كنت مبهرا بزيه العسكري المرتب , ولمعان احذيته , وازرار القميص , التقيه كل صباح , على طريق الذهاب للعمل , عندما كانت هناك دولة , ومدينة تبدأ الحياة فيها مع بزوغ اول شعاع فجر عمل , وحركة دؤوبة حي على العمل ,كخلية نحل للعمال , معلمين ومهندسين جنود مهنيين طلاب وغيرهم  , كلنا نجتمع ننتظر حافلات تنقلنا للعمل بجد وإخلاص , اول حافلة تأتي هي ناقلة الجند لتأخذهم للعمل في معسكر طارق ,كانوا يمثلون حماة الدولة وروح القانون , وقوة المنظومة سياسية , التي كنا نراها معيبة , وهي لا تحتاج غير إصلاح سياسي واقتصادي , الذي يحتاج لعقول وكفاءات ومهارات , وعقلية متفهمة منفتحة على الجميع , كان الخلل بكل بساطة في عقلية السلطة , وكان ممكن احتوائه , وعندما فشل الاحتواء , انتشر الداء , وأصاب الدولة والنظام والقانون , وخرجت الخفافيش من كهوفها , والثعابين من جحورها , لتنهش جسد الدولة , وتتخطى أي توافقات , لتسمح للجهل ان يتسلح بسلاح الدولة , ويغيب دورها , وشيئا فشيئا تغير كل شي , فلم نعد نرى غير جماعات مسلحة , وتجمعات مناطقية وعقائدية , وشعار حماية الأرض والعرض والعقيدة , وطائرات تقصف , وراجمات ترمي , وحرب لا تبقي ولا تذر , وابحث عن صاحبي , كبحثي عن شكل الدولة التي كان يمثلها , فوجدته هزيلا مكسور متعب , يسال دائما متى ستصرف الرواتب ؟
كان منظره يوحي بمنظر الدولة وهي تنهار امام اعيننا , وكثيرا مننا يصفق لهذا الانهيار , على امل ان تتحقق الاحلام , قبل ان نعرف انها مجرد أوهام , أوهام بتشكيلاتها العسكرية , واصنامها البشرية و الذي اختيروا من القاع والوحل لقيادة مرحلة حساسة ومن اهم مراحل التحول السياسي , ويا اسفاه .

اليوم صعقت من منظره وهو يتسول لقمة تسد رمق اسرته وأولاده , اه يا حسرتاه!, على قهر الرجال , بل قهر الامة , وقهر الوطن , تمنيت لو كان الموت استدعاني قبل ترى عيني ما تراه اليوم , رجل الدولة المؤهل اكاديميا عسكريا و مهنيا , يتسول في شوارع مكتظة بالصوص والفاسدين , ممن كانوا لا قيمة لهم أمام شموخ هذا الرجل وهو يرتدي زي الدولة وشعارها , ويمثل هيبتها , كرجل مرور ان رفع يده توقفت كل الحافلات احترما ليد الدولة , لا يتجرأ اكبر كبير ان يعصي الدولة .

السؤال ما إحساس القائمين اليوم وهم يعيشون بذخ الحياة , والناس تموت جوعا , ورجال الدولة يتسولون لقمة عيش تسد رمق أبنائهم , ما احساسهم في انتصارهم على الدولة , وعجزهم على تقديم بديل أفضل , على تقديم مثال احسن , ما احساسهم و القبائل تتقاتل للسطو على سواحل عدن , وتؤسس لمواني بمسمى مناطقي , على خطى التشكيلات المناطقية والجهوية والمذهبية , التي تعيدنا لما قبل الدولة , لنحتكم لسلالات وطوائف ومناطق , بعد 60 عاما من قيام الثورة والجمهورية , أين ذهبوا رجال الدولة وحماتها ؟ اين ذهبوا الشرفاء والوطنيين ؟, أين انتم أيها الرجال مما يحدث ؟ هل ماتت النخوة وماتت الوطنية وماتت الإنسانية , ام متنا أحياء في وطن يستباح , تحول لدكان جبايات , تشبع قلة من اللصوص والفاسدين ويموت الناس الشرفاء والصادقين . والله المستعان .