تتوسط حجرة السيد مازن شماعة ملابس عتيقة، وفي الزاوية الامامية وضع دولاب رواياته التي التهمها، وبدأ يطلب المزيد، أما ثرياء السقف فلم تعد تشتغل، ظلت ساكنة تحاكي ذلك الهدوء في داخله، وأمام باب الحجرة هناك نعلان قديمان، كان السيد مازن يلبسهما في المناسبات، وعلى غير بعيد يمكنك أن ترى منفضة السجائر، والجاكيت الجيشي الذي يرتديه السيد مازن في الاماسي التي تقرأ فيها القصائد، واذا وصلت إلى طرف الحجرة الخلفي، فستجد اكياس الطعام التي اكلها السيد مازن، وكوب الشاي الفارغ والقلم الوحيد الذي رماه، بعد كتابة احدث نص له. وتعبق في المكان روائح عديدة، وهي خليط من الدخان، والملابس العفنة، وبقايا الصحون، لكنك ستجد شيئا من الترتيب إذا وقفت أمام دولاب الكتب، فإن هذه الفوضى تنتهي، واذا أمعنت النظر داخل الدولاب فستجد الجريمة والعقاب، والبؤساء، وستجد أيضا بعض الخطابات التي وصلت للسيد مازن، وشهادة تقدير، وصورة زواجه الاول.
هاهو الان يقف أمام هذه الصورة ممعنا فيها، مازال يذكر من التقطها، واين ومتى، لقد رحلت تلك المرأة التي منحته الحب، كانت تعتني بتفاصيل حياته كلها، كانت تعلم متى يفضل الشاي، متى يكتب، متى يصغي لذاته. لقد تناول السيد مازن الصورة من الدولاب، وذهب بها إلى تلك الزاوية، أنه يتذكر الان ذلك الحادث، الذي رحلت فيه، كم هو صعب على المرء أن يتذكر تفاصيل من يحب، في الوقت الذي هو لايستطيع أن يفعل شيئا تجاهه، أنه ينكفىء على ذاته، ويصرخ في داخله، ويبتلع الهواء كالمجنون، يرنو إلى النافذة، ويستطلع من أصوات المارين صوتا يشبه نبراتها، حين تركها على قارعة الطريق، وركب الحافلة، لاشيء افظع من أن تترك إنسانا تحبه وحيدا، وعندما مشت الحافلة التفت إلى الوراء، والحافلة تخلف وراءها أردية ثقيلة، تقع على الاسفلت وتذوب .