مسجد المحضار من اقدم مساجد الديس الشرقية ، ومقبرته ،اكبر المقابر فيها. ،هناك ملاصقا لجدار المسجد العتيق ، قبر جدي الشيخ القاضي حاج بن سعيد بحاح ، احد اشهر الشخصيات  الذي تركت أعماله بصمة لاتمحى في تاريخ هذه المنطقة من  شرق حضرموت .
 كثيرون من الاجيال الحالية لايعرفون الرجل ومآثره العديدة ، وان الفضل في تعليمهم ، وتعليم أجيال قبلهم من آبائهم ، ومن بعدهم ابناؤهم ، يعود إلى هذا الرجل بالذات. 
 هناك وقفت أقرأ له الفاتحة بعد ان دلني على قبره احد المعمرين الذين  سمعوا عنه واستدلوا عل قبره ممن عاش زمن الشيخ ورأوا أعماله الخيرة وافضاله ..
   
                              *****
   لايمكن الحديث عن التعليم في الديس الشرقية دون ان يتطرق الحديث إلى الشيخ حاج بحاح .. فمن هو ؟
  هوالشيخ القاضي العلامة حاج بن سعيد بحاح ..
 • قدم أبوه سعيد عمر بحاح ذات يوم من منطقة موشح بوادي حضرموت، بحسب إفادة الباحث طاهرناصر المشطي لي ، لكن لا احد يعلم الظروف التي دفعت بذلك الجد إلى ترك موطنه في الوادي والسكن في وادي عمر !
   .من نسل ذلك الجد جاء ولداه : الداعية حاج سعيد، وعوض سعيد) ومن أولاد (حاج: عبد الله ، محمد ، سلامة ، وسعيدة )  و من أولاد (عوض : سالم و صالح ).
• درس الشيخ حاج القضاء في تريم مدينة العلم والعلماء عند أخواله، حيث إن أمه (سالمة بن آل طيب)،من مدينة تريم العريقة. وكانت تريم ولاتزال هدف كل من يريد التبحر في علوم الدين حيث يقصدون اربطتها من العديد من البلاد في الداخل ومن الخارج .،ولاشك ان القسط الذي تلقاه من العلوم قد هيأه لتولي القضاء والإمامة في شقرة / السلطنة الفضلية ، من بلاد أبين ، ولاتوجد معلومات عن الفترة التي قضاها هناك ، لكنه عندما عاد إلى الديس تفرغ للعمل الخيري. واستقر فيها بصفة نهائية .
 • ومن المشاريع التي سعى إليها وله بصمات فيها: شراء وبناء أول مدرسة بالديس ألا وهي مدرسة الإصلاح عام 1356هـ، ( 1937 / 1938م) وبهذا فهو يعتبر رائد التعليم في الديس الشرقية .
 •تولى الإمامة والخطابة بمسجد الجامع في الديس الشرقية، بجانب السوق القديم ، ومنذ تأسس في القرن السابع الهجري خضع الجامع  للعديد من التجديدات كان آخره عام 1386 هجرية (  1966م ) وللشيخ دور في بناء المساجد مثل مسجد الرياض بالغريفة، ومسجد حلفون القديم، ومشاريع مياه الشرب، كخدمة و صيانة معيان الصيق، و بناء جابية محضار والعتم (الساقية) من قارة الخدرة بالرجيدة إلى جابية محضار،. 
 •كما كان الشيخ حاج بحاح يقوم بحل المشاكل بين الأسر وإصلاح ذات البين، ومن أنشطته الاجتماعية مساعدة المواطنين لقضاء حواجهم عند الحاكم الذي يسمى بالقائمقام وفي المحاكم والابلاغ عن أي قصور اوتعسف من حاكم أو قاض ويطالب السلطات بتغييره أو استبداله وكلمته مسموعه فهو شخصيه تجمع بين الاخلاق وقوة القرار .
