صوت عدن | علوم وتكنولوجيا:

في قصة الميلاد في العهد الجديد، حمل الملوك الثلاثة ثلاث هدايا ثمينة للاحتفال بميلاد المسيح، لكن حمى الذهب في العصر الحديث في أرض الصومال تعرض تجارة العطور القديمة في اللبان والمر للخطر. قال الرجل العجوز الجالس على أرض متربة تحت شجرة: "الذهب واللبان والمر الذي أحضره الحكماء الثلاثة إلى الطفل يسوع أتوا بالتأكيد من هنا".

التقيت عدن حسن صلاح على جبل دالو، وهو جزء من سلسلة جبال جوليس التي تمتد عبر جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد ودولة بونتلاند في الصومال. ويعلن الإقليمان سيادتهما على هذه المنطقة.

وقال صلاح: "إنه يمكن رؤية طرق قوافل الجمال التي نقلت تلك المواد لقرون من هنا إلى الشرق الأوسط من الفضاء".

ويشير الكتاب المقدس إلى أن تلك الحيوانات حملت الهدايا إلى بيت لحم حيث يُعتقد أن المسيح ولد.

ظهر فجأة رجل أصغر سنا، يرتدي قميص نادي مانشيستر يونايتد لكرة القدم، واسمه محمد سعيد عويد أرالي.

وقال: "كما تعلمين فإن بونتلاند تعني أرض النكهات الرائعة، فقبل ألف وخمسمئة عام من ولادة يسوع، قامت حتشبسوت، أقوى امرأة فرعونية في مصر، برحلة استكشافية شهيرة هنا. وأمرت ببناء 5 سفن للرحلة، وملأتها بالمواد الثلاثة الثمينة، وأبحرت إلى ديارها".

وأضاف قائلا:"إن الذهب كان يستخدم لتزيين جسد حتشبسوت، والبخور كان يحترق في معابدها والمر تم استخدامه لتحنيطها بعد وفاتها".

ويتم تصدير الذهب واللبان والمر من المنطقة منذ آلاف السنين. ويأتي الكثير من اللبان في العالم من القرن الأفريقي.

واليوم، زرعت إحدى الهدايا التي تم إحضارها للطفل يسوع، الذهب، بذور تدمير الاثنتين الأخريين.

ويُعد الرجال في جبل دالو جزءا من المشكلة.

لقد قادوا حمى الذهب التي بدأت منذ حوالي خمس سنوات، وأدت إلى اقتلاع أشجار اللبان والمر، التي يعود تاريخها إلى عدة قرون.

وقال حسن علي ديري الذي يعمل في منظمة كاندللايت البيئية: "اندفع المنقبون عن الذهب إلى الجبال حيث يزيلون جميع النباتات في مناطق التعدين، إنهم يدمرون جذور الأشجار عندما ينقبون عن الذهب، وهم يغلقون الممرات المائية الهامة بزجاجاتهم البلاستيكية وغيرها من القمامة".

ومضى يقول:"إنهم يضمنون الموت البطيء لهذه الأشجار القديمة يوما بعد يوم. وأول الضحايا كانت أشجار المر التي اقتُلعت من جذورها عندما شرع الحفارون في التعدين السطحي، فيما تدوم أشجار اللبان لفترة أطول قليلا لأنها تنمو على الصخور ويتم تدميرها بمجرد قيام المنقبين بالحفر في عمق الأرض".

◾عطر خشبي

وعلى مسافة أبعد قليلا من أعلى التل توجد قرية اللبان حيث تنتقل الأشجار من جيل إلى جيل.

جلست امرأة على كرسي بلاستيكي فيروزي اللون في شرفتها محاطة بالأطفال وأمهاتهم وصغار الماعز.

تقول راكوي محمود "نحن نحرق اللبان لطرد البعوض والذباب، ونستنشقه لإزالة نزلات البرد ونستهلكه لعلاج الالتهاب، هذا كل شيء"

قالت راكوي محمد محمود عندما سألتها عن قصة المجوس وهم يحملون الهدايا: "ليس لدي أدنى فكرة عما تتحدثين عنه، وكل ما أعرفه هو أن عائلتي امتلكت هذه الأشجار لمئات السنين حيث انتقلت من الجد الأكبر إلى الجد الأكبر إلى الجد إلى الأب إلى الابن".

وأمرت شابا بإحضار بعض اللبان الذي استخرجه مؤخرا من شجرة. خرج حاملا صرة من القماش ووضعها على الأرض وفتحها. كان الهواء مليئا بعطر خشبي لذيذ.

بحثنا في المادة اللاصقة عن شذرات اللبان التي يتم تنظيفها وتجفيفها وتصنيفها قبل بيعها للوسطاء الذين يقومون بتصديرها في جميع أنحاء العالم لحرقها في الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية ولصنع الأدوية والزيوت الأساسية ومستحضرات التجميل باهظة الثمن والعطور الفاخرة، بما في ذلك شانيل رقم 5.

نظرت راكوي محمود إلي عندما سألتها عن رأيها بشأن اللبان الذي تنتجه والذي يُعرض في نهاية المطاف في المتاجر الفاخرة التي تعد بخصائص معجزة لمكافحة الشيخوخة ورائحة غامضة ومغرية.

وقالت بصراحة: "هذا يبدو لي هراء، فنحن نحرق اللبان لطرد البعوض والذباب، ونستنشقه لإزالة نزلات البرد ونستهلكه لعلاج الالتهاب، هذا كل شيء".

ويحصل جامعو اللبان والذين يقومون بالتصنيف على القليل جدا من المال، حيث يبلغ سعر الكيلوجرام ما بين 5 دولارات (4.15 جنيهات إسترلينية) و 9 دولارات. وكانت هناك فضائح تورط فيها وسطاء لا يرحمون وشركات أجنبية جشعة.

