تعود علاقة الرئيس سالم ربيع علي 
  بالأمين العام عبد الفتاح اسماعيل ورئيس الوزراء علي ناصر محمد وغيرهما من مسئولي الصف القيادي الأول إلى سنوات الثورة والكفاح المسلح ، لهذا كان يحكمها الود والإحترام....لاحظت ذلك عندما يكونون معا او من خلال مكالماتهم التليفونية....كنا نرسل نسخ من محاضر لقاءاته مع زواره من السياسيين العرب والأجانب والسفراء إلى الأمين العام ورئيس الوزراء واعضاء اللجنة التنفيذية وفيما بعد المكتب السياسي .
   كان علي البيض قريبا جدا من سالمين ،  وكان الرئيس يعامل علي عنتر معاملة فيها من الود الشيء الكثير تشعرك بحميمية العلاقة بينهما...
   لم ار احدا من المسؤولين يتردد على الرئيس في مسكنه سوى الأخ محمد صالح مطيع وزير الداخليةحينها في مرات قليلة ونادرة...كما كان يتردد محافظ لحج عوض الحامد على الرئيس في منزل الأسرة ، (واخ العرب) كما يكنيه الجميع رجل مثقف وشاعر وشجاع وصريح ، والحديث معه ممتع وجلساته لاتمل .
  في زياراته للمحافظات ،كان الرئيس لايبخل بإسداء النصح للمسئولين ،ففي إحداها سمعته ينصح صالح منصر السييلي بالزواج والإستقرار لما لذلك من اهمية له كمسؤول...كان السييلي حينها مأمورا للمديرية الوسطى..مديرية القطن حالياوفيما بعد اصبح محافظا لحضرموت ثم وزيرا لامن الدولة واخيرا محافظا لعدن .
  * وكان للرئيس سالمين علاقات شخصية مع كثيرين منذ حرب التحرير ظل محتفظابها بقدر ماتسمح به انشغالاته ، ويسأل عن رفاق السلاح خاصة الجرحى منهم والفدائيين ، ويجد سعادة في حل مشاكلهم ،ويتابع علاجهم في الداخل وفي الخارج ايضا...
  بعض المناضلين كانوا يترددون على الرئاسة احيانا لمراجعة ومتابعة قضايا خاصة بهم ويصادف احيانا ان يكون هناك ضيافة وغذاء خلال وجودهم يقيمه الرئيس لضيف رسمي من ضيوف الدولة. وكان الرئيس سالمين يدعوهم لتناول الطعام مع ضيوفه ،فكنت تسمع قرقعة وصرير إصطكاك السكاكين والملاعق بالصحون ..فهؤلاء المناضلون لم يألفوا مثل هذه الأجواء وتناول الأكل بالسكين والشوكة...

 * وفي زياراته الداخلية للمناطق المختلفة كان الرئيس يسأل عن فلان وفلان الآخر وصحتهم ويطرح اسئلة من قبيل كيف صحة فلان.. ولماذا فلان الآخر ليس بين الموجودين؟! 
 لم يكن الرجل جحودا ، وليس هذا من طبعه . 
 
  *وعلى رغم الخلاف والتوتر مع الشمال في بعض المراحل، ظل محتفظا بعلاقة طيبة مع العديد من المسؤولين فيها ، من بينهم محافظ البيضاء... وكان يكتب له رسائل بين الحين والآخر ..طبعا باوراق غير رسمية ، وليس عليها شعار الدولة...بل يستخدم ورق ال "فولسكاب"  المتعارف عليه الذي يستخدم في المراسلات.. وطبعا لم يكن يكتب الرسائل بخط يده . 

 * كان الرئيس يعطي اهمية خاصة لعلاقة اليمن الديمقراطية بمصر ويقدر دور مصر في مساعدة ثورة الجنوب تقديرا عاليا ويذكر خلال احاديثه اسماء الضباط المصريين في القيادة العربية بكل تبجيل واحترام....ولا يقف كثيرا عند وقف مصر لمساعدتها للجبهة القومية بعد ان منحت دعمها السياسي والمادي لجبهة التحرير .
  تبوأ الضباط المصريون الذين اشرفوا على عملية " صلاح الدين " وهو الاسم السري للدعم المصري لثورة الجنوب  مناصب عليا في الجيش المصري فيما بعد واصبحوا لواءات ومن كبار القادة العسكريين...
                               (2)

