في سنة 1972م زار الأمين العام للجبهة القومية عبد الفتاح اسماعيل موسكو لكن المفاجأة المذهلة التي اغضبت الرئيس سالم ربيع علي هي ان السوفييت ، وقبل ان يصل إلى موسكو، اعتذروا ان ليونييد بريجنييف سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفيتي لن يستقبل عبد الفتاح اسماعيل رغم ان الزيارة كان مخططا لها منذ فترة وكان ذلك ضمن برنامج الزيارة ...!
  كيف ..؟ ولماذا ...؟!
   مصدري الذي صرح لي عن هذه المعلومة لأول مرة قال : 
  بالمناسبه موضوع الزيارة هذه لايعرفه احد ويثار لأول مرة ..معلومات كهذه يجب نفض الغبار عنها ونشرها للناس لأن من حقهم ان يعرفوا.. وهي على اي حال قد فقدت سريتها منذ وقت طويل..
  ويضيف : السوفييت في البرقية التي ارسلوها ،ارجعوا السبب إلى إنشغال بريجنييف !! وذكروا إسم عضو في المكتب السياسي، سيقابله ويجري المباحثات معه بدلامن بريجنييف ، لعله سكرتير العلاقات الخارجية اونائبه بحكم انهما معنيان بالزيارة وبالعلاقة مع الأحزاب ...
   لاحظ ان الإشعار حول إلينا من الخارجية واستلمناه في الرئاسة..لا اعلم ان كانت اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الجبهة القومية تلقت نفس الإشعار وإن كنت اشك في ذلك...
كان بامكان السوفييت إشعار عبدالفتاح مباشرة فهو الأقرب إليهم إذ كان حينها في براغ اوصوفيافي زيارة للبلدين يزور في ختامها موسكو...هذا يريك انه حتى الدول الكبرى والعريقة تخطيء في إجراءاتها وسياساتها ...

                            ( 2)

   في هذه الحلقةيكشف عبد الله عمر المضي الذي كان يعمل. في مراسم رئاسة الجمهورية. في التواهي / عدن في اول عهد الرئيس سالم ربيع علي ( 1972)  الذي يبدو انه قرر اخيرا ان يكشف عن هويته التي حرص على إخفائها في السابق ...
  يكشف عن بعض الاسرار التي لم تكن معروفة من قبل : 
  " غادر الأمين العام عبدالفتاح اسماعيل عدن إلى موسكو في زيارة رسمية يزور قبلها براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا ،وايضا صوفيا عاصمة بلغاريا ، وفي يقينه انه سيقابل بريجينيف الرجل الاول في الكرملين وسيجري مباحثات مثمرة لصالح بلاده ولمصلحة البلدين الصديقين عندما يصل موسكو ...
   كانت الرحلة مخططا لها مسبقا بكل تفاصيلها ..وان تكون الرحلة مخططة او مخطط لها يعني انه تم الاتفاق على جميع تفاصيلها ، فهي زيارة رسمية يحدد فيها يوم الوصول تاريخه وتوقيته...تحديد المسئولين الذين سيقابلهم الأمين العام..
الأماكن التي سيزورهاومرافقيه..الفعاليات والأنشطة الثقافية التي سيحضرها...الخ الخ: عدد ايام الزيارة وحتى ساعة ويوم المغادرة ..كل شيء تقريبا ..
   المفاجأة انه عندما كان الأمين العام عبدالفتاح اسماعيل في منتصف زيارته التي تسبق وصوله إلى موسكو تلقينا في الرئاسة إشعارا من الأصدقاء السوفييت  عبر وزارة الخارجية يعتذرون فيه عن عدم تمكن ليونيد بريجنيف سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفييتي من لقاء عبدالفتاح اسماعيل لانشغال بريجنييف ..
 ومعروف عادة ان برنامج قادة الكرملين يكون مخططا له لاشهر قادمة تقريبا ، فاذا كان مشغولا فعلا كما تقول برقيتهم فلماذا وافقوا على الزيارة من الأساس ؟!
   معروف ان علاقة اليمن الديمقراطية بالاتحادالسوفييتي قوية جدا ومتينة. وموسكو تعتبر الداعم الأول والأساس لبلادنا في جميع المجالات من المجال العسكري الى السياسي والاقتصادي وكل المجالات الأخرى ، لذلك لم يكن مفهوما إعتذارهم في اللحظات الاخيرة !

