إلى ابين ويحتاج إلى المفتاح لأخذ بعض ملابسه من الغرفة .
  الغريب انه لم يزعل .. كل ماقاله لي : 
 - وااه دا الرعشة حقك ! 
  قالها بالحضرمية التي كان يجيدها ، إذ عاش فترة من حياته في حضرموت .. كان معروفاعن الرئيس ربيع انه كان يحب الحضارم بلاحدود ويثق فيهم والحقيقة انهم كانوا اهلاللثقة...ولعل هذا يفسر سر إختياره لطاقمه الرئاسي في أغلبه من الحضارم . ويبدو ان حبه هذا اكتسبه من خلال اقامته سنوات من شبابه المبكر في حضرموت ، حيث اخذ دورة او دورات في مدرسة الوحدات في المكلا في عهد السلطنة القعيطية -هكذا كانت تسمى المدرسة - وهي مختصة بإعداد الكوادر الحضرمية وآخرين من السلطنات الأخرى. وخلالها لعب كرة القدم لأحد اندية المكلا ويعتبرمن المؤسسين للاندية الرياضية والثقافية واولىالفرق الموسيقية في ابين .
 لم ار رجل منكبا على القراءةكسالمين...ان لم يكن بيده ملف  فبيده كتاب...كان كثير القراءة ويتابع احدث الاصدارات  وتأتيه الكتب من الخارج وبعضها هدية من المؤلفين انفسهم....
كثيرون يقرأون ولكن مستوى ودرجة الفهم والاستيعاب تختلف عند كل منهم . 
                           (5.) 

  في إحدى زوايا الغرفة توجد مجموعة من الاحجار متنوعة الألوان والأشكال رتبت بعناية وكتب تحت كل منها اسم المنطقة التي جلبت منها ،وهي احجار تلفت النظر فمنها الأسود والبني الغامق المائل إلى الحمرة، وتلك التي يشع منها بريق أصفر وألوان مختلفة...
تلك الأحجار كان يجلبها الرئيس شخصيا من المناطق التي يزورها او يأتي بها آخرون من مناطق مختلفة حسب شهرتها..
كانت الدولة في طور النشأة ولم تكن إداراتها قد استكملت وبالتالي لم تكن هناك حتى ذلك الوقت إدارة للاستكشافات المعدنيه مع مختبر خاص بها...
إهتمام الرئيس البالغ لهذه الأحجار دفعني للسؤال : ماذا هو فاعل بها؟ كان الرجل يفكر في ارسال هذه العينات إلىمختبرات متخصصة في الخارج لتحديد انواعها.. مايعني ان تفكير الرجل لم يكن محصورا في اللحظة المعاشةبل كان يفكر في المستقبل بكل رحابته . ونتائج الفحص كانت ستساعد على إنشاء قاعدة لقائمة بيانات للمعادن تشكل في مابعد خارطة جيولوجية متكاملة لكل البلاد تكون اساسا لاستغلال موارد التعدين في المستقبل .

                             ( 6)
    راح محدثي يستحضر في ذهنه كل مايتذكره عن فترة عمله مع الرئيس سالمين : 
 - مضت على ذلك سنوات بعيدة، لكن عملي معه _ يقول _ معلق في ذاكرتي ، لإن الرجل من النوع الذي لا يمكن ان ينسى، ولا الأحداث التاريخية التي عاشها وكان صانعا لها ،اومشاركا فيها ، وإن كان الحديث عنه بعد كل هذا الوقت اشبه بمغامرة تاريخية . 
  قلت له محفزا : 
  - لكنها مغامرة تستحق ..
   قال :  
  - سأتحدث عنه على قدر معرفتي به فقط .. الأشياء التي لااعرفها تبقى مجهولة بالنسبة لي ، ولن اتناول إلا الأشياء التي اعرفها ، لهذا لن اجتهد أواخترع أشياء لست على علم اودراية بها . 
   قلت له : وهذا هو المطلوب .. 
   قال :
 اضف إلى ذلك انني كنت  اكثر من كان يقابله في المكتب وفي السكن وفي كل الأوقات ليلا اونهارا ولا احتاج لإذن الدخول إليه خلال فترة عملي معه، وقد مكنني هذا من معرفته ، ومعرفة طباعه وكيفية التعامل معه ..
