هناك العديد من القرارات التي تصدر وبشتى أنواعها جميعها تتميز ببناء، قانوني قشيب يتم بناء مواده على أساس تمتع الجميع بذات الحقوق وذات الواجبات وتحدد هذه القوانين بدقة تاريخ بدء سريانها كما تحمل هذه القوانين الوصفة القانونية لإلغاء سريانها.

فتساءلت! هناك نوع فريد من القرارات يتعامل معها البعض وكأن هذه القرارات "معصومة" من الخطاء ولا يسرى في حقها البطلان يدافع عنها أصحابها بشراسة من دون امتلاك الحجة والبرهان.

فقرار الاتهام الصادر من النيابة العامة يخضع في بناءه لأركان عدة يرتكز عليها في مسيرته نحو المحاكم وإذا انهار أحد هذه الأركان ينهار قرار الاتهام برمته ونصبح أمام قرار ليس له قيمة قانونية.

وهذه الأركان وان كان قانون العقوبات يشير إليها بعناصر الجريمة المذكورة حصرا في المواد(7,8,9)  اذا ما اجتمعت هذه العناصر  في قرار اتهام بشكل القانوني الصحيح فإنها تجعل من هذا القرار حجه بما جاء فيه وأول هذه الأركان هو الركن المادي الذي يستند إلى الأدلة والقرائن التي تثبت وقوع الجريمة أما الركن المعنوي وهو الركن الذي يقوم على إثبات الدافع في ارتكاب  هذه الجريمة أما الركن الثالث وهو ما نطلق عليه بالرابطة السببية التي تربط الجريمة بالمتهم وهذه  الأركان أن استقامت في قرار اتهام فإننا  نقف أمام قرار محترم.

السؤال الذي يفرض نفسه على جميع قضاة السلطة القضائية إذا غاب ركن من هذه الأركان في قرار الاتهام المقدم من النيابة العامة كيف يتعامل القاضي مع مثل هذا الملف الجزائي هل يقرر القاضي اعادة الملف الجزائي الى النيابة العامة؟ وهل يعد قرار الإعادة له ما يبرره قانونا؟

وقفت امام هذه المعضلة في ضوء  ما جاء في قانون الإجراءات الجزائية  فالمواد المتعلقة بنظام العام (396-397) تشير صراحة الى بطلان اي إجراء خالف صراحة القانون كما أن المادة 42  من قانون الإجراءات قد أشارت صراحة بأنه لا يجوز للنيابة العامة تحريك الملف الجزائي في حالة عدم وجود الجريمة أو عدم توفر عناصر الجريمة وهذا النص وان كان يفسر وفق مزاج النيابة العامة فإنه يشير ضمنا إلى بطلان قرار الاتهام حال رفعه لعدم وجود عناصر الجريمة بسقوط أحد أركان الجريمة الأساسية  وهذا ما يجعل قرار الاتهام يشوبه البطلان وبالتالي فإن  قرار القاضي بإعادة الملف الى النيابة العامة  يعد قرارا صحيحا وموافقا للقانون وبتالي احتجاج النيابة العامة بعدم قابلية قرارها للإعادة يعد احتجاج ليس في محله.

أن قانون الإجراءات الجزائية الحالي قد أباح في المادة 366   للقاضي اصلاح اي خطاء جوهري أصاب قرار الاتهام لكن مثل هذا الخطاء الذي اتحدث عنه لا يمكن إصلاحه من قبل القاضي بل يجب إصلاحه في "ورش" النيابة العامة فنحن نتعامل حاليا مع قرارات يتم بنائها على قاعدة ارمي الملف الى المحكمة وتخلص منه من دون أن يكون هناك مراجعة ودراسة عميقة لمثل هذه القرارات فالنيابة العامة بحاجة ماسة الى ابتكار آلية مراجعة لمثل هذه القرارات بشكل دقيق قبل المصادقة عليها واحالتها الى المحكمة.

لقد ناشدنا  في أكثر من مناسبة  وزارة الشئون القانونية بإدخال تعديل جذري و عميق  في قانون الإجراءات  الجزائية وكذلك في قانون العقوبات   يشرع اعادة تصنيف الجرائم الى جرائم وجنح  على أن يعاد بناء القانون على أساس هكذا  تصنيف واستحداث محاكم للنظر في الجنايات و محاكم للنظر في الجنح  و تكليف  قاضي يسمى قاضي تحقيق الذي ينحصر  عمله  في دراسة و قبول  قرارات الاتهام الصادرة من قبل  النيابة العامة في الجرائم من حيث الشكل قياسا على بناء قرار الاتهام بناء قانوني صحيح و يقوم بتحديد موعدا لها للنظر أمام القاضي الجزائي المختص بالجرائم  وفي حالة فقدان قرار الاتهام أحد الأركان الأساسية للجريمة يصدر القاضي قرار مسبب بإعادة الملف الى النيابة العامة و أن تحقق ذلك سيكون له عظيم الأثر في سرعة الفصل في القضايا الجزائية و تحقيق العدالة والتي هي هدفنا جميعا.

علينا فقط دراسة القوانين الإجرائية لمختلف دول العالم واختيار ماهو مناسب لنا وقابل للتطبيق في بلادنا لتطوير العمل الاجرائي بشكل الذي يؤدي إلى قيام السلطة القضائية بواجبها كاملا.

ختاما قرار الاتهام الصادر من قبل النيابة العامة يجب أن يحافظ على الحق العام ومن دون أي تفريط في الحق الخاص لأن هدفنا ليس النقاش حول صحة "بعض" القرارات الذي نص القانون صراحة على بطلانها لأن في ذلك مضيعه للوقت واهدار العدالة والذي جميعا ندرنا حياتنا لخدمتها.