     يشتغل الرئيس على الملفات وقضايا الدولة حتى اوقات متأخرة من الليل .. وبرغم ذلك يصحو مبكرا. 
 في بعض الأيام كان يأتيني إلى المكتب يتبعه أحد من خدمة المطبخ حاملا الإفطار ..عادةيتكون من البيض وشرائح الخبز المعروف ب :"سلايس" وهو لايتناول اكثر من قطعتين اوثلاث مع بعض الجبنة اوالقشطة وكوبامن الحليب...فهو في العادة لايأكل كثيرا ...
   بعد الإفطار نقوم معا بتنظيم جدول يوم الرئيس ، او نعدل ماهو مبرمج من قبل حسب الظروف ومقتضيات الحال ..
مابين لقاءات رسمية مع وفود او شخصيات زائرة اوديبلوماسية او مع ممثلي منظمات المجتمع المدني...وقد يبقى لبعض الوقت يتعامل مع القضايا المختلفة او يخرج لنزولاته المعتادة...
 *****
 في الغالب كنت احضر لقاءات الرئيس مع ضيوفه ، واسجل محاضر مباحاثاته معهم ..
   اجمل لقاء كتبت محضرا له كان لقاء الرئيس بالسفير الصومالي...كانت الجلسة في القاعة الكبيرة التي يستقبل فيها كبار الضيوف والسفراء .
السفير اخذ راحته ع الآخر واضعا رجلا على رجل ، ويتكلم كما لو انه في مقهاية عبدالله إسماعيل بالمعلا....كان بإمكاني تسجيل اربعة محاضر بصيغ مختلفة لذلك اللقاء !
 دار الحديث بين الرئيس والسفير في اجواء ودية حول العلاقة بين البلدين الشقيقين ، كانت العلاقات في تلك الفترة في اوج إزدهارها خاصة ان الصومال بعد ثوره 21 اكتوبر1969 انتهجت طريق التوجه الاشتراكي كما صنفت .يضاف إلى ذلك ان علاقات الصومال باليمن الجنوبي ذات جذور تاريخية وعلاقات تجارية منذ كانت مملكة قتبان طريق تجارة البخور الى الممالك القديمة ، يضاف إلى ذلك الموقع الاستراتيجيي لعدن المتحكم بممر باب المندب وموقع. الصومال في القرن الإفريقي، والذي هو محل اطماع قوى اقليمية ودولية ..
وبرغم ان حديث الرجلين تطرق إلى كل  ذلك إلى ان الرئيس سالمين الذي كان مهتما بتنمية الزراعة ، وجد فرصة لأن  يطلب شتلات موز صومالي من السفير، لتجربة زراعته في اليمن الجنوبي خاصة في مناطق زراعة الموز في دلتا ابين وتبن .
*****
  اما اصعب موقف لتسجيل محضر كان لقاء الرئيس مع وفد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين برئاسة نائف حواتمة. تم اللقاء في مكتب داخل القصر ، والحضور بمن فيهم الرئيس يتكلمون بأصوات منخفضة ،وخلفي مكيف قديم يصدر أصواتا مزعجة.
وفي هذا الجو مطلوب مني كتابة محضر مع طغيان هدير المكيف....
 ركزت حتى ارهقت سمعي كي لا اكتب كلاما لم يقله احد.....
مقابلة حواتمه وجماعته لم تخرج عن مناقشة اوضاع الثورة الفلسطينية والمشاكل التي كانت تواجهها حينها، ومن جانب الرئيس اكد على موقف اليمن الديمقراطية الراسخ والدائم الداعم إلى جانب الثورة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة واقامة دولته المستقلة.....
*****
  ومن اللقاءات التي اذكرها جيدا لقاء الرئيس ربيع بالقائم بأعمال السفارة العراقية في عدن ، السيد السامرائي . 
وقد جمعتني به جلسة قصيرة قبل مجئ الرئيس . 
 اراد السيد السامرائي الايفوت الفرصة فربما يجد لدى محدثه شيئا مما يبحث عنه قبل مقابلة الرئيس... ومعروف عن بعض الدبلوماسيين دس انوفهم في كل شيء ..
بدأ الحوار  بالسؤال عن الأحوال ثم انقلب عن السؤال عن الأجواء ..كنت ادرك عن اي اجواء كان الرجل يسأل ...فمن غير المعقول انه كان يسأل عن درجة الحرارة في عدن او يشتكي منها فدرجة الحرارة في بغداد اعلى بكثير.....