  سأبدأ بتقديم صورة الرئيس اولا حتى نفهم بعد دلك اسلوب عمله .. فهو رغم الكاريزما الطاغية التي يتمتع بها ..وقوة
شخصيته وتأثيرها على الآخرين لكن التعامل معه سهل وممتع للغاية ولايخلو من فائدة...
 عمله يتسم بالدقة والصرامة وهو منظم بدرجه عالية ويتمتع بذاكرة نظيفة مرتبة تكاد لاتنسى شيئا ..فوق ذلك هو شخص سموح عطوف تجد فيه الأخ الأكبر ، لكنه لايجامل في حال الإخلال بنظام العمل وخيانة الثقة والأمانة. ،حينهايكون في اشد حالات الصرامة.... وفوق هذا فهو هادئ الأعصاب..عف اللسان ..نظيف اليدين.. يجيد النكتة والتعليقات الساخرة عند الضرورة...
   كان دقيقا في مواعيده ملتزماللوقت..
يصل في الوقت المحدد اوقبله بقليل .. مالا يعرفه احد ان توقيت الساعة لديه متقدم عن الآخرين وهذا هوالتوقيت المعتمد لديه في تحركاته حتى لايصل متأخرا لأي فعالية: إجتماع، حفل ،مهرجان
 اوخلافه....يعني إذا كانت الساعة الثامنة مثلا فهي بتوقيت ساعته الثامنة والربع مثلا .
  صمت لحظة ، وخلال هذا الصمت القصير ايقنت انه كان يتذكر الطريقة التي كان يرى فيها الرئيس يعمل . وفعلا هذا ماحدث : 
  - كان الرجل يعمل طيلة الوقت على  الملفات ويبدي الملاحظات ويناقش مع الآخرين ويتخذ القرارات..
  - لتوضيح الصورة اكثر ،كان هناك سكرتاريةيرأسها الأستاذ عبدالله الملاحي ومدراء دوائر ترفع  الملفات والقضايا للرئيس مباشرة تتكون من : 
دائرة الشئون الداخلية والخارجية برئاسة الأستاذ عبدالله محمدبن سلمان ، وبعد تعيينه سفيرا في لندن حل مكانه زيد سليمان ِالدائرة القانونية وكان على رأسها الاخ ناصر ياسين ، بالإضافة لدائرة المراسم ، وكل هذه الدوائر بها اطقمها العاملة. وهناك دوائر اخرى كالحسابات  والخدمات ممايمكن ان نسميها اقساما مساعدة.. وعلى العموم لم يكن اعداد العاملين كبيرا في مختلف دوائر الرئاسة لكنه يلبي متطلبات العمل . 
 - النزول الميداني اليومي من قبل الرئيس جزء من اسلوب عمله في تسوية القضايا وحل المشاكل .. وفي الغالب كان لوزارة الزراعة ووزارة الأسماك بوصفه رئيس الدائرة السياسية للزراعة والاصلاح الزراعي بشكل خاص او للجنة المركزية ، وبعد ذلك مؤسسة الخضار والفواكه .اي تلك المرافق والمؤسسات التي لها علاقة بمعيشة الناس اليومية ، وكان نزوله يساعد في حل كثير من المشكلات ولايحل محل إداراتها...
للرجل طريقة عملية جدا في الإدارة ...
يناقش المسائل المختلفة ويتخذ القرار الذي رآه مناسبا من خلال النقاش ويصدر التعليمات ويتابعها شخصيا بشكل يومي حتى مرحلة التنفيذ....وكان هدا العمل مرهقا له لكنه كان يجد فيه المتعة ، كما ان العمل معه متعة ويمكن تعلم الكثير منه.ولما كان قوام إدارات الدولة اكثره من الشباب والشابات فقدكان يشجعهم ويزج بهم للعمل وتسلم المسئوليات وتعلم اصول القيادة..لم يكن يعجبه الأداء البيروقراطي البطئ للإدارات...اما الإدارات نفسها فلم يكن له معها مشكلة.. لاحظ انه في تلك الفترة كانت إدارات الدولة طور التأسيس وخريجي الجامعات المؤهلين قلة وكثير من الكوادر لديها ثانوية عامة وبعضها دون ذلك .