اما عن كرم امي فحدث ولاحرج .
كانت سيدة سخية ، مادخل احد
بيتها وخرج ويده فارغة . وكانت
قريباتها الريفيات يزرنها فرادی ، مرة
على الاقل في الشهر ، ومنهن من
تمكث يوما ، ومنهن من تمكث اكثر
وفوق واجب الضيافة ، كن يخرجن
بزوادة من السكر والشاي والارز ،
وببعض النقود . وبدورهن فان هؤلاء
الريفيات كريمات ، فيأتين عند كل
من
زيارة بقناني السمن ، وحبات
البيض ، وببعض الخضراوات .
. وكانت امي تجزل لهن العطايا ولا
تبخل عليهن ببعض قطع ملابسها
فلا تسعهن الفرحة ، ويدخل ذلك
السرور الى قلبها عندما ترى
سعادتهن ... كانت صانعة فرح رغم
اننا لم نكن نملك الكثير من المال !!!
لا أذكر ان امي ضربتني يوما ، أو
احدا من اخوتي ، أبي نعم ، خالي
نعم ، لأني كنت طفلا شقيا جدا ،
واحيانا عنيدا ، ومتمردا في بعض
الاحيان . أمي كانت تدافع عني ، وعن
اخوتي ، عندما نتعرض لعنف ابي ،
لم يكن قاسيا لكنه حين يغضب
لايتحكم في اعصابه . اما خالي فكان
يعطي نفسه حق ضربي ، تطبيقا لما
يؤمن به بأن الخال والد !!!!

لا أحد يشعر ما يعنيه غياب الابن
مثل قلب الأم . وقد اختبرت امي هذا
الشعور بكل قسوته ، ومرارته ، بكل ما
يلقيه من احمال ثقال على الروح
والجسد ، وجربت غياب الابن ، لا
واحدا ، بل اثنين . واكثر من مرة لا
مرة واحدة . المرة الأولى عندما التحق
اخي الأوسط بالخدمة العسكرية ..
والمرة الثانية عندما سافر الى روسيا
للدراسة الجامعية . وفوق ماكانت
تعاني من فقد اخي وغيابه ، جاء
تعييني مستشارا اعلامي
في سفارتنا في موسكو ليزيد همها
هما ، وغمها غما .. ليس ذلك فقط ، بل
انني سأحرمها من رؤية حفيدتها
الوحيدة وقد تعلقت بها !!! ولا تدري
متى نعود وترانا مرة اخرى .
ثم يأتي الموت قيطبق بالحزن على
فلبها ، فتحمل الأخبار لها موت امها
التي لم ترها سنوات طويلة . وقبل ان
تبرأ من الألم ، وتشفى من الحزن ،
يعاجلها بموت رفيق عمرها ليتركها
وحيدة في مواجهة الزمان .
حتى لو كبر الأولاد ، يظلون صغارا
بعيني الأم ..هذا لايبرر الا تحبهم ،
تقلق عليهم ، تنشغل بهم حتى لو
انشغلوا عنها ، وباولادهم ،
احفادها ، حتى لو غارت عليهم من
زوجات اولادها ، !! هي جدتهم ،
وتعرف أكثر من امهاتهم المشغولات
بالدراسة والوظيفة.