صوت عدن/ تقرير عام : 

أعلن البنك الدولي أن الصراع السياسي والحرب التي أشعلتها الميليشيات الحوثية أواخر مارس عام 2015 أدّيا إلى انكماش بنحو 50% في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين عامي 2011 و2022 كما ألحقا أضراراً أو دماراً بأكثر من ثلث المنازل والمدارس والمستشفيات ومنشآت المياه والصرف الصحي في البلاد.
وأفاد في مذكّرة اقتصادية قطرية خاصة باليمن أصدرها أخيراً أن مؤشّرات الإنتاجية كانت ضعيفة بالفعل قبل نشوب الصراع، لكنها ازدادت تدهوراً مع اشتداد العنف.
أما إنتاج النفط الذي يعد ركيزة حيوية لاقتصاد البلاد فقد تضرّر بشدّة جرّاء الحرب الأمر الذي أدّى إلى تقويض قدرة الحكومة الشرعية على مساندة السكان من خلال تقديم الخدمات الأساسية كما أثّر على التوظيف في القطاع العام إذ أن كثيراً من موظّفي الخدمة المدنية لا تصرف لهم رواتبهم إلا بصورة جزئية أو بشكل متقطّع كما يحدث في مناطق سيطرة الحوثيين.
وقبل نشوب الحرب كان اليمن بالفعل بلداً فقيراً يعاني من ضعف نظم الحوكمة وحطّمت الحرب التوازن الاقتصادي الهشّ في اليمن، الأمر الذي أثّر على كل مناحي الحياة في البلاد.
وتفاقمت الأزمة الاقتصادية والإنسانية الناجمة عن الحرب بفعل الصدمات المضاعفة لجائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) وارتفاع الأسعار العالمية للغذاء والطاقة.
ويسلّط التقرير الجديد الذي حمل عنوان "بارقة أمل في أوقات قاتمة" الضوء على التحديات التي يواجهها اليمن والفرص المتاحة لتحقيق التعافي والنمو الاقتصادي.
ويبيّن أنه إذا تم التوصّل إلى اتفاق سلام دائم في اليمن فقد يكون ذلك إيذاناً "بعوائد سلام" كبيرة لأبنائه والتي تتمثّل في زيادة تصل إلى 6% في مسار نمو إجمالي الناتج المحلي والتي ستؤدّي إلى زيادة تراكمية في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار الثلث على مدار السنوات الخمس القادمة بالمقارنة بالوضع الراهن.
موضّحاً أنه ستصاحب هذه الزيادة نمو كبير في حجم الاستثمارات العامة والخاصة ومعدّلات التوظيف والإنتاجية وكذلك انخفاض في نسب الفقر.
ومن أجل الإسراع بجهود إعادة الإعمار والتعافي في البلاد سيكون من الضروري أيضاً أن تصاحب هذه الزيادة مساعدات من المانحين الخارجيين على نطاق واسع.
وتشهد الأزمة اليمنية حراكاً دبلوماسياً إقليمياً ودولياً لافتاً في مسعى للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار ينهي الحرب التي دخلت عامها التاسع وبدء عملية سياسية جامعة.
وقالت مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن تانيا ميير "مع أن ثمة تفاؤلاً حذراً بشأن التعافي الاقتصادي فإننا يجب أن نظل على دراية واضحة بالحقائق على أرض الواقع لأن المصاعب التي يواجهها الشعب اليمني هائلة" مشيرة إلى أن "التضخم المرتفع وتدنّي جودة الوظائف وعدم استقرار القطاع العام لا تزال تشكّل عقبات كبيرة. وإحلال السلام ضرورة حتمية لتحقيق نمو شامل للجميع، وتعزيز التنمية المستدامة وفوق ذلك كله تحسين ظروف المعيشة للشعب اليمني".
ويركّز التقرير أيضاً على تراجع النشاط الاقتصادي منذ عام 2015 وما خلّفه من آثار على مستوى الأسر اليمنية، إذ شهد معظم السكان هبوطاً حاداً في مستويات معيشتهم. ومن بين العوامل التي أسهمت في ارتفاع تكاليف المعيشة انخفاض قيمة الريال منذ بدء الحرب والمعوقات المادية والقيود التي تحول دون النفاذ إلى الأسواق والتحول في أنماط الإنتاج الزراعي من المحاصيل الغذائية إلى المحاصيل النقدية.
ويشير التحليل المتعمّق للاقتصاد السياسي الوارد في هذا التقرير إلى أن "نظام اللامركزية بحكم الأمر الواقع في اليمن قد يساعد على نمو البلاد في المستقبل".
وثمّة أسباب أخرى تدعو أيضاً للتفاؤل الحذر بشأن التعافي المحتمل حينما يتم التوصّل إلى اتفاق سلام شامل للجميع. ومن هذه الأسباب ما يتميّز به الشعب اليمني من روح العمل الحر لاسيّما بين النساء، والقرب من أسواق الجوار مرتفعة الدخل في دول الخليج، والإمكانات الاقتصادية التي يتمتع بها اليمن من التصنيع الزراعي وإنتاج الصناعات التحويلية الخفيفة وصادراتها وفقاً لما ورد في تقرير البنك الدولي.
ويأتي التقرير في وقت حرج لليمن إذ تواجه البلاد مستقبلاً يكتنفه الغموض ووضعاً اقتصادياً تشوبه درجة عالية من عدم اليقين. كما يقدّم خريطة طريق لإعادة إرساء اقتصاد البلاد على أسس أقوى وتعزيز طموحات الشعب اليمني في تحقيق رخاء متجدد ومستقبل أكثر إشراقاً.