• وكانت له دائماً خلوات إلى شرمة ، للتفكر والتعبد . ولاشك ان مكوثه لعدة ايام في تلك المنطقة الساحلية الهادئة الساحرة والجميلة في أحضان الطبيعة بين زرقتي السماء والبحر قد تعلم منه التفكر في جمال الكون ومشاطرة تلك المخلوقات روح الإيقاع الأكبر للحياة ، وامده معرفة اكثر بالله ، وزاده تعلقا بعبادته وفتح أمامه آفاقا جديدة . ولعل تلك الخلوات قد ساعدته للعثور على أجوبة لاسئلة واجهته في مسيرة حياته ، او حلولا لمعضلات كان يبحث لها عن حلول . 
 •كان الشيخ حاج شديد الإعتداد بنفسه ، وله موقف مشهود يدل على هذا الإعتداد هو موقفه مع السلطان عمر بن عوض القعيطي عند زيارته للديس الشرقية.
 كان للشيخ حاج بحاح علاقة بآل الشيخ أبوبكر القاطنين بشعب النور حيث كانوا يتبادلون الزيارات فيما بينهم، و في أحدى زيارات السلطان عمر بن عوض القعيطي الرسمية إلى الديس الشرقية كان يرافقه منصب آل الشيخ أبوبكر. 
  نزل السلطان مع المنصب في حصن الدولة، ثم قام  بزيارة خاصة لصديقه الشيخ حاج بحاح بمفرده وقال له :
  - نريدك أن تذهب إلى حصن الدولة و تسلم على السلطان، فكان رده :
   - لا أعرف السلطان و لا أرغب في أن أسلم عليه. 
 فقال له المنصب: 
 - إذا لا تريد أن تذهب إليه فأنا سآتي لك بالسلطان إلى عندك في بيتك! ، 
  كان للسادة مكانة كبيرة عند السلاطين ، وكلمتهم مسموعة عندهم ،و فعلاً جاء السلطان والمنصب مع المرفع و الجنود ، ودخل السلطان لزيارة الشيخ حاج بحاح ، وبقى المرفع بالخارج .
  قال السلطان للشيخ حاج : 
 - أطلب ما تريد من الأرض !!
   كانت معظم اراضي الديس فضاءا ، لكن الشيخ حاج لم يطلب غير مساحة صغيرة يبني عليها مربعة لإستقبال ضيوفة فقط ، فاختط له المربعة البحرية بجانب دار البكري . 
 أنظر إلى قناعة هذا الرجل !! حيث كان بإمكانة ان يطلب ماشاء من الأراضي ، وماكان السلطان ليرفض، ولكنها القناعة و النفس الغنية.
 وفي نفس الوقت فان تصرف السلطان عمر يدل على تواضعه وتقديره لعلماء الدين . ولا أظن أن مثل هذه الواقعة قد تكررت ، او ستتكرر بعد ان تغير الزمن ، وصار اكثرالعلماء شحاذين على أبواب الحكام !!
   يضيف الباحث المشطي :
" نتيجة لنزول السلطان مع المرفع إلى دار بحاح، أصبحت عادة سنوية مع كل عيد،  حيث ينطلق بعد صلاة العيد المرفع من مسجد الجامع إلى بيت بحاح أولاً ،ثم بقية بيوت العسكر ومقادمة القبائل ، و مذ ذلك الوقت استمر المرفع بعد الزينة لتهنئة الشيخ حاج بحاح، وتبعهم المشايخ و القبائل الأخرون كالسباعي و الجريري  والسادة آل الدويلة و المقدي. فكانت مربعته ديواناً يعقد فيها لقاءاته ويستقبل فيها ضيوفه، و من أهم الشخصيات العالمية التي زارته في هذه المربعة المستشرق البريطاني "توماس أدوارد لورانس" (1890 1970م) المعروف بـ ( لورانس العرب) مؤلف كتاب   Seven Pillars of Wisdom  ( أعمدة الحكمة السبعة )   و ذلك ضمن جولته الميدانية في جزيرة العرب ، و قد ذكر ذلك في مذكراته  .
   إلى ذلك يضيف الأستاذ عبدالله سالم بحاح :
 " المعروف ان الشيخ حاج بن سعيد بحاح هو الذي بدأ التعليم الأهلي في الديس وأنشأ اول مدرسة فيها، حيث اشترى بيت سلمان وجعله مدرسة ودفع جزء من القيمة من ماله الخاص ، والجزء الآخر من تبرعات أهل الخير . ووثيقة الشراء  مورخة بتاريخ 5 شوال 1356هجري .
 • تكونت أول هيئةللمدرسة الأهلية التي سميت باسم ولي عهد السلطنة القعيطية حينها عوض بن صالح القعيطي من : الشيخ حاج بن سعيد بحاح ، السيد بوبكر بن محمد المقدي، الشيخ أحمد بن سعيد باصلعة ، الشيخ أحمد بن مبارك باوزير . واعتبرت الهيئة بصفة عامة ناظرة على المدرسة والمرجع لشؤون التعليم في أقسامه بموجب القانون والبرنامج الذي اقرته. وتجتمع كل أسبوعين ، ولكل عضو صوت واحد ، ماعدا الشيخ حاج بحاح له صوتان ، ومدة الهيئة سنتان ، ويجوز إنتخاب الرئيس لدورة أخرى . وعين السيد سالم بن عمر المقدي المدير للمدرسة ، وهو المسؤول عن جميع شؤونها والتعليم ، وانيط به ضبط حسابات المدرسة الداخلة والخارجية في دفتر خاص يعرض على الهيئة عند إجتماعها كل شهرين . وعين كل من : الشيخ مبارك بن عوض باراشد، الشيخ أحمد ابوبكر باخوار ، السيد محمد بن شيخ بن اسماعيل ، الشيخ عوض بن مبارك سعيواد ، مدرسين في المدرسة. "
ومن خلال الإطلاع على المحضرالذي ارسل لي صورته عبدالله سالم بحاح  "يتبين قوة الارادة والوعي والثقافه التي يتميزبها المذكورون.. والملفت في شخصية الشيخ حاج سعيد بحاح ان جعلوا صوته بصوتين عندالتصويت ، وهذا اعتراف من الموقعين بمكانته وثقتهم به . " 
 • بعد افتتاح المدرسه الأهلية باركت الدولة القعيطية جهود الأهالي وامدتهم ببعض الوسائل والمناهج بعدما شعرت بتقصيرها في التعليم وسارعت في بناء اول مدرسة للبنين في الديس الشرقية عرفت بالمدرسة الغربية . "
الشيخ حاج سعيد بحاح وهب حياته في خدمة الناس فأحب الناس واحبوه كما يقول عنه صالح علي ابوطلعة الشرفي رحمه الله ، الذي عاصره  لطيبته وحسن أخلاقه وتواضعه وبساطته ، وكان كثيرالمكوث في مسجد الجامع ، ولايفارق قراءة القرآن ويعلق كيسامن القماش الأبيض على كتفه بداخله "الختمة"، وله نشاط إجتماعي ويتقصده الكبير والصغير ، يمتلك مواهب وقدرات نادرة وكرس كل اهتمامه لخدمة الناس وإدخال الفرحة إلى قلوبهم من دون تكلف او إنتظار الشكر من احد سوى رجاء الثواب من الله .

 • توفي الشيخ حاج بن سعيد بحاح في الديس الشرقية ودفن في مقبرة محضار والملفت أن قبره معلوم حتى اليوم، ملاصق لمسجد محضار بشهادة حاج سعيد جوبح ،حيث وقفت اتلو الفاتحة لروحه الطاهرة .
لروحه السلام .