                            ( 3)
 
  استاء الرئيس سالمين كثيرا عندما ابلغ باشارة السوفييت بعدم تمكن بريجنيف من إستقبال عبدالفتاح اسماعيل . وكان اول تعليق قاله :      
  - ماكنا ننتظر منهم معاملة كهذه لأميننا العام....!
   قالها هكذا بالنص ..
كان هذا البلاغ من جانب موسكو محبطا جدا..فالرجل كان يقدر تقديرا عالياموقف السوفييت الداعم لبلادنا..
 لكن اكثر ما أزعجه ان هذه الزياره متفق عليها بحذافيرها ، فكان يتوجب على السوفييت الإلتزام بما اتفق عليه او كان عليهم طلب تأجيل الزيارةلوقت آخر يتفق عليه بين البلدين .
  صحيح ان الاتحاد السوفييتي دولة عظمى ونحن بلد فقير وهم يقدمون لنا المساعدات لكن هذا لايعطيهم الحق ليكونوا في حل من التزاماتهم ..الاتفاقات بين الدول يجب ان تحترم ويتم الالتزام بها بغض النظر عن حجم هذه البلدان
..صغيرة كانت او كبيرة ، اوغناها اوفقرها.. فهذا امر يتعلق بسيادة الدول وكبريائها... وهو امر لم يكن الرئيس يتهاون فيه .
  حتى ان سالمين فكر في إرسال برقية لعبدالفتاح اسماعيل يطلب فيها عدم التوجه إلى موسكو والعودة إلى عدن .. ولو كان هذ الامر تم فعلا لحدث شرخ كبير وازمة في العلاقه بين البلدين...
بعد ترو وتفكير عميقين اخذ الموضوع بهدوء، وآثر معالجة هذا الامر عبر الأطر الديبلوماسية والسياسية...
كان السوفييت وفي غمرة خلافاتهم مع الصين يحسبون سالمين على الجانب الصيني وكان هذا الامر معروفا ولم يكن سرا وان لم يكن معلنا ومن جانبه يحتفظ سالمين بقوة العلاقه مع الاتحاد السوفييتي الداعم لبلادنا بصرف النظر عن نظرتهم او تقييم موسكو له..فهو في الاول والأخير يخدم بلاده وليس تابعا لأي من الصين او الاتحاد السوفييتي .
..هذا من الجانب الرسمي...اما من الجانب الشخصي فلم الاحظ ان سالمين يتقرب او يتودد للسفير السوفييتي ..ولا للسفير الصيني وانما يتعامل معهما ومع غيرهم كرئيس دولة يعتز بأنتمائه لبلده اليمن الديمقراطية الذي هو رئيس له ..

                           (4)
  
   كثيرون لايعرفون ماكانت عليه العلاقات بين الامين العام والرئيس من ود واحترام متبادل .. فهمارفيقا نضال خلال الثورة المسلحة ، ولهما نفس التوجهات السياسية والايدلوجية وان اختلفا في طريقة تنفيذ برناج التنظيم والدولة .. 

    كنت حاضرا لمكالمة ودية جدا بين الرئيس سالمين والامين العام للتنظيم عبدالفتاح اسماعيل يطلب فيه كل من الآخر إلقاء كلمة في إحدى المناسبات حتى اني سمعت سالمين يقول له :
   - لكنك انت الأمين العام.....
  انتهت المكالمة واعاد سالمين سماعة التليفون إلى مكانها وألتفت الي قائلا: 
- أعد الخطاب....
    استغربت ان يطلب مني ذلك ، ولم اعد اعرف اهو يختبرني ، اوماذايقصد ،خاصة وان تكليفه لي بأمور مختلفة خارج نطاق مسئولية عملي زاد في الآونه الاخيره..ام هي ثقة زائدة بي حتى بت أخشى من عدم الإيفاء بأي من هذه التكليفات...
  اعتذرت له بلطف وبمنتهى الأدب ،إذلا
علاقة لي بكتابةالخطابات ..ومن جانب الرئيس فقد قبل إعتذاري وقال :
  - سأكتب الخطاب لكنك ستقوم بتصحيحه...
   اخرج دفتر يومياته وبدأ الكتابة وانا انشغلت بالملفات التي امامي...
بعد وقت ليس بالطويل كان قد إنتهى من الكتابة وسلمني عدة اوراق من القطع الصغير لتصحيحها.. 
 كانت هذه المرة الاولى التي اقوم فيها بهكذا عمل...
بدأت القراءة باحثا عن اخطاء إملائية او نحوية او قواعدية فلم أجد شيئا من ذلك...بحثت عن اخطاء من قبيل إحلال القاف محل الغين او العكس او إستبدال الضاد بالظاء ولم اجد شيئا من هذا ايضا..
كل ماوجدته كلمتين ناقصتين لم يكتبهما فأضفتهما....-
  اعدت قراءة الخطاب اكثر من مرة فلم اجد فيه اية اخطاء...
واخيرا وضعت الخطاب امامه فسألني إن كنت انتهيت...فقلت له: 
 - ليس هناك ما يستوجب التصحيح...
  فشكرني وعاد كل منا إلى اوراقه التي امامه...