لا أود الخوض في المعاني البروتوكولية لطاولة مباحثات بوتين وضيفه ماكرون في الكرملين ، ولا في مقتضيات كورونا ومتحوراتها من التباعد واخذ الحيطة والحذر وقد أضحت شائعة في لقاءات الساسة .
على أن ثمة بعدا سياسيا ما هنا يصعب أن يتجاهله المراقب ، ولا بد من استشفافه من وراء هذه المساحة الخالية في طاولة الزعيمين . ربما أراد بوتين أن يقول لضيفه: نعم روسيا وفرنسا قوتان عالميتان ، لكنهما لبستا لوحدهما في بحث ما يجب بحثه من قضايا العالم الكبرى والتي أن أوان بحثها بعمق ؛ ثمة قوى أخرى ، قديمة وجديدة ، ممسكة بشكل أو بآخر بالقرار الدولي فيها . ولعل لهذه المساحة من الفراغ أن تتصف بمثل هذا البعد ، لأن ثمة خارطة طريق لصورة النظام العالمي الجديد ، مطلوب من من القوى الكبرى مجتمعة أن ترسم تفاصيلها الأولى هنا وبداية من هذه الطاولة ، على أن تبقى في طور الاسكنش حتى تحضر بقية الأطراف المعنية . 
من هنا ، فربما يجدر بنا في هذا الصدد ، أن نستعيد بعض ما ذكره عالم السياسة الفرنسي المرموق وأحد كبار أساتذة معهد العلاقات الدولية في باريس وهو السيد برتران بادي الذي كان قد كتب ومنذ أكثر من عشر سنوات عن:
" واقع دولي من صفاته الجديدة تراجع قدرة القوى الغربية المهيمنة سابقاً على السيطرة وعجز القوى الدولية الصاعدة عن الحلول مكانها " .
‌ولئن كان هذا ما كتبه الأستاذ بادي منذ أكثر من عقد ، فلعل التطورات اللاحقة قد أدت إلى تظهير كثير من التفاصيل ، التي تسمح برؤية المزيد من التراجع لسيطرة القوى الغربية ، لصالح المزيد من الصعود للقوى الدولية الجديدة وعلى نحو يمكنها لا من تجاوز العجز ، بل ومن التحكم الفعال في إدارة دفة العالم .
‌كان الهروب الأميركي المرتبك من أفغانستان ، مؤشراً واضحاً على اضمحلال كل ظروف أحادية القطب  ومن لف لفه .
‌فيما كان التلاقي الروسي الصيني الاخير على هامش الأولمبياد الشتوي ، هو الآخر مؤشرا بالغ الوضوح على الصعود الجبار للقوى الدولية الجديدة.
‌من هنا رأينا توجه الرئيس ماكرون مباشرة ، نحو أميركا وبقية حلفائه الغربيين . ويبدو كذلك أن الدور القادم لفرنسا وألمانيا سيكون على حساب تقلص النفوذ البريطاني عالميا .