  قلت في نفسي لن اخسر شيئا إن تعمدت الغباء..
 أخذت أحدثه عن حرارة الأجواء في مثل هذا الوقت من العام في عدن ، فقاطع الرجل كلامي قائلا :
    - كنت اقصد الجو مع الشمال...
   قالها هكذا بكل وضوح وبدون ادنى قدر من الدبلوماسية....
كانت علاقتنا مع الشمال في اسوأ حالاتها خلال العامين الأخيرين وبالاخص في هذه الفترة قبل نشوب حرب 1972 بين الدولتين .
أجبته بأنه ليس هناك من جديد اوشيء يمكن قوله بهذا الخصوص خلاف ماهو منشور في وسائل الإعلام المحلية من صحافة وإذاعة وتليفزيون ،وأنه ولاشك  على إطلاع بمجريات الأمور في البلد بحكم الفترة التي قضاها في عدن وعلاقته بالجهات الرسمية المختلفة ووزارة الخارجية .
لمحت الرئيس قادما من طرف القاعة ولم يفتني انه سمع جزءََ من الحديث....
سلم الرئيس وقام القائم بالأعمال العراقي لتحيته . وبدأ اللقاء ،وسجلت المحضر كالعادة ..
وبمجرد خروج الضيف التفت الرئيس إلي وسألني : 
  -ماذا يريد هذا ال..........؟ 
   ولم يكملها..
  اجبته :  
  - هو حر فيما يقول ومايريد فالرجل يقوم بعمله...وانا مسئول عما اقوله انا.. فابتسم ابتسامة واسعة وربت على كتفي .
 وكان الرئيس يقدم الهدايا لضيوفه وكنا نحرص ان تكون من المنسوجات والمشغولات اليدوية المحلية والبن اليافعي . اما كبار الضيوف فكنا نقدم لهم خناجر"جنابي " كنا نطلبها من صاغة متخصصين في لحج بمواصفات خاصة او من جنابي حضرموت المشهورة... ولم يحدث ان قدم الرئيس هدايا حتى لرؤساء الدول الذين زاروا عدن من المقتنيات الاثرية اوساعات تحمل صورته .
  (3)           
كان الرئيس سالمين شديد الإهتمام بشؤون وشكاوي المواطنين ولايهمل اي شان من شؤونهم يصل إليه. وقد اسند لي الاهتمام بشؤون المواطنين إضافة الى قضايا اخرى لم تكن من صلب عملي ....
..على سبيل المثال كانت تراجعنا اميرة لحجية في بعض شؤون اسرتها احال لي الرئيس حل قضيتها . كان على الأميرة مسحة من حزن مع انها جميلة ..ومع انشغالنا بزحمة العمل احيانا ينقضي النهار دون ان نتمكن حل مشكلتها....والحقيقة ان مشكلتها لم تكن من النوع السهل الذي يمكن حله في يوم او اثنين اي انه يتطلب وقتا.... كان. على الأميرة ان تقطع المسافة إلى لحج من داخل الرئاسة في الفتح الى الجولة..بتاكسي إلى التواهي. ثم تستقل مواصلات اخرى إلى الشيخ عثمان ثم ثالثة إلى لحج والعكس في اليوم التالي ، ولأيام .. هذا مشوار متعب ومرهق على فتاة مثلهافي تلك الظروف ! 
هل يمكنك تصور اننا كنا نقوم انا وعبد الله بن سلمان بإيصال هذه الأميرة الشابة إلى فرزة لحج بالشيخ. بسيارته الخاصة في ايام الإنتفاضات والشعارات الصارخة ومعاداة السلاطين والرجعية....ثم نذهب للغذاء بمطعم اليافعي(مطعم ديلوكس ) هل يمكنك تخيل ذلك ؟!!
 كمدراء دوائر لم تكن عندنا سيارات فكنا نستخدم سيارة عبد الله بن سلمان مديردائرة الشؤون الداخليةوالخارجية
الشخصية الخنفسة من نوع فولكسڤاجن في تنقلاتنا الشخصية، وعندما حل زيد سليمان بدلا عن بن سلمان الذي عين سفيرا في لندن ولم تكن لديه سيارة اضطررنا إلى تحويل سيارة "كورونا" قديمة تحمل رقم ١٤ حكومي إلى رقم مدني حتى يتسني له إستعمالها في تنقلاته الشخصية ...اما للعمل الرسمي فكنا نستخدم سيارات الرئاسة ، وهناك سيارات مناوبة متوفرة دائما للعمل بعد الدوام ولأي طارئ...

