عندما تسير في شوارع عدن اليوم , تجدها مكسوه حزن وخذلان , وتتحسر على حال هذه المدينة المعطاءة والوفيه لرجالاتها , وتزداد حسرة وحزن عندما تصادف مبدع , كان يوما خفيف الظل , يوزع الضحكة بين الناس , وينتزع الحزن والهم والكربة الجاثم على صدورهم , يشحنهم بطاقة من الفرح والبهجة, وينعش روحهم بكم نكته , وجمل طريفة مقطفه من اغانيه  , كمنولوجست  , لمع في خمسينات القرن المنصرم , وصار جزء اصيل من إرث عدن الفلكلوري والغنائي , انه الفنان المونولوج  فؤاد الشريف .
كنت سائرا انا والزميلي النقابي عثمان كاكو , وصادفناه معا وهو يسير ببطء شديد متعثرا مهتز , يرفع قدمه بصعوبة , ويضعها على الأرض بعناية شديدة , ومجرد ما ان شاهدنا اتكأ علينا , والحزن الشديد في وجهه , عاجز قليل الحيلة , سرنا معا نتحدث عن ذلك الزمن الجميل , وهو ينطق بصعوبة بالغة , نحاول ان نرسم في وجهه ابتسامة , ونعيد تكرر عبارات كان يُضحك بها الناس , قلت له (يا محترم عيب البصوص , ومالك كذا تنهف , ياصاحبي الهبار تأكل كما المنشار ) , كانت حالته صعبة لا تتقبل المزاح , تعبر عن واقعنا البائس , وعن مدينة حزينة عاجزه عن الوفاء والعرفان لكبار الفنانين والمبدعين والأدباء والصحفيين والتربويين والشخصيات الاجتماعية , التي تتساقط وتموت اهملا وقهر وظلم .
كم خسرنا ولازلنا نخسر المع الادباء والفنانين , غادرنا الكثير بصمت , ولازال البعض يعاني أيضا بصمت , يتألم في داخله دون أن يصرخ , في مدينة تفقد اخيارها , ولا تقدم لهم غير  بيانات النعي , دون أي محاولات انقاذ واسعاف يذكر لهم وهم في أتعس حالتهم , من المرض والشيخوخة التي نخرت أجسادهم منهكين , يحتاجون لمن يخفف  آلامهم  و أوجاع المرض يواسيهم في ضعفهم وهشاشة الشيخوخة وقلة الحيلة , مدينة تقطف ثمار التهميش والقمع الفكري والنفسي , ويموت فيها الحالمون بالحياة الآمنة و المرفهة والمستقرة التي تعتمد على الكفاءة والثقافة , رحل الكثير ويرحل الاخرون , لا حيلة لعدن غير النعي والبكاء على اطلال زمن جميل يفقد بريقه والمع رجالاته .
لا نحتاج  ان نقول انقذوا فنانا العظيم , ونطلب له الرعاية الصحية , وتخفيف أوجاعه , مراعاة  لمشاعره وإحساسه وتعففه , كم كان غضبه من زميلي عندما قال أنشر الصورة وقول عنها هذا ما تبقى لكم من الزمن الجميل , قال بكل عنفوان وشموخ لاحتاج مواساة احد , حكاية فنان صال وجال في مسارح عدن وصالاتها يوزع الابتسامة , ومثل الوطن خير تمثيل في محافل عربية وعالمية , وقدم الكثير والكثير , ولا يحتاج مننا اليوم غير الوفاء والعرفان لما قدمه للوطن .
الصورة معبر عن الحكاية