دمّرت الحربُ الراهنة المجتمع اليمني، وأصابت كيانه الأسرى، وسقط كثير من الناس في هوّة الفقر، وتحوّل جزء كبير من الشعب إلى نازح يتلقّف ما تُرمى إليه من المساعدات الدولية هناك وهناك لتبقيه على قيد الحياة.
في خضم هذه المأساة ظهرت نساء يمنيات بذلن ما بوسعهن، وضربن مثالا رائعا في تغيير ظروف حياتهن من سيء إلى أحسن. غلبن الاحتياج، وتغيّرن من طالبات قوت يوميّ إلى نساء فاعلات في تحسين ظروف أسرهن، وصرن أقوى من جور الظروف الاقتصادية.
العسكرية "هدية سليمان" تعمل ممرضة في مستشفى "باصهيب" العسكري. توقّف راتبها وما يُصرف منه يتأخّر شهورا، والأمر نفسه ينطبق على راتب زوجها الذي يعمل بالصيانة في المستشفى. تحكي هدية أنه عندما ضاقت بهم الظروف كانت دائما تضحك وتفكر معا. بدأت بتكوين رأس مال استدانته من الأقارب. صحيح أنه كان قليلا، ولكنه النواة التي فتحت لها أبواب ممارسة مهنة "الدِّلالة" التي غيّرت حياتها وكسبت منها كثيرا. بدأت ببيع الثياب النسائية حتى وصلت إلى المواد الكهربائية. تشتري للناس البضائع وتضيف إليها هامش ربح، وتساعد آخرين في الحصول على بضائع يريدون شراءها، ويكون الدفع لها بنظام التقسيط في شهور. تغيرت حالة هدية وعندما تزورها في بيتها تجد ضحكتها في كل أركانه.
"فطوم على حسن سالم" مناضلة أخرى من سكان قرية قلوعة بئر أحمد. بعد وفاة زوجها لم يكفها معاشها العسكري في تلبية متطلبات الحياة ومعيشة أبنائها. هبّت كالريح العتية لتحطيم حاجز الحاجة إلى المال. بدأت بمساعدة نساء القرية في الحصول على العلاج الطبي في مدينة عدن، فهنّ قرويات لا يعرفن المستشفيات الحكومية بالمدينة وكيفية التعامل فيها، وتقوم بتوليد النساء الحوامل، وترضى بمبلغ صغير، ولكنه ازداد مع الأيام، وقد تعرفت على المنظمات الإغاثية عن طريق المجلس المحلي، وبذكائها استطاعت أن توصل المساعدات للناس إلى بيوتهم. كانت تسجل أسماءهم، وتُخرج لهم بطائق الإغاثة، وتدلّ عاملي المنظمة على أهل قريتها المحتاجين إلى المساعدة، بالإضافة إلى مساعدة النازحين الهاربين من جحيم الحرب الى بئر أحمد. فطوم، على الرغم من كبر سنها، من الأمثلة الناصعة لدور المرأة في واقعنا اليمني المتهالك بسبب الحرب، إنها الانتصار على الحاجة إلى المال.
وفي الأخير، ببساطة هنّ اليمنيات اللواتي نتعلّم منهنّ كسر قيود المال.