زُقاق "زغطوط" حارة الشريف / وحارة القاضي .. 

يقع هذا الزُقاق بالقرب من مـَسكني في الحارة التي هي مَسقط رأسي، والمُسماة بـ "حارة الشريف" والتي سُميت فيما بعد بشارع المتنبي، في مدينة عدن القديمة "كريتر"، وهذا الزقاق يربط حارتنا بحارة القاضي المجاورة .. 

يُمثل هذا الزقاق بالنسبة لي ولزملائي من سكان الحارة، مَهـْداً لِلقائاتنا، وجَنة ألعابنا، ومسرحاً لشقاوتنا في مرحلة الطفولة والصبا .. فهو مُظلـَّل وباردٍ في معظم أوقات النهار، تسطـَع فيه أشعة الشمس لساعتين فقط في وسط النهار، ثم يظل مَحميا من لفحتها الحارقة بقية النهار، فتدخله نسمات الهواء المُنعشة، تارة من جهة حارة الشريف بإتجاه حارة القاضي، وأخرى من حارة القاضي بإتجاه حارة الشريف، فترانا نلعب ونمرح فيه بهناء، دون عناء، وبأمان أيضا لان السيارات لايمكنها أن تمر عبره  ..

في حنايا هذا الزقاق لعبنا كرة القدم، والكرة الطائرة، ولعبة الفتاتير أي "الكـُرات الزجاجية الصغيرة"، ولعبة الغميضان أي "الأستغماية"، ولعبة الـ "سَبْعَة صاد" .. 

في لعبة الـ "سَبعة صاد" يقوم فريق مِنا بوضع سبعة أحجار صغيرة بحجم كف اليد، على الأرض فوق بعضها البعض، ثم يقف رئيس الفريق الآخر على مسافة سبعة أمتار على الأقل من تلك الحجارة المرصوصة فوق بعض، ويقوم برمي كرة بحجم كرة "تنس الميدان" على تلك الحجارة، فإن أستطاع أن يُسقط الحجارة، يفر هو وفريقه بعيدا، ويقوم الفريق الآخر بمطاردتهم في محاولة لرمي الكرة على جسد أحد أعضاء الفريق الهارب الذي أسقط الحجارة، فإن أصابت الكرة أحد أعضاء الفريق الهارب، تنتهي اللعبة بفوز الفريق الخصم، وتتكرر اللعبة بعد ذلك بين الفريقين بالتناوب بهذه الطريقة .. 

هذا الزقاق لَعِب أيضا دورا تربويا قـَيـِّما في مرحلة طفولتنا وصبانا أنا وزملائي، فحين نرى واحداً من سُكان الحارة الكبار ماراً في الزقاق، نقوم نحن بإيقاف اللعِب إحتراما له، وإذا مر أحد كبار السن حين نكون جالسين في حلقة في الزقاق نتجاذب الحديث، نراه يُشِيد بنا ويَمُن علينا ببعض النصائح والتشجيع.  أما أولياء أمورنا فيعلمون أننا لسنا بعيدين عن مساكننا، وأنهم في حالة حاجتهم لنا، سيجدوننا في الزقاق دون أن يتكلفوا في البحث عنا  ..

وقبل إلتحاقي بمدرسة السيلة الإبتدائية "بكريتر"، وبالتحديد في ثاني يوم من أيام إلتحاقي بـ "مِعلامة الفقيه صغير"، التي تقع في نهاية هذا الزقاق، مَرَرْت فيه يوما وأنا محمولا غـَصْبا عني، أحاول الإفلات من زملائي الذين يدرسون معي في تلك المِعلامة، والذين أمـَرَهم "الفقيه" أن يأتوا بي إلى المِعلامة بالقوة، كوني رفضت الحضور، لأني رأيت - في أول يوم لي في تلك المعلامة - أن "الفقيه صغير" يتعامل مع الطلبة بصرامة وحزم، ويستعمل عصاه أثناء تحفيظنا القرآن الكريم .. 

بعد ذلك اليوم صرت أذهب إلى المِعلامة تلقائيا، فلو رفضت الذهاب، سيرسل "الفقيه" الأولاد ليحضروني بالقوة مرة أخرى، إذْ لا مفر من ذلك الإجراء التربوي التأديبي الذي يمارسه "الفقيه صغير" بحزم وصرامة، وينال رضى أولياء أمورنا .. 

حواري عدن وأزقتها تحتفظ بذكريات لا تنمحي، لزمن كانت فيه هذه المدينة العريقة إحدى أرقى المدن في الجزيرة العربية، واكثرها تحضرا، ورقيا، ورخاءاً في الحياة الثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية .. 

قل للزمان ارجع يازمان   ..

فؤاد أبوبكر  ..