انزلتها الحافلة على قارعة الطريق، قالت: اين أتجه يارب!
 أمعنت النظر في الشارع جيدا، هناك امرأة عجوز تبحث في حاوية القمامة، وهناك سيارة إسعاف تمر مسرعة،و هناك بائع اسكريم يلاحقه الاطفال، وعلى البعيد يمر قطار السكة الحديد
واردفت تقول:
_ أوحقا أنا هنا؟ كم لي جالسة في تلك الغرفة لا اغادرها  إلا إلى مكتب البريد لا تقاضى راتبي ..
كم تبدو الحياة جميلة عندما تكون بمفردك، تنظر إلى الاشياء وكأنك تراها لاول مرة.
وراحت تنتقل من مكان إلى مكان، وتكتشف أن هذه ازهار، وهذا مجسم لشاعر أو مفكر، وهذا مركز لتدريب الفتيات، وهذه نافورة، وهذان عاشقان.  وطفقت تقول :
_كم لي لم اشاهد هذا ،أواه أن هذا ممتع.
 ورن  جرس جوالها:
_انت فين يا امي قالبين عليك الدنيا كيف نصل اليك
_من انت
_انا امل ابنتك لقد تركنا بلاغات عنك في كل مكان.
_لن اقول لأحد اين انا حتى اشبع من هذه المناظر
_معك نقود كافية
_اجل
_في اي شارع انت
_لاادري
_امعك حقيبة
_اجل
_مالونها
_لاادري
_ستأتي اليك سيارة الإسعاف
_لا حاجة لي بها اتركوني ارجوكم
واجهشت بالبكاء على قارعة الطريق بجانب مشتل للازهار ونافورة.
كانت تود البقاء هنا طويلا, فقد وجدت ذاتها لأول مرة, بعيدا عن الوصايا والقيود، وانشأت تقول:
_عندما يكون المرء وحيدا يعثر على السعادة وسط الصمت وسط الخلوة.
واردفت تقول وهي تنظر إلى الحافلات وتستمتع برذاذ المطر:
_كنت حبيسة تلك الغرفة بعد أن تفرق الأبناء، لاأحد يزورني منهم إلا النادر، وتتولاني تلك الجارة اللطيفة ، وقد اعتقدت أن العالم أصبح غرفتي فقط.. ونسيت حتى الوان الاشياء واصواتها .
وفي ذلك اليوم حزمت أمتعتي لارحل، لا شاهد ماهو ابعد من غرفتي، ومن حيي السكني الصغير، أحببت أن اعود إلى الطفولة، والى حياة الشغف، لأكتب في صفحتي أسماء جديدة للمطر، والبلاد.. لكنهم لن يتركوني، سيبحثون عني في المشافي والمنتزهات، ولكن كفوا ايديكم عني، فقد سرقتم مني الحياة!
ولما تكد تقطع الشارع حتى كادت سيارة الإسعاف تخطفها، ومن خلفها سيارات الأبناء، من كل مكان، لتجد نفسها في تلك الغرفة من جديد .