كانت الزيارة قصيرة، لكن عدت منها  بانطباعات جميلة ، احتاج إلى زمن آخر حتى استطيع الإلمام ولوبنزر من حياة هذا المشقاص الشاسع المدهش الذي انتمي إليه ..
 قصيعر مدينة بحرية ، وهذا سبب كاف لعودتي إليها، واستعادة ذكريات الزيارة الوحيدة، وايضا كانت إلى البحر،وتحديدا  إلى ميناء الإصطياد ، ربما لتؤكد لي هويتها وهواهاوالبحر الذي فتحت عينيها عليه .
   توجد دائما لحظات سعادة ، ولو كانت قصيرة تبقى من ذكريات ومرويات العمر.   قصيعر .. منها بالتأكيد .
طوال كتابتي عن مدن البحر ، كانت تحضرني بقوة ، واقول لنفسي؛ مرة بعد أخرى: ترى ماذا سأكتب عنها ؟
 ظل قلبي مشدودا إليها ،الوقت يمضي سريعا ، وموعدي معها يقترب. لا اتذكر من سفرتي تلك سنة 2006م الا القليل،، أي ،،الوقت الذي سمحت به زيارة قصيرة جدا ، من الديس الشرقية الى قصيعر والعودة. لكن علاقتي بها ليست لحظة عابرة ، فيجمعني بقصيعر تاريخنا المشقاصي الواحد ، وميراثنا الثقافي المشترك ، وشرقنا بكل حواسه ، وناسه ، وسحره الأسطوري الخارق ، ونهمه للحياة، وجذوره الضاربة في الأرض، وتفرده ، وخصوصيته ..
  قلت اطمئن نفسي : ولووووو،،، وان كانت الكتابة عنها صعبة لكن ليست في حكم المستحيل .
                       (2)
 كنت قرأت قبل سنوات ماكتبه الشيخ المؤرخ عبدالرحمن الملاحي رحمه الله عن المشقاص ، وخاصة كتابه القيم الموسوم:( الدلالات الإجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص ، ثعين والحموم ) ومن خلاله   اطلعت على بعض عادات قبائل المشقاص والحموم ، وهو من قلة جدا من الباحثين الحضارم اولى اهتمامه بهذه المنطقة الحيوية والمهملة من حضرموت ، ويكن له اهل المشقاص وقصيعر الكثيرمن الحب والإحترام ، تجدهافي أحاديثهم وكتاباتهم عن الشيخ الجليل الذي كرس حياته للبحث العلمي . وللملاحي كتابات اخرى عن قصيعر مثل بحثه (الفرس في أرض اللُبان) عن الاحتلال الفارسي لقصيعروكتابات اخرى عن الفرس.... بعضها مخطوط مثل بحث الفرس في الشحر) .ويعتبر احد رواد المسرح في حضرموت . 
 كما قرأت بعض ماكتبه زميلي الروائي صالح باعامر عن المشقاص ، وبالذات عن قصيعر ، ولآخرين قرأت بصورة غير منتظمة لم تشبع فضولي ولانهمي للإلمام بهذه المنطقة الفريدة من حضرموت ذات الأبعاد المتعددة الجامعة بين ثقافة البحر والبادية ، وثقافة المدينة والقرية ،وحياة الحضر والبدو بكل مافيها من ثراء وتنوع وتضاريس ...
  قبل ان اشرع في الكتابة عن قصيعر ، لم يكن لدي معلومات ولامعرفة كافية  بهذا الجزء الحبيب من المشقاص ، لكن فجأة وجدت المعلومات تتدفق بين أصابعي كالمياه العذبة ، وان شئتم البحر الزاخر...
                        (3)
 
  هل تؤمنون بالاشارات..؟
شخصيا اؤمن بها ..
 عبدالله بن احمد بن طاهر باوزير،زميل دراستي في المعهد الديني بغيل باوزير في منتصف ستينيات القرن الماضي ، وصديقي العزيز الذي اعتز بصداقته المستمرة منذ اكثر من ستين سنة،تواصل معي قبل فترة قصيرة يسألني إذا كنت أوافق الانضمام إلى قروب مجموعة دار الاسعاء للدراسات والنشر الالكترونية التي انشأها الدكتور عادل باعكيم ؟؟
 لا ادري لماذا قلت فورا وبدون أي تردد او تفكير : نعم ..نعم ولي الشرف .. ولا كيف غادرتُ منطقة الحذر التي اتبعها خلال السنوات الأخيرة، حيث خرجت من كثير من الجروبات ، واعتذرت عن الانضمام إلى أُخرى، ولم ابق عضويتي إلا في ثلاثة منها فقط لها مكانة خاصة في نفسي : جروب واحة زملاء المعهدالديني 
وفيه زملاء دراستي في اجمل سنوات العمر في غيل باوزير ، بلد امي ، وجدي واخوالي من آل باشطح ... 
 والثاني ؛ مُنتدى تاريخ وتراث وادي عمر ، وفيه ذكريات الصباوالجمال ورفقة زمن الطفولة والجيل الجميل الذين تربينا معا،ورائحة النخيل والصيق وكل ماهو جميل وبديع في وادي عمر -الديس الشرقية . 
 والثالث ؛ جروب الشعر والنثر السوماني الذي اسسه زميلي البروف د . نزار غانم ويعتبر جسر تواصل وجداني بين اليمن والسودان ، وبين حضرموت والسودان اكثر من جسر تواصل ..وبهذا أصبح جروب دار الاسعاء الرابع في هذه الأيقونة.
  كانت تلك الإشارة الأولى..
 وماان مرت عدة أيام من عضويتي في جروب الاسعاء ونشرت فيه بعض حلقات من مدن البحر التي انشرها منذ أسابيع في موقع ( صوت عدن ) حتى تلقيت إتصالا على الخاص من عضو المجموعة الأستاذ همام عبدالرحمن باعباد ، الذي أبدى سعادته بما اكتبه عن مدن البحر ، وما أن عرفت انه من قصيعر حتى قلت له انهاضمن مخططي للكتابة عنها ، فابدى استعداده لمدي بكل مايستطيع عنها ، وعلى الفور وعلى عدة أيام اخذ يرسل لي عبر الشبكة العنكبوتية الأعداد الكاملةمن نشرة ( مثوب ) الالكترونية ال (28)  الثقافية الدورية التي يصدرها منذ سنوات شباب حارة عثمان بمهينم في قصيعر ، ثم اهداني شقيقه باسل الذي عرفني إليه نسخة الكترونية من كتاب ( من التراث المشقاصي) للكاتب احمد سعيد باعباد - إصدارات مكتب الثقافة في حضرموت في عهد مديره الروائي الصديق صالح سعيد باعامر الذي اولى اهتمامه بطباعة ونشر الكتاب خلال رئاسته القصيرة للمكتب .
  فكانت تلك الإشارة الثانية ...
  
  كنت أشاهد فيلم "موبي ديك" عبر الشاشة الصغيرة قبل ذلك بأيام قليلة في نسخته الجديدة ، قبل ان اقرأ كتاب باعباد عن تراث المشقاص وخاصة تراث قصيعر البحري ، وبالأخص صيد اسماك القرش مماذهب بخيالي إلى تشابه المغامرتين مع الفارق طبعا ..
  فكانت تلك الإشارة الثالثة ...
وماكان لي وقد تلقيت كل هذه الإشارات المتتابعة الا ان التقطها واحمد الله على ذلك ..
                       ()

  قصيعر.. سحر الأمكنة، ضفاف البحر ، صخور البازلت، مغامرات البحٌَارة ، الدمع المحبوس في أعين النساء والأطفال لآباء ينتظرون عودتهم ، ركبوا الموج واستودعوهم الله، منهم من يعود ،ومنهم من لايعود أبداً رحمهم الله ! 
 أرض اللُبان والرجال الشجعان والشهداء.                         (4)
  
  فلماذا سميت قصيعر ؟
   قصيعر كلمتان مُزجتا في كلمة واحدة ، مثلها مثل حضرموت وبعلبك ، كما يرى فائز محمد باعباد. فهي من كلمة (قصي)
والقصي البعيد ، ومنها الأقصى ،والأقصى
 الأبعد ، مزجت مع كلمةعر، والعر في معاجم اللغة العربية كلمة نادرة أقربها للمعنى المكان،  وذكر بالمعجم الوسيط ( العُر... عُرا الوادي شاطئاه) وهذا صحيح من حيث موقعها فقصيعر تقع على شاطىء البحر من الشرق وعلى شاطىء الوادي من الغرب . وفي المعجم ايضا : (والعُرمة - بالتحريك مجتمع رمل ... وابوعرام : كنية كثيب بالجفار...)فربما التسمية جاءت من كلمتى ( أقصى العرم )
او العروم بجمع التكسير ان صح وهي الكثبان الرملية،( مازالت تسمى العروم)
أقصاها قرين قصيعر التي تنتهي عندها هذه الكثبان . وقد تنطق ( أقصى ) في العامية (قصي) للتخفيف،فقصيعر هنا ربما أتت من مزيج من كلمتي ( قصي العرم) مزجت الكلمتان ثم حورتا لتصبحا 
مع الزمن قصيعر ، اوقصاعر كماتكتب في بعض الوثائق . وهناك قول آخر لكن  الأستاذ فائز باعباد يرجح القول الأول الذي اوردناه .( مثوب ، العدد 13 - ص 7 باعباد، فائز : مناطق المشقاص من قواميس اللغة العربية.).
                       (5)
  مثل الرحالة يبحث عن اولى خطواته ،  
احاول ان اجد ضفة ابدأ منها فأجدها  على ضفاف البحر حين رسم موقعها لأول مرة العالم الجغرافي الاغريقي بطليموس من  اهل القرن الثاني للميلاد ( 100-180م) في خريطةرسمها لمناطق جنوب الجزيرة العربية سنة140م ، فكان ذلك اول ذكر لقصيعر لكنها بالتأكيد اقدم من ذلك،،وبما ان الاسم في الخريطة لم يكن واضحاًفلا يُعلم باي اسم ذكرها ! 
  المسافة بين بطليموس والمؤرخين العرب القدامى كانت بعيدة فذكرت عندهم باسم(مثوب)،كالمسعودي،وياقوت
 الحموي ،والفيروزي آبادي ، والمرتضى الزبيدي وغيرهم لكنهم لم يحددواموقعها على وجه التحديد . 
 وذكرها المؤرخ احمد محمد باسنجلة من مؤرخي القرن العاشرالهجري وقال انه كان فيها قائم كثيري اسمه يزيد بن   عكاشة اليافعي ، في حوادث 976للهجرة
، ووصفه بصاحب العدالة، وذكرها تلميذه المؤرخ محمد بن عمر الطيب بافقيه في كتابه( تاريخ الشحر واخبار القرن العاشر ) وقال إن جنود ابودجانةالمهري فرواإلى قصيعر بعد هزيمتهم من آل كثير ، وذكر انها من أعمال ريدة المشقاص .ثم ذكرها المؤرخ سالم عوض باسباع (950هجرية)
 في كتابه ( بهجة السمر في اخبار سعاد المشتهر) ونقل عنه محمدعبدالقادر
بامطرف في كتابه ( الشهداء السبعة ) حين ذكر ان البرتغاليين أتوا إلى قصيعر  واحرقوا السفن الراسية فيها عام1524م  ثم ذكرها الكابتن "هنس "، بعد ان احتل عدن بسنوات ، وقال انه زار قصيعر سنة 1834م ووجدها مزدهرة بتجارة الاسماك، لكن لم تكن تهمه كثيرا طالما وقد صارت الجوهرة عدن في يده بعد احتلاله لها في 19 يناير 1839م. ولم تصبح من أهم موانىء حضرموت إلافي عهد القعيطي بعد أن استولى عليها سنة 1871م وقام بتسويرها وعين لها (قائم وقاضي ومسؤول ضرائب ). وظلت تحت حكم سلاطين القعيطي حتى استقلال عدن والجنوب عن بريطانيا
 ونهاية حكم السلاطين سنة 1967م.
                        
                         (6)

   ولقصيعر نصيبها من اهتمام وكتابات الرحالة الغربيين ."ليو هيرش"، الرحالة الألماني زار قصيعرا في القرن التاسع عشر في طريقه إلى المهرة عن طريق البحر ،وكتب عنهافي كتابه ( رحلات إلى جنوب البلاد العربية وبلاد المهرة وحضرموت )..الرحالة البريطانيون ايضا لم يفوتوا زيارة قصيعر التي زارها عن طريق البر سنة 1894م الزوجان"جيمس ثيودر بنت" و"مابيل فرجينيا" مخترقين هذه المنطقة المجهولة التي كانت قديما مركز تجارةالبخوروالمُر،ودونامشاهداتهما
 عن قصيعر والريدة.                                                   (7) 

قصيعر جميلة ،،،، وفيها سحر المشقاص وغموضه الجميل.. والبحر جزءٌ رئيس من ذاكرة المدينة التي كانت يوماً قرية وادعة ، كلما اغمضت عينيها تجد نفسها في مواجهة البحر وهدير موجه ... ومن ذا يستطيع ان يطفيء صوت البحر  المتدفق ؟
إبن قصيعر، الروائي الكبير صالح باعامر يحب بلدته ويراها بعينيه الجميلتين " شواطىء ورمال بلوريةوصخور جاذبة وسواحل ومراسي وغياض وحياة جارية وحصون تاريخية وقلاع تؤهلها لتكون بلداً سياحيا يجلب السواح من الداخل والخارج "" 
 ..كان طبيعيا لمدينة تتنفس هواء البحر صبح مساء ان يشتغل غالبية سكانها في البحر ، فالبحر كما يقول باعامر " هو عصب الحياة الاقتصادية من خلال إنتاج الأسماك بكل انواعها التي يصطادها الصيادون والملاحون "، وتأتي بقية الاعمال تاليا : التجارة ، البناء ، الزراعة وبقية المهن المختلفة ..  
 صالح سبتي بن يسلم يشدد على  خاصية "" تميز قصيعر عن غيرها من مدن ساحل حضرموت ، باشتغال غالبية سكانها بالبحر ، بل وحتى الموظفين تجد عندهم الخبرة في اعمال البحر والاهتمام بذلك ، لأنهم ورثوا هذه المهنة عن آبائهم واجدادهم ، وبرع الأوائل منهم في كيفية اصطياد سمك القرش."""
 ويرسم احمد سعيد باعباد تفاصيل مُدهشة في كتابه من (تراث المشقاص) عن رحلات صيادي قصيعر لإصطياد سمك القرش " اللخم" وأسماك الديرك الطرناك ،،،وغيرها في جزيرة سقطرى وعبد الكوري وسمحة ودرسة وسواها ، ومن أشهر هؤلاء الناخوذة سالم عبيد فرج صائد القرش الشهير بذكائه وحدة نظره وقدرته على إصابة الهدف من مسافات بعيدة دون ان يخطيء ، واحيانا يرمي حوتين في أقل من لمح البصر ، والتفاصيل التي يوردها باعباد عن صيد اسماك اللُخم ( القِرش ) لاتقل إثارة وخطورة من تلك التي صورتها السينما الأمريكية عن رحلات صيد الحيتان في المحيطات وخاصة المأخوذة عن رواية "موبي ديك" الصادرةفي18أكتوبر 1851
 للكاتب الامريكي "هيرمان ملفيل" التي   ""تدور حول صراع تراجيدي بين حوت
 وإنسان تتخذ من هذا الصراع الحضاري وسيلة لتأمل الوضع البشري وعلاقته بالوجود، كما تحوّله إلى كيان رمزي عن كيفية العيش - مطلق العيش - وعن المشروع الأمريكي الذي وجد في عمل ملفيل شكلاً من أشكال التعبير عن نفسه في منتصف القرن التاسع عشر أي حين كانت أمريكا تكتشف ذاتها كقوةكونية
وامبراطورية إمبريالية أمريكية بالقوة والإمكانات.. فكانت رواية موبي ديك وروايات ملفيل الأخرى بمثابة نبوءة لما ستصير اليه هذه القوة الكامنة." وملخص الرواية: إسماعيل بحار متجول، يخرج في رحلة على متن مركب صيد الحيتان " بيكود" التي يمتلكها القبطان أهاب. سرعان ما يكتشف إسماعيل أن أهاب يريد صيد حوت بعينه يدعى موبي ديك، وهو حوت أبيض شرس، وذلك لأن الحوت كان في السابق قد دمر مركب أهاب وقضم ساقه. وهكذا يسعى أهاب للانتقام.
                         (8)                     

  ربما ان مغامرة الناخوذة سالم عبيد        وغيره من نواخذة وبحارة قصيعر وحضرموت الساحل لم تجد كاتبا مثل هيرمان ميلفيل يخلدها مثلمافعل في روايته موبي ديك التي كتبها عن قصة حقيقية عن غرق سفينة صيد حيتان وهوس قبطانها في الانتقام، وإلا لدخلت عالم الرواية والسينما مع الفارق طبعا ،، فهما تجربتان مختلفتان تماما ، في المكان والزمان والابطال ، فقبطاننا من قصيعر لم يكن يسعى خلف الانتقام بقدر ماكان يسعى وراء لقمة عيشه، هووبحارته
 ، حيث كانوا يبيعون مايصيدون من اسماك القرش بعد رحلة صيد شاقة تستمرلعدة أشهر لتجارحضارم في شرق إفريقيا وخاصة زنجبار اشهرهم جدي محمد عبدالله قرنح من الديس الشرقية، الذي ذكر انجرامس في كتابه (زنجبار،
تاريخها وشعبها ) بأنه من أغنى اغنياء العرب في زنجبار، وخلفه شقيقه سالم عبدالله قرنح والد الحائز على نوبل في الرواية الدكتورعبدالعزيز بن قرنح..وممن كانوا يشترون اللخم من صيادي قصيعر ايضا باهارون من الحامي، وباهرمز من المكلا.
                        (9)
   كان الناخوذة سالم عبيد فرج بطلا على طريقته دون ان يسعى إلى ذلك، وصائد اسماك قرش بمهارات نادرة اكتسبها عبر سنوات من الخبرة ، بحيث يمكنه المشي على حافة لاتزيد عن بوصة واحدة لهوري (قارب صغير يتميز بالطول 
عرضه ذراع ونصف وطوله عشرة اذرع) دون ان يسقط اويفقد توازنه او ينقلب القارب ويغرق رغم الثقل الذي يتعرض له من جانب واحد ، ليس هذا فقط ، بل للناخوذة سالم عبيد مهارات أخرى يظهرها وقت صيد اسماك القرش يكشفها لنا  احمد سعيد باعباد في كتابه " من التراث المشقاصي" ، فهو يملك مهارات لايملكها غيره في رمي المنزك ، (أداة حديدية معكوفة تربط في طرف عصا طولها عشرة اذرع تقريبا ) يقوم الزارق (الرامي) بقدفها نحو الحوت - القرش .
 وكان الناخوذه سالم عبيد ماهرا جدا في رمي المنزك وإصابة هدفه دون أن يخطىء المكان المحدد من جسم الحوت . وماأن ينغرس فيه حتى ينفصل عن العصا لكنه يظل ملتصقا فيه بخيط متين طرفه الآخر بيد الزارق ، الذي يسحبه بقوة احياناً وبمرونة احيانا أخرى ، يشده ويرخيه ، ولايمكنه من ان يسحب قاربه إلى الأعماق او يفلت منه ، حتى يتمكن منه الإنهاك ويعجز عن المقاومة ، لحظتها يسحبه إلى قاربه او سفينته ، ويهوي على رأسه حتى يفارق الحياة بعصا غليظة تُسمى (العسوة) ثم يرفع إلى داخل الهوري اوالسفينة ،لتنتهي معركة قطع الأنفاس بين الصياد والحوت ،،،،
 لتبدا مرحلة أُخرى فيتخلص من احشائه ويعبأ بالملح ، ليتحول لحم القرش الطري بعد مضي وقت إلى لحم مُجفف ، والذي نعرفه ب اللخُم .. وقد تمضي ايام وهم يترقبون بحذر ظهور اسماك القرش دون ايجادها ، وحتى في هذه الحالة كان الصيادون والبحارة يعتمدون على حدة بصر الناخوذة سالم عبيد فرج الذي كان يستطيع رؤيتها من مسافات بعيدة ..
تلك واحدة من مغامرات صيد القرش التي كان يقوم بها الصيادون من قصيعر والتي تحتاج إلى كتابتها وتحويلها إلى عمل درامي .
                        (10)

  كما ان احداً لم يكتب مُغامرة الناخوذة 
 بن محفوظ الذي نجا باعجوبةبينما غرقت السفينة التي كان يقودهامع جميع بحارته. والقصة كما أوردها باختصار سعد حسن الغرابي في العدد 19ص 16 من نشرة ( مثوب)  2020  ..ان  عوض بن محفوظ الغُرابي الذي كان من الرعيل الأول من نواخيذ المشقاص، وله تاريخ عريق في البحر ، ويملك من صفات الصبر والشجاعة والتفاني والثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المشاكل والأخطار ، ما جعله ناخوذة بحق ، قدجاءه في يوم من ايام الخريف رجال من شرق افريقيا التي كان كثير السفر إليها واقام علاقات طيبة مع أهلها، وطلبوا منه ان يقود سفينتهم ...
 كناخوذة صاحب خبرة بالبحر واهواله، كان يعرف ان الوقت عصيب ولايصلح للإبحار ، حيث يكون البحر هائجامائجا في هذا الوقت من السنة، لهذا رفض في البداية ، لكنهم أصروا عليه إلى أن وافق  ""،
يُقال ان لكل حصان كبوة، ولكل قبطان غلطة ، ويبدو ان تلك كانت كبوة وغلطة بن محفوظ معاً الذي تخلى عنه حذره وحيطته في وقت كان يحتاج اليهما ليقول لا، ويتمسك برفضه !
 ابحر بسفينته ، وفي مكان ما تعرضت لعاصفة شديدة ، واخذت الصنبوق تهتز بقوة الرياح وعلو الموج ، ويميل يمينا وشمالا ، واندفعت المياه إلى الداخل ، ولم تجد كل محاولات الناخوذة بن محفوظ وبحارته في الخروج من وجه العاصفة فغرقت السفينة بمن عليها ولم ينج منها احد غيره !!
 وهناك عشرات القصص والمآسي من هذا النوع ذهب ضحيتها بحارة ونواخذة سفن وصيادون وحتى رُكاب عاديون لم يوثقها الأدب في قصيعر وغيرها من مدن البحر ايام ما
كان الابحار محفوفا  بالمخاطر على متن سفن خشبية "قبل الماكينة" وقوارب صيد صغيرة ، ومع ذلك فإن أولئك الرجال الجسورين وصلوا بسفنهم بأمان إلى أبعد مدى استطاعوه 
وسط العواصف والاهوال الجمة مهتدين بالنجوم وخبرتهم بمواسم الرياح
والإبحار التي اكتسبوها عبر السنين ، معتمدين على الله سبحانه وتعالى ، إلا من كتب عليه أن يموت شهيدا في البحر ....وكتبوا اسم قصيعر كواحدة من مدن البحر، وابناءها كربابنة وبحارة وبنائي سفن خشبية وصيادي اسماك قرش لايشق لهم غبار ، وساهموا في صناعة جزء كبير من تراث وثقافة قصيعر البحرية .
                        ()
 
 كانت قصيعر تملك يوما حتى نهاية سبعينيات القرن العشرين الماضي نحو أربعين سفينة لم يعد لها وجود اليوم بعد ان استقرت على حافة السيف ، وتحولت إلى الواح متآكلة ، أكلها الزمن وملوحة البحر بعدتخلي اصحابها عنها وعجزهم عن مسايرة التطور الذي دخل على صناعة السفن بدخول الماكينة، وكانت صنعت ذات يوم مجد قصيعر البحري، 
واعتاش الناس من حاصلاتها من الأسماك ، وصارت المهنة الأولى لأهلها،  وورثها الأجداد الافذاذ لابنائهم ، والاباء للأولاد والاحفاد ،،، 
                (ولمدن البحر بقية)