عبد الحليم سيف

 
في صباحات  مبتسمة وبهيجة.. -تخفف من لسعات برد صنعاء القارس-. زاهية بالألوان ..فواحة بالجمل الإبداعية ..متألقة بحضور نوعي من اصحاب الذائقة  البصرية..، ازدانت أجنحة مؤسسة التبادل المعرفي " البيسمنت"  الواقعة بالحي السياسي بصنعاء - للفترة الممتدة بين19-14يناير الحالي - بما أفرزته الرئة النقية الثالثة  للفنان المبدع عبد الفتاح أحمد عبد الولي محمد  المشهور ب " عبد الفتاح عبدالولي ..نقشتها ريشته في لحظة.. في أيام من ساعاته السلميانية الملهمة . .واثمرت عن لوحات مبتكرة، جسدت فلسفته التشكيلية في توظيف بديع لفن الكولج  ..، بنحو العشرات من اللوحات.. منها 110 ضمها معرضه التشكيلي الشخصي الثالث.

كُنت بين المتواجدين في ذاك الخميس ..وأعترف بأني ذهبت إلى مقر البيسمنت لتسجيل حضور عابر في فعالية ثقافية لصديق عزيز وفنان كبير ..نبهني لها الصديق عبدالكريم الرازحي عصر الأربعاء ...كنت أطوف حول القاعة ..أراقب بفضول مايجري بين أجنحة المعرض ..حركات الناس، حولت المكان إلى ما يشبه خلية نحل لا تتوقف عن الدوران..يلتقطون بعدسة هواتفهم الذكية صورا تذكارية  مع الفنان الخجول والجميل عبد الفتاح ..وأيضاً مع بعضهم بعضاً ..وذلك على خلفيات اللوحات الملونة والساطعة .. فيما ذهب البعض متنقلا في أروقة القاعة من اليمين  إلى الشمال لاصطياد لوحة بعينها، شدت إعجابه، وبخاصة تلك المستوحاة من البيئة المحلية التي يلتقطها الفنان بحسه الثاقب.. بالفعل كانت القاعة مليئة بمشاهد مفعمة بالتفاعل والحماس..ضاعف من تجلياتها وبهائها نغمات موسيقية على البيانو للعازف الفنان الكبير هشام النعمان ..الذي - كما عرفت - رغم مرضه، حرص على مشاركة صديقه فتاح بتحية، تمثلت بمقطع موسيقي جميل.. وعلى نفس البيانو عزف موسيقان اريتريان مقاطع موسيقية بالحان ضحية..أحسست ساعتها، كما لو أنني أتواجد وسط مهرجان للفرح الفني اليمني..لمقاومة مظاهر الإحباط واليأس والأحزان والاكتئاب.. الناجمة عن ويلات الحرب الملعونة ..!!

                          
                  مهرجان للفرح اللوني

   ألقيت نظرة على وجوه وملامح المتواجدين، بينهم أصدقاء..لفتت انتباهي مشاهد حيوية داخل القاعة، وهي زاخرة بجيل الشباب المتحمس لسماع كل جديد ومفيد، يشده للتعرف عن صفحات مضيئة من ماضي الزمن الجميل الذي لن يتكرر.. أو يقف أمام سير رواد الآباء في مضمار الفنون الغنائية والتشكيلية والمسرحية والأدب والثقافة في شتى الميادين والحقول .

    وفي لحظة كنت جالسا في الصف الأمامي على يمين الصديق العزيز المهندس المشهور عبد الواسع الأدومي.لمتابعة ما يقوله المتحدثون عن الفنان عبد الفتاح وإبداعاته التشكيلية  .. إذا بي أذكر مهنتي كصحافي في جريدة الثورة ..حينما كنت أقوم بتغطية الفعاليات الثقافية والمعارض التشكيلية واللقاءات مع رواد الحركة التشكيلية والفنية اليمنية، فسجلت 
بها تفي ما أمكن  ..وحين عدت إلى بيتي.. كان في رأسي تصورات لكيفية بسط ما خرجت به من معلومات لنقلها لجمهور فاته حضور هذه الفعالية .. فسألت نفسي ..هل أقدمها عبر سلق خبر أو تقرير مختزل من باب المجاملة؟!! في الأخير  أقنعت نفسي بأنني ليس في عجلة من أمري ..فليس هناك من صحيفة ورقية أو إلكترونية، تطلب مني سرعة إعداد المادة وإرسالها  لنشرها ...وليس لدي صفحة على الفيسبوك لتعميم ما شرعت في كتابته بطريقتي وأسلوبي..فإلى جانب إيراد ماتحدث به البعض بالقاعة، حرصت على استبيان رؤية عدد من الشخصيات المهتمة في دنيا الفنون الجميلة.. بما شاهدوه من أعمال إبداعية في معرض الساعة السليمانية لفتاح ... ولم أكتف بذلك  بل وجدت مناسبة  إقامة المعرض  أن أقلب ما لدي من أوراق قديمة.. وهي متعة لامثيل لها عند البعض..مثل الماء والأكسجين.. لها مذاق خاص لا سيما إذا كان "الغوص" لكشف جوانب مهمة من صفحات غير معروفة، تتصل بالمحطة  الأولي من مشوار عبد الفتاح الفني.. لا يعرفها كثيرون..وأعني بذلك تجربته أو مغامرته في مجال فن الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي، حين اقتحم هذا المجال على صفحات جريدة الثورة اليومية دون معرفة لجسامة العمل اليومي وحساسيته..وهذا ماسوف  أتناوله في الجزء الثاني من هذه الحلقة.

       مدرسة فتاح الفنية
 
  قبل القفز على مراحل الزمن، ونصل إلى تخوم  الرسم الكاريكاتور. .، يكون من المناسب التوقف عند لحظة الحدث؛ لنرى كيف بدت اللوحة التشكيلية  للفنان عبد الفتاح عبد الولي
في عيون المهتمين ..وذلك في مايلي من  السطور  . 

المهندس  الفنان التشكيلي ياسين غالب  استهل حديثه بتقديم الفنان فتاح إلى جمهور " البيسمنت  "بقوله.: 

   نلتقي صباح اليوم مع معرض جديد للصديق الفنان والقاص والشاعر  والإنسان القدير عبد الفتاح عبد الولي في أعماله الإبداعية الثرية والمتنوعة..فقد شكل المعرض بلوحاته الفنية المائة والعشر مهرجانا فنيا متناغما، رغم تباينات  مواضيعه، واختلاف تقنياته وخاماته التي تنضح فنا خالصا، وما الرسم والألوان وتقنية تنفيذها، رغم تميزها، كبصمة خاصة بالفنان إلا وسيلة لإبراز هذا الإبداع الفني الآسر، الذي قلما تشاهده على الساحة.

ثم يضيف مخاطبا المتلقي قائلا :

     قد تبهرك العديد من الأعمال الفنية بتقنياتها