وهم يحصلون على المزيد من المر الذي يباع حاليا مقابل 10 دولارات للكيلوجرام. وهو مثل اللبان، مادة صمغية تُستخرج من الأشجار الشوكية الصغيرة، ويتم استخدامه لتحنيط الجثث وصنع العطور والبخور والأدوية.

ويُعتقد أن له خصائص مطهرة ومسكنة ومضادة للالتهابات ويستخدم في معجون الأسنان وغسول الفم ومراهم الجلد.

وشرح القرويون كيف جاء المنقبون عن الذهب إلى منطقتهم بالمجارف والمعاول.

  • وقالت راكوي محمود وهي تهز قبضتها: "لقد وقفنا بحزم ضدهم. قلنا: لقد أتيتم إلى هنا من أجل الذهب الأصفر الخام، ونحن لدينا ذهبنا الأخضر، ولا يمكن لأحد أن يسلبه منا". فهرب المنقبون ولم يعودوا أبدا.

كانت الأجواء في قرية اللبان مختلفة تماما عن أجواء مستوطنة المنقبين عن الذهب. فهناك شعور بالانتماء للمجتمع حيث يتجول الناس صغارا وكبارا وهم يتجاذبون أطراف الحديث ويشربون الشاي ويشتكون من أن أسعار البخور المنخفضة جعلت من الصعب تغطية نفقاتهم، خاصة خلال هذا الوقت الذي يشهد ارتفاع معدلات التضخم وجفافا شديدا.

◾المخدرات والضرائب الجهادية

استغرق الأمر بعض الوقت لمعرفة ما هو الأمر الغريب في مستوطنة المنقبين عن الذهب. في النهاية أدركت أنه لا يوجد نساء أو أطفال هناك.

قال صلاح، الرجل العجوز الذي التقيته جالسا تحت الشجرة: "لا نعرف حقا ما حدث لعائلاتنا، اعتدنا أن نكون من البدو الرحل ولكن فشل مواسم الأمطار والجفاف اللانهائية يعني أنه كان علينا التخلي عن أسلوب حياتنا التقليدي".

وأوضح كيف جاؤوا إلى الجبال في عام 2017 للبحث عن الذهب.

وقال مشيرا إلى بعض الأكواخ المبنية من العصي: "لم يكن هناك شيء هنا عندما وصلنا. كان مجرّد مجرى نهر جاف، كان هذا هو أول مكان يُعثر فيه على الذهب. لقد بنينا هنا قرية من نوع ما".

سألت صلاح وعشرات الرجال الآخرين الجالسين معه عما إذا كانوا يفضلون حياة المنقبين عن الذهب على حياة البدو. هزوا رؤوسهم وصرخوا بغضب.

وقال: "كبدو كنا نتمتع بالكرامة، لم نعتمد على أحد، عشنا مع عائلاتنا وجمالنا وماعزنا وأغنامنا. لم يكن ينقصنا شيء، لقد حملت الإبل ملاجئنا وأواني الطبخ. كانت الماشية تزودنا بالطعام والحليب، ولا يمكننا أن نأكل أو نشرب الذهب الذي نجده والذي لا يمكنه حمل ملاجئنا وممتلكاتنا".

وشرح المنقبون عن الذهب كيف باعوا المعدن للتجار الذين هربوه عن طريق البحر إلى دبي.

ولا يقتصر تعدين الذهب على تدمير البيئة فقط، فهو يدمر حياتهم أيضا.

فقد قال أرالي، الرجل الذي يرتدي قميص مانشستر يونايتد الأحمر: "لقد أصبحنا مدمنين على المخدرات، فنحن رهائن لدى تجار القات"، وذلك في إشارة إلى ورقة مخدرة يمضغها كثير من الصوماليين.

وأضاف قائلا: "إنهم يتحكمون في حياتنا، إننا ننفق كل أموالنا على القات بدلا من عائلاتنا التي فقدناها".

وبينما كانوا يتحدثون، انطلقت سيارة لاند كروزر في القرية. وخرج رجلان يرتديان ملابس جيدة من السيارة. وقال المنقبون إنهم تجار القات.

وقال صلاح: "لقد دمر الذهب حياتنا بطرق أخرى أيضا، لقد دفع البعض منا إلى الجنون، مثل صديقنا الذي وجد ما قيمته 50 ألف دولار من الذهب، وفقد عقله".

وشرح ديري من منظمة كاندللايت البيئية كيف يدمر الذهب المجتمع المحلي، قائلا: "تم إغلاق بعض المدارس لأن جميع المعلمين غادروا للانضمام إلى حمى الذهب، والطلاب يغادرون أيضا".

وقال إن صوماليين من مناطق أخرى يأتون إلى الجبال مما أدى إلى اشتباكات دامية بين العشائر.

وأضاف قائلا: "إن العديد من المنقبين مسلحون، ويجب أن نستدير ونغادر الآن إذ ليس من الآمن البقاء هنا لفترة طويلة".

ومن جانبهم، قال المنقبون عن الذهب إن الجماعات الإسلامية، الشباب والجماعة الصومالية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، بدأت في المطالبة بضرائب منهم.

وعندما انطلقنا من الجبال على الطريق الترابي الطويل، تساءلت عما إذا كان أولئك الذين يشترون العطور ومستحضرات التجميل والمجوهرات باهظة الثمن لديهم أي فكرة عن مصدر المواد المستخدمة في صنعها، وكم عدد الأيدي التي مرت بها تلك المواد، ومقدار الدمار الذي تسببت فيه.


المصدر: BBC News 

أخبار متعلقة