                             (4) 

ذات يوم جاءالرئيس سالمين إلى مكتبي. وكثيرا ماكان يفعل ذلك .. كان هذا منتهى التواضع منه ، كان بامكانه ان يستدعيني إلى مكتبه بواسطة الهاتف فاذهب إليه .
سلمني مظروفا كاكيا كبير الحجم يحتوي على خمسة تقارير في غاية الأهمية والخطورة ،طلب مني تلخيصها والحفاظ على سريتها وعدم السماح لأي كان بالإطلاع عليها.. احد التقارير كان عن رأي القيادة السوفييتية في بعض المسائل الدولية.. وآخر عن الأوضاع السياسية والعسكرية في الجمهورية العربية اليمنية ..وتقرير اقتصادي محلي وتقريرين آخرين. 
   لأهمية التقارير ، تفرغت لها وانجزت تلخيصها في زمن قياسي ، وأرفقت كل ملخص بالتقرير الخاص به وفي مساء نفس اليوم ذهبت لتسليمها للرئيس .
  وانا اسلم التقارير توقعت ان يستغرب سرعة الإنجاز، وان اتلقى الشكر منه على ذلك..وكنت سإكتفي بذلك كمكأفاة لي على العمل الذي قمت به .
  لكن ماقاله جعلني اتسمر في مكاني ..
   - ايش سويت في مشكلة عجوزة القلوعة؟   
  لبرهة لم ارد عليه ، رغم ان المشكلة قد وجدت طريقها للحل ..كنت في حالة ذهول قبل ان أجيبه:
 - حليت مشكلتها كما امرت .
  لكن ذلك بين لي مدى الإهتمام الذي كان يوليه الرئيس لقضايا المواطنين حتى في خضم إنشغاله بالقضايا الكبرى .
    بفضل من الله وتوفيق منه وبمتابعة شخصية حثيثة من الرئيس، القضايا التي كلفني بها وجدت طريقها للحل ،حتى انني كنت اتسلم رسائل شكر من المواطنين..
 وكانت دعوات عجائز عدن والآخرين الذين ساهمت في حل مشاكلهم بعون الله  تمدني بطاقة كبيرة وكنت افرح فرحا لايوصف عندما اوفق في حل اي مشكلة فعلى ذلك اتقاضى راتبي الشهري وليس منة مني. 
قوة الرئاسة وهيبتها كانت تساعدنا كثيرا في حل مشاكل المواطنين...
نستلم مشاكل المواطنين عبر البريد او يأتون شخصيا لشرحها...نوجه رسائل للادارات المختصة نشرح فيها المشكلة ونطلب حلها وموافاتنا بذلك...احيانا نقوم بالإتصال التليفوني ومناقشة المختصين وتبادل الاراء ، واحيانا نطرح مقترحات للحل.... ونستمر في متابعتهم ، هكذا بكل بساطه لايمر وقت طويل حتى نستلم النتائج...

                              ( 5)
    اتصل بي الرئيس على تليفون المكتب واخبرني ان الأستاذ عوض عثمان موجود في فندق الجزيرة بكريتر ، وطلب مني ان انقله من الفندق وارتب له سكنا في دار الضيافة..
اتصلت بفندق الجزيرة...خاطبت الرجل واشعرته بأن يكون جاهزا للإنتقال لأنني سوف آتي لإصطحابه بعد ساعة....وكنت قد رتبت له غرفة بدار الضيافة كما امر الرئيس .
قابلني الرجل ببشاشة وفرح شديدين ،  وشكرني لأنني اسرعت في المجيء وإنقاذه من وكر المخابرات الاثيوبي على حد قوله! لم اكن اعرف توجهات الرجل السياسية ولالِمِّ هو خائف من المخابرات الاثيوبية.....حينها كان يشاع ان فندق الجزيرة وكر للمخابرات الإثيوبية...
فمن هو عوض عثمان؟ ولماذا كان الرئيس مهتما به الى هذا الحد وسط مشاغله وانشغالاته الكثيرة ؟
معلم سوداني عمل في ابين وقبلها في حضرموت وهو صهر الاستاذ سعيد القدال رائد التعليم الحديث في حضرموت وكان قد استقدمه من السودان ليساعده في هذه المهمة...ويبدو ان الرئيس قد تعرف عليه خلال عمله مدرسا في حضرموت وابين .
القدال اصبح بعد ذلك سكرتيرا للسلطنة القعيطية.