مر على وفاته حتى الآن اكثر من ستين سنة لكن لازال حاضرا في الذاكرة والوجدان ، وسيظل كذلك لأمد طويل قادم، مثله مثل الرواد الذين يجترحون مآثرهم العظيمة دون ان يدرك الناس قيمة ماقاموا به إلا بعد رحيلهم ! 
   سعيد عبدالله بحاح ، هل كان يطارد قدره ، ويعرف ان العمر قصير،وان عليه خلال هذاالعمرالقصيرأن يقوم بإنجاز أشياءكثيرةفي أقل زمن تتيحه له اقداره؟ أم ان الأقدار هي التي اختارته لهذاالدور ، وان الرجل او المرء لايختار قدره اودوره الذي عليه اداؤه ،إنما يقوم به بوعي اوبدونه،تسوقه احمال القدرة لماأختير وهيءله خلال العمرالمقدرله في الحياة ؟!!
                                 *****
    ولد في الديس الشرقية -حضرموت عام 1913م ومات في عدن في عام 1961 عن عمر لم يتجاوز الثامنة والأربعين .
   ينتمي الشيخ سعيد عبدالله إلى أسرة آل بحاح ،  التي يقول عنها الباحث طاهر ناصر المشطي : " لها فضل كبير على الديس الشرقية واهلها ، وان بيتهم القديم يطلق عليه ( دار الرحمة ) حيث كانوا يقومون طوال ايام السنة بتقديم الطعام للفقراء والمساكين،  وكانت سقيفة الدارالمكان الذي يأتي إليه هؤلاء ليجدوا طعامهم بانتظارهم .كانت هذه الأسرة المباركة في الخمسينات والستينات من القرن العشرين الماضي تتكون من ثلاثة اقطاب هم: سالم عوض بحاح وشقيقه صالح يمارسان العمل التجاري في عدن ،حاج بن سعيد بحاح كان متفرغا للجانب الدعوي والخيري وكان إمام وخطيب جامع الديس،كما له بصمات في كثير من المشاريع الخيرية ". كمابيناه في مقالنا السابق بعنوان: ( الشيخ حاج بحاح ..رائد التعليم في الديس الشرقية).
 هذا الدور لآل بحاح لم يقتصر على الديس الشرقية وحدها بل امتد إلى عدن..وقد رأيته وعشته بنفسي ، واشعرني بالإمتلاء والفخر بأنني انتمي إلى هذه الأسرة البحاحية المباركةوالرائدة بالذات .                          
                   
                                *****
  عندماوصلت عدن أول مرة،في نهايةخمسينيات القرن العشرين الماضي سكنت مع أبي في(بخار بحاح )في معلا-دكة، وكانت متعتي أن اصعدإلى سطح البخار واتفرج على تلك السفن الخشبيةالراسية،في الميناء بالعشرات والمئات،وقدأسدلت اشرعتها،أونفختهاإيذانا بالرحيل. 
 يذكر الباحث طاهر المشطي في بحثه القيم * ان تلك السفن التي كنت اتفرج عليها من فوق سطح دكان أجدادي من آل بحاح،صنعت في معلا دكةبالذات على يد الحضارم من الديسشرقاويين ، ( بتعبيرالإعلامي والشاعر ناصر بحاح ) ويتحدث عن دورهم ذاك،وعن دور آل بحاح في خدمة الوافدين إلى عدن،خاصة من ابناءالديس الشرقية،وعن نفوذهم في الميناء ، وامتلاكهم لعدد من الزعائم *. ويحدد دورهم ذاك في توفير السكن المجاني،وفرص العمل،وتسهيل دخولهم إلى عدن بدون جوازات سفر،أوأوراق مرور : " يكفي أن يقول عندما يصل عدن:"انا من حضرموت ونازل عند بحاح "،والتوسط لهم لإعفائهم من رسوم الدخول نظرا لما يتمتع به صالح عوض بحاح من علاقات مع التجار والوجهاءبمدينةعدن .وبعض بناة تلك السفن في معلا دكة أقاموا في بخار بحاح لأمد طويل اباعن جد كما يورد الباحث المشطي .
  إلى ذلك يضيف عبدالله سالم عبدالله بحاح :
  "كان هناك نوع من توزيع المسؤوليات في الأسرة ، فطلبات البيت والمعيان المسمى (معيان حمد )  يشرف عليها محمد صالح عوض بحاح،فيما يتولى مسؤولية تموينات المياه للبيت عوض عبدالله بحاح،والمصاريف ترسل لهم من عدن من الأخوين سالم وصالح اللذين  يديران تجارة الأسرة".
  و"من أعمال الخير لأسرةالبحاح، بناءمسجدالغريفة الفوقية،وكان لقبيلةآل الجريري من أهل الغريفة، كل عيدي الفطر والأضحى عواد يقومون به لأسرة بحاح ، حيث يجتمعون في المربعة الكبيرة التابعة لمحمد صالح عوض سعيد بحاح ، واستمرعوادهم هذا دون إنقطاع حتى وفاته".
                                *****
  وإذاكان الشيخ حاج سعيد بحاح يعتبر رائدالتعليم الحديث الأول في الديس الشرقية، فإن القطب الآخر في هذه المعادلة يعود إلى حفيده الشيخ المصلح الإجتماعي سعيد عبدالله حاج بحاح ..                        
 وكان كثير السفر إلى عدن،وربمارأيته أول وآخر مرة في بخار بحاح في معلا - دكة في نفس العام الذي توفي فيه تقريبا،أوقبله بقليل،إذأنني لم اره بعدذلك ، كان عمري حينها لايتجاوز العاشرة ، لكن صورته لم تغب عن ذاكرتي،ربماظلت هناك محفورة في زاويةمامن فصوص دماغي،وربماكنت أراه في ملامح من وجه شقيقيه محفوظ وسالم ،كما أن اسمه ظل يتردد على مسمعي في اوقات متباعدة،دون تفاصيل كثيرة،لكنه لم يغادر ذاكرتي،يلح علي بين وقت وآخر ، وفي كل مرة كنت اؤجل الكتابةعنه،ليس لأن الشيخ سعيدبحاح ليس برجل مهم يستحق الوقوف عنده،وعند دوره الريادي على أكثرمن صعيد،بل ان الاقتراب من مثل هذه الشخصيات محفوف بكثير من المحاذير،وأولها ان المعلومات عنه قليلة، إن لم تكن نادرة.فالشيخ سعيد عبدالله بحاح رغم إهتمامه بالكتابة للصحافةكان شديد التواضع وضنينافي الإشارة إلى ذاته اوإلى أدواره،لهذا لم يخلف مذكرات او ذكريات مكتوبة، يمكن العودة إليها كمصدر موثوق لايرقى إليه الشك.وثاني هذه المحاذير اننا لانملك إلا بعض المعلومات التي كتبهاغيره عنه ،اورويت شفاهةعنه ،وهي بدورها قليلة جدا قياسا بالرجل ودوره في الحياة،وتنوع إهتماماته .
  كل هذا وغيره محاذير تجعلك تتردد في الكتابةعن هذه الشخصية،لالشيء بل خوف ألا تنصفه من حيث أردت إنصافه ! 
                            *****
   يقول الباحث طاهر ناصر المشطي :                      
  إلى المصلح الاجتماعي سعيد عبد الله بحاح،يعود  الفضل في تعليم المرأة في الديس الشرقية. فمن هو ؟
  • من مواليد الديس الشرقيةعام 1913م.
  • في مقتبل عمره سافر إلى أرض الصومال حيث عمل في دكان شأنه شأن الحضارم الذين كانت هجرتهم إلى شرق إفريقيا،أو شرق آسيا،لتأمين لقمةالعيش لأسرهم .ولاشك انه كان شديدالذكاءإذأنه أجاداللغةالصومالية بطلاقةخلال الفترة القصيرةالتي مكثهاهناك،لكن سرعان ماعادمنها.لعله لم يتحمل وجع الغربة،أولعل نداءا من نوع ماألح عليه بالعودة حيث مهمة عظيمة تنتظره على أرض بلاده .
وفي فترةمن حياته سافر إلى عدن واشتغل في التجارة في دكان بحاح بمعلا-دكة.وكانت عدن يومها في قمة إزدهارها التجاري كميناء وسوق حرة وتشهد نهضة تجاريةوتعليميةوثقافيةوصحافية. ولاشك انه هنافي عدن بالذات شعربالفارق بين بلدته التي ينقصها كل شيءتقريبا،وعدن التي قطعت شوطاكبيرا،كمدينة عصريةجاذبة،ومن خلال قراءاته وملاحظاته،كون فكرة بأن الجهل هو المشكلة الكبرى في تخلف الشعوب ومنه أهل بلاده الديس الشرقية،لذاقرر محاربته،فكان أن صك ختمالخص فيه فكرته عن الهم الذي يشغله،وصاغه على هيئة سؤال موجه إلى بني وطنه : ( تصور ان الجهل يلعب دورا هاما في بلادك فبماذا تنقذها ) ؟!
   هو كان يعرف الجواب،ولم يكن في حاجة إلى تفكير كثيرلكي يعثر على الوجهةالصحيحةالتي عليه ان يسلكها في مسيرة حياتهوالقادمةوالقصيرة.
  من ناحية كان عنده القدوةوقوةالمثل في جده حاج سعيدبحاح الذي يعد رائدالتعليم الحديث في الديس الشرقية،فكان عليه ان يقتفي اثره ويكمل مسيرته التي بدأها،ومن ناحيةأخرى كان لديه مخزون كاف تشكل من خلال قراءاته عمايعنيه التعليم في حياة الشعوب والدور الذي يؤديه في تطورهاوخروجها من عوالم التخلف إلى آفاق العصروالتقدم.
 من هنا نشأ إهتمامه الشديد بالتعليم ، فكان يهتم بشؤون الطلبة في الديس الشرقية،ومتطلباتهم ، وكما يروى عنه كان يأخذهم من الطرقات ويشتري لهم الكتب والثياب على نفقته الخاصة.ولاحقا اسس جمعية أنصار الطالب الحضرمي لأبناء الديس الشرقية في عدن سنة 1945م.وكان اول من شجع ومول بعض دفعات الطلبة  لإستكمال دراستهم في غيل باوزير،وكانت الدفعة الأخيرة عام 1959م ، وهو من اوائل المساهمين في النهضة التعليمية الحديثة من خلال مدرسة مكارم الأخلاق التاريخية التي أسسها جده حاج بحاح.واول من ساهم في النهضة التربوية الحديثة من خلال المدرسة الأهلية القديمة.وله دور كبير في نشر الفكر الإصلاحي،ويعدالمؤسس الرئيس لنادي الإخاءوالمعاونة الثقافي مع عدد من الشباب والشيوخ عام 1362هجرية الموافق 1943م،واستضاف في النادي عام 1945م الأديب العربي الكبير علي أحمد باكثير،والسلطان العلامة صالح بن غالب القعيطي،والاديب المؤرخ صلاح البكري وغيرهم.واستخرج قطعة أرض في قلب المدينة مزودة بالتصاميم الهندسية لبنائها منشأة للنادي،لكن المرض ومن ثم الموت لم يمهلاه من إكمال مشروع المبنى،وصودرت الأرض وبيعت عندما صدر قانون تاميم الإسكان قي السبعينات من القرن العشرين الماضي .
  وكان معروفاعن الشيخ سعيد عبدالله بحاح دفاعه عن الحق وعن المظلومين ، حتى لو لحق به الأذى في سبيل ذلك،وعلى سبيل المثال فقد دخل السجن عند دفاعه عن المسجونين في قضية حفر(عين العطية). وقدتم ردم العين في الأخير لأن خوف الأهالي جعلهم يعتقدون ان الحفر سيؤدي إلى جفاف ماء ( الصيق)، المصدر الرئيس للماء في الديس الشرقية .
                           *****
  شهدت نهاية عقد الاربعينيات من القرن العشرين الماضي وبداية الخمسينيات،أحداثاكبرى في الوطن العربي،نكبةفلسطين وثورة 23يوليو 1952 في مصر وبدايةتشكل وعي قومي جديد،ومسارا جديدا مختلفا في هذه المنطقة من العالم ..كل هذا سيلقي بتأثيره على الشيخ الشاب سعيد عبدالله بحاح ، وتكوين وعيه الوطني،فنجده يقودأول مظاهرة شهدتها الديس الشرقيةعندإحتلال اليهودلفلسطين عام 1948م ، وسيتعرض للإستجواب والتحقيق على يد المستشار البريطاني "بوستيد"عام 1952بسبب نشاطه الوطني بعد قيام ثورة مصر.وكانت السلطنة القعيطية منذ 13 أغسطس 1937م تحتفظ بمعاهدة إستشارة مع بريطانيا العظمى، تتيح للمستشار البريطاني التدخل في شؤون البلاد ماعدا مايتعلق بالدين والتقاليد،وبمعاهدة حماية منذ عام1882م،لكن هذا لم يمنع الشيخ سعيد من قيادة مظاهرة أخرى إحتجاجاً على قرار المستشار البريطاني منع دخول المدرسين المصريين إلى حضرموت و منع ذهاب البعثات التعليمية إلى الجمهورية العربية المتحدة * 
• مات بمرض الكلى حيث أجريت له عمليتان جراحيتان، وكانت وفاته في عدن تاريخ 14 / 11 / 1961م عن عمر ناهز 48 عاماً ودفن فيها .
     
                             *****
  خاض الشيخ سعيد عبدالله بحاح معارك حقيقية دون ضجيج بأسلوبه الخاص،اللين !! وفي مجال من اعقد واصعب المجالات في حضرموت ، وهو تعليم المرأة .بمعنى انه كان يعرف جيدا الواقع الذي يعيش فيه ويحيط به ويسعى إلى التأثيرفيه،ونقله إلى الأفضل، بقدر مايسمح به الواقع والظروف والإمكانات،واقع يغلب عليه المحافظةوالتقاليد التي تخشى الجديد، خاصة مايتعلق بالمرأة وتعليم الفتيات، وهو مجال المعركة الذي خاضه بثقةوهدوء رغم مايحف به من مخاطر ،إيمانا منه كما يقول عبدالله سالم بحاح، ان النهوض الذي يريده لبلده ومجتمعه في الديس لن يتأتى ويتحقق إلا بالتعليم.وكان كثيرالسفرإلى عدن ورأى بعينيه ماحققته المستعمرةالبريطانيةمن نهضة في كافة المجالات،وقدتأثربذلك،ومن هنا بدأت محاولاته للنهوض ببلده الديس.ورغم انه لم يكن الوحيدالذي كان يترددعلى عدن التي كانت حاضرة المدن في شبه الجزيرةالعربية،ولم تكن تضاهيها مدينة أخرى،إلى أن ماكان يميزه عن غيره ثقافته وفكره الناضج وإطلاعه الواسع،وكانت ثقافته دينية في المقام الأول،ولديه مكتبة شخصية تغلب عليها الكتب الدينية بحكم تكوينه وثقافته الدينية،لكن لاتخلومن كتب ومجلات أخرى في السياسةوالاقتصاد،والمرأة مما يدل انه كان منفتحاعلى الثقافةالحديثة،وكان اغلب كتابها من مصر،ومعروف ان مصركانت رائدةالثقافةالعربية والدعوةإلى النهوض،كماكانت قائدةالتحررالعربي، والدعوةإلى الثورةوالتحررمن الإستعمار،لهذانجده يتصدر أول مظاهرة في بلدته الصغيرة تأييدا للزعيم العربي جمال عبدالناصر .
                              *****
 كان التعليم قضيته الرئيس،وبالذات تعليم الفتاة،وكان التعليم النظامي الذي دخل الديس الشرقية في عهد السلطنةالقعيطيةمختصراعلى الذكورفقط دون الإناث، وعلى مدرسةإبتدائيةوحيدة،وقبل ذلك كان الشيخ سعيدعبدالله بحاح مساهمارئيسافي اول نهضةتعليمية حديثةفي الديس من خلال مدرسةمكارم الأخلاق الأهليةالتاريخيةسنة1935م،وكان له دورفعال في تأسيس جمعيةأنصارالطالب الحضرمي لأبناءالديس الشرقيةعام1945م.وبشهادة الأستاذ عمر عوض الحريبية كان للشيخ سعيد عبدالله بحاح دور كبير بنشر الوعي وتشجيع الأولاد وفيما بعد البنات نحو التعليم... يتواصل لا مع الأهالي وأولياء الأمور فقط ولكن ايضا عبر إقناع الأولاد أنفسهم بالتعليم ، يقول الأستاذ عمر الحريبية : "جاءنا الشيخ سعيد عبدالله بحاح ونحن اطفال ووجهنا نحو التعليم بأسلوبه الرفيع والمقنع . 
                             *****
 ولكن رغم هذا النجاح ،كان لدي الشيخ سعيد عبدالله بحاح شعور ظل يؤرقه هو ان هذه العملية ينقصها شيء ما ...تعليم الفتاة،فبدون تعليم المرأةلايمكن للمجتمع ان ينهض بجناح واحد.من هناكان إهتمامه بتعليم الفتاة في بلدته رغم كل الصعوبات المجتمعية التي تحف بهذه القضية،وأولهاالعادات والتقاليدالتي تحول دون تعليم الفتاة،والمجتمع الذي يرىفيه عيبا، خاصة التعليم الحديث -حتى لانقول حراما في نظر البعض- من هنا لم تكن معركته سهلة،ولكن ليست مستحيلةايضا بسبب ان الدعوة لتعليم الفتاة جاءت من الشيخ سعيد عبدالله بحاح شخصيا،الذي يعرفه أبناء الديس ولايمكن الشك في مقاصده الخيرة،يشهد له تدينه وورعه،وتشهد له الأنشطة الخيرية والإجتماعية التي يقوم بها لصالح أبناء بلدته،لهذاكان دوره كبيرا في إقناع الآباء بتعليم بناتهم وإلحاقهن بالمدرسة التي افتتحت لهذا الغرض ، وهي نفس المبنى الذي كانت تشغله مدرسة الإصلاح للبنين بعد انتقال تلاميذها إلى المبنى الجديد في المدرسة الغربية الحكومية . 
                                *****
 تلخص قصاصة ورقية منشورة في صحيفة ارسلها لي الأستاذ عبدالعزيز قرنح،دون ذكر إسم الصحيفةالتي نشرفيها،أوإسم كاتبه الوضع الذي كانت عليه الفتاةفي الديس الشرقية في بداية ستينيات القرن العشرين على النحو التالي:"عندما دخل التعليم النظامي الديس الشرقيةفي عهد السلطنة القعيطية ظل مختصرا على التلاميذ،وظلت الفتاةبعيدةعن التعليم النظامي،قابعة بين جدران المنازل،سوى عدد محدود منهن،التحقن بالكتاتيب في بعض البيوت،نذكر منه بيت الطبيب عند القارئة سلامة بريقة (رحمها الله)،تعلمهن سور(جزء عم ) من القرآن الكريم،والحروف الهجائيةعلى طريقة
القاعدةالبغدادية،وكان ذلك التعليم الوحيدالمتاح للفتيات في ذلك الوقت !! وجاء فجر التعليم من خلال جهد الأخيار من ابناء هذه المدينة،رجل الخير سعيد عبدالله بحاح،ومعه الشباب في تلك الفترة:عبيد فرج شحور،وعمرجابرالحوثري . " 
   عليناأن نتصورالجهدالهائل والمضني الذي بذله هؤلاء وعلى رأسهم الشيخ سعيدعبدالله بحاح في إقناع الآباء وأولياءالأمورفي إلحاق بناتهم بالتعليم،متنقلين من بيت إلى بيت على أقدامهم،متزودين بالإيمان بعدالة قضيتهم وأهميتهاللمستقبل.لم يكن الأمرسهلا ابدا ،ولانعلم العدد الذي التحق بأول صف ومدرسة لتعليم الفتيات في ذلك العام1961م وهو نفس العام الذي توفي فيه الشيخ سعيد بحاح،وكانه شعربأنه ادى رسالته..ألقى حجرا في البحيرة الراكدةوفتح نهرا لتعليم فتيات بلدته الديس الشرقية لايمكن ان يتوقف عن الجريان . 
                                 *****
    جاء في نفس القصاصة: ان اعمار الفتيات اللائي التحقن بالصف الأول بالمدرسة في ذلك العام كانت متفاوتة !!" وهذا طبيعي جدا فلم يكن مطلوبا في ذلك الظرف تحديد سن معين للفتاة لتلتحق بالتعليم ..المهم كان ان تلتحق بالمدرسة بصرف النظر عن العمر ! بعد كل ذلك الجهد العظيم الذي بذله الشيخ سعيد بحاح ورفاقه لإقناع الآباء بتعليم بناتهم،ذلك كان سيبدو دون شك كمن يضع العصي في الدواليب! بينما كان المطلوب  أن تدور العجلة، وقد سارت،وجرت وإن ببطء ولكن بثقة .
 لم يكن الأمر سهلا ، ولا الإمكانيات متاحة،لكن كانت الإرادة موجودةوقوية.على سبيل المثال عندماوصلت أولى المعلمات لم يكن السكن الخاص بهن قد هيء بعد ، فتطوع رجل الخير محمد احمد الكسادي واستضافهن في بيته مع أسرته لمدة أسبوع حتى حلت المشكلة . 
عندما نجح الشيخ سعيد عبدالله بحاح في تأسيس نواة لمدرسة لتعليم البنات في الديس تحمل مسؤلية سكن أول معلمة وتوفير مستلزماتها والإشراف على سير التعليم وتحمل المعارضة من بعض الأهالي الذين قابلوا تجربته هذه بالإساءة لا بالشكر والثناء !!
   كانت أول مديرة للمدرسة من المكلا خيرة عبدالله الصيعري،والمعلمةعائشة عبدالله بازمبول،ونظرا لعدم وجود معلمات من الديس،وصعوبة الطرق والمواصلات لإنتقال معلمات من مناطق أخرى،فقد تم الإستعانة بتلميذات من نفس المدرسة ( مستوى صف ثاني إبتدائي )كمعلمات لتدريس التلميذات الجدد،وفي نفس الوقت مواصلة التعلم.وهذا يدل على مستوى مخرجات التعليم في ذلك الوقت.واول تلميذة تم الإستعانة بها كمعلمة:سعود عوض العفاري . 
  سنوات الدراسة في المدرسة كانت اربع سنوات،لكن لم تواصل كل التلميذات الدراسة حتى النهاية،كان هناك تسرب،ومن العددالمحدود اللائي اتممن الصف الرابع ، لم تواصل سوى تلميذة واحدة تعليمهاالمتوسط هي آمنة عبدالله الحداد لأن والدها يسكن المكلا.لكن بعض خريجات المدرسة عملن كمعلمات مثل:سلمى ناجي الحوثري،فاطمةابوبكر الحداد،وامون عوض بن سلم . 
                                 *****
   لم يكن إهتمام الشيخ سعيد بحاح يقتصر على تعليم فتيات الديس فحسب ،بل ايضا أراد لهن ان يدخلن سوق العمل الخاص .                          
  يذكر الأستاذ عبدالعزيز قرنح ان الشيخ سعيدعبدالله بحاح،أول منوأدخل صناعة الكوافي الخيط إلى الديس الشرقية.كان الزي الرسمي المعتمد من المعارف في مدارس السلطنة القعيطية عبارة عن وزار ابيض ( معوز ) وقميص ابيض،وكافيةبيضاء من القماش، يضعها التلميذ على رأسه لتقيه حر الشمس،فما كان من الشيخ إلا أن قرر تدريب بنات الديس على حياكة الكوافي من الخيط الأبيض المستورد من عدن،بدلا من القماش ، واستقدم لذلك مدربة من مدينة الشحر لتدريب الفتيات في "المبراد" الموجود في بيته، وبدأ ببنات بحاح حتى يجعل منهن قدوة لبقية الفتيات، فأتقن صنعها وانتشرت حياكة الكوافي وغدت حرفة نسائية يقبل على لبسها  الرجال لمتانتها ودقة نقوشها،وصارت الزوجةتهديها لزوجها،والإبنة لأبيها،أولقريبهاالمغترب . 
                             *****
كانت إهتمات الشيخ سعيد عبدالله بحاح متعددة، فهو  من مؤسسي نادي الإخاء والتعاون سنة 1941م..نادي غير رياضي من أهدافه جمع أهالي الديس الشرقية تحت مظلته بعيدا عن التعصب لتقسيمات البلد حيث يجمع سكان حافة القويرة وحافة طالع والقرى الصغيرة، ومن أهدافه المساهمة في إنشاء المشاريع الحيوية، وكان سعيد عبدالله يجمع التبرعات بحكم وجاهته ، وهو أمين الصندوق والمشرف على المشاريع تلك،وكان له نظام مالي خاص بالايرادات والنفقات،وهذا كله عمل تطوعي لايتقاضى عنه الشيخ اي أجر .
   ولما يتصف به من أمانة،فإن كل المغتربين المقيمين من الديس في عدن، يسلمونه مصاريف أهاليهم الشهرية ليسلمها لهم ، فهو يقوم مقام "البنك" الذي يعرف بنظام الحوالة اليوم،ولم تكن هناك مصارف في الديس في ذلك الزمن،او مكاتب صرافة كما هو الحال اليوم .
  . 
                               *****
  انقضت سنوات كثيرة،بل عقود من الزمن،والصرح العلمي،المدرسة الأولى التي أسسها الشيخ حاج بن سعيد بحاح،اولا للأولاد ، وبعد ذلك خصصها الشيخ سعيد عبدالله بحاح لتعليم البنات،تحولت إلى أطلال بعد ان تعرضت للإهمال عقب تأسيس اول مدرسة حكومية للبنات بعد الإستقلال والتي سميت أروى..
  لكن واحدا من جيل ابناء آل بحاح ، هو ابن شقيق الشيخ سعيد عبدالله بحاح سيأتي ويعيد بناء المدرسة من جديد ، ذلك هوالأستاذ خالد محفوظ عبدالله بحاح ، عندما كان وزيرا للنفط،وتم تسليم إدارتها وتسيير شئونهالمكتب التربية والتعليم بالمديرية بمباركة أسرة آل بحاح .
   هاهو جيل الأبناء يواصل حمل الراية وإكمال مابدأه الآباء من اعمال الخير والإهتمام بالتعليم خدمة لبلدهم الديس الشرقية .
  رحم الله شيخنا الجليل سعيد عبدالله بحاح واسكنه فسيح جناته ..
لروحه السلام .

  هامش :
 *من بحثه الموسوم :  "دور الحضارم في صناعة السفن الخشبية بميناء عدن والعمل عليها " . من خلال هذا البحث يغطي الباحث دور الحضارم في هذه المهنة من فترة تمتد من منتصف القرن التاسع عشر حتى الربع الاخير من القرن العشرين . البحث شارك به المشطي في المؤتمر العلمي الثاني ( دور الحضارم في عدن عبر التاريخ ) المنعقد في مدينة عدن 17 - 18 ابريل 2019

* جمع زعيمة ، وهي سفينة خشبية شراعية تجري بقوة الرياح من تلك التي بناها ووشرها بناة سفن حضارم من الديس الشرقية في معلا -دكة .
* راجع صحيفة ' الجماهير " العدد (61) الصادر في أغسطس 1963م.رئيس التحرير : احمد هيثم الحضرمي .