مازلت لااستوعب انك رحلت عنا ، وانك لن تعود كما كنت تفعل بعد كل غياب ، ولن نراك مرة أخرى !!
هذه المرة كنت وحدك على يقين دونا عنا جميعا ، بانك لن تعود إلى بيتك ، اسرتك، اصدقائك، وان الذئب الذي يتربص بك على بعد خطوة لن يفلتك هذه المرة !
كثيرا ماافلت من بين براثنه ..كثيرا ماكنت بين مخالبه ، لكنك كنت تنجو كل مرة ، رغم ماكان يتركه من جروح ..ندوب على جسدك ، لكنه ابدا لم يستطع ان يهزم روحك .كنت تغلب المرض ، الالم ، الوجع بالإبتسامة ، الضحك ، المرح ، الامل ، التفاؤل ، وتنتصر عليه ، وتعود اكثر حبا للحياة ، وبحب الناس ، كل الناس ، كأنك تجد الملاذ بينهم .. مااظنك كرهت احدا قط ، كنت سخيا بلاحدود ، ليس بانفاق المال على من يحتاجه حتى دون ان يطلبه ، بل بالحب ، الابتسامة التي كنت توزعها على الجميع ، كأنها علامتك المسجلة ..وبالنكتة التي كنت من احسن من يلقيها حتى انك ألفت كتابا عن النكتة السياسية في اليمن ، فاضحكتنا على السياسيين ومنهم ، وكانت النكتة دائما سلاح الشعوب المظلومة للسخرية من حكامها ..وكنت تعرف ذلك ، فاستخدمته باتقان . 
  كنت إنسانا من نوع نادر ، لم يعد منه كثيرون في هذا الزمن .. كأن الله خلقك من قالب فريد ثم كسر ذلك القالب ! كنت نسيج وحدك ولا ابالغ .. مااظن ان احدا عرفك دون ان يحبك ، يتعلق بك ، يفتقدك إذا غبت ، او مرضت . كنت ملجأنا حين نحتاج إليك ، املنا حين يتملكنا اليأس ، صوتنا عندما نعجز عن الكلام لأي سبب ، ولم تكن تبخل بكل ذلك حتى لو كنت انت المحتاج إلى من يعينك على مصاعب الحياة ، وقهر الزمن ! وآلام الكبد ، واتعاب العمليات الكثيرة .
  كضوء تدخل مقعدا يخيم عليه الحزن فتشيع فبه السعادة بروحك الطيبة كأنك تملك سحرا خاصا بك  يضيء النفوس قبل الأمكنة، ويبث طاقة فرح .. هذا في الظاهر أما في الباطن فكانت جذوة الآم فيروس الكبد تشتعل في جسدك ، لايعاني حريقه إلا أنت !! وما ان تشعر بانك صرت احسن قليلا حتى تنهمك في العمل ،،
   في العمل كنت تجد نفسك، والجميع حولك ، كماالنوب حول اليعسوب .. التلاميذ حول المعلم ..مكتبك مفتوح كما  قلبك دائما ، لم توصد بابا في وجه زميل ، اوطالب وظيفة بقدر ماتسمح الظروف والامكانيات ، اوترد محتاجا .. وكثيرا ماكنت تجترح الحلول لمعضلات العمل ، مادية ، كانت ام فنية، اوشخصية . 
  في العمل كنت تنسى نفسك ، تنسى مرضك ، فتنهمك فيه بدون راحة ولاحدود ..وخلف كل هذا كنت تخفي ألمك ولاتظهره لأحد ، حتى يشتد عليك المرض ، ويفضح السر الذي تحاول ان تخفيه عن الجميع ، فيودي بك إلى مستشفى الكبد... ليس مستشفى واحدا ، ولا اثنين، بل مستشفيات ، كم من جراحة تعرض لها جسدك ، وكم من مبضع جراح انتهكه حتى انهكته العمليات الجراحية ، وفي كل مرة كان ذلك الذئب يتربص بك ، لكنه لم يكن قريبا منك إلى هذه الدرجة كما كان هذه المرة ، يحوم حول سريرك كما رأيته ووصفته بوضوح ..كما لم تره من قبل . وحدك من رآه .. وحدك من شعر به ..على يقين انه لن يوفرك هذه المرة ..خصيصا جاء من اجلك .
لكل جسد قدرة إحتمال ، وقد تحمل جسمك فوق مايطيقه إنسان ..من الآم المرض ، ومن العمليات الجراحية ، ومن اخطاء الأطباء ، كأنهم اتخذوا منك حقلا لتجاربهم الفاشلة ، وإحدى تلك العمليات كانت القاضية !! فكان له ان يستسلم اخيرا بعد طول مقاومة  .. كان للداء ان يهزمك اخيرا بعد ان قاومته لسنوات طويلة .. 
  اي الآم عانيت ..؟ كم تألمت ، وكم نزفت ، وكم مرة ادخلوك غرف العمليات ، كم من الانابيب احاطوك حتى يبقوك على الحياة ، وفي كل مرة كان جسدك يذبل ، ووزنك ينقص ، ولونك يتغير .  كنت قويا بما يكفي ، حتى تتحمل كل ذلك وحدك ، لكن ابدا لم يهزموا روحك .
      حملني هاتف من صديق الهم والحزن .. صالح الحميدي مات ! 
القى بالخبر وبالحزن معا .. اي الم حمل معه ذلك الخبر ..  واي اسى ؟
كمن لايريد ان يصدق ان صالحا مات ، قلت له : هل انت متأكد ؟! بعد قليل اتصل بي وقال لي: الخبر يملأ وسائل التواصل الاجتماعي .. اتصلت بشقيقه عبدالعالم فاكد المؤكد .. اثقلت الالام الجسد الذي تحمل كل ذلك الذي لايحتمل .. ناء بحمله ، مثقلا بالتعب ، الجراح ، الام الكبد التي لاتحتمل ، الجراحات ، وآخرها كان يشبه سكين جزار لامبضع جراح !! صعدت الروح إلى بارئها ، مخترقة الحجب .لكن اثره صالح الحميدي باق فينا .. في الارض الطيبة التي عشقها ،وفضل ان تضم ثراه .. في النفوس الشفيفة التي احبها واحبته ..كأن القلب الذي وقف عن الخفقان لم يحتمل الحروب والدماء التي تسفك في وطنه الجريح ، فآثر الرحيل ، بعيدا عن تلك الأسلاك والانابيب البلاستيكية ، واكياس الدم ، والحقن ، والادوية ، واجهزة التنفس التي تنغرز في جسده فتحقنه بالموت اكثر مما تمده بالحياة .. 
وهناك على بعد خطوة كان الذئب يتربص به ..
  وحده دون الاطباء والممرضين كان يراه وحده..هذه المرة لم يكن قادرا على مقاومته ، كان جسمه مثخنا بالجراح ، الإنهاك .. لم يكن قادرا على الهروب .. ولاعلى طلب فسحة من الوقت ، كتلك التي منحها له في مرات سابقة .. هذه المرة كان يعرف انه جاد ، وانه جاء خصيصا من اجله فآثر ان يذهب معه بهدوء ... 
  صالح الحميدي فلترقد روحك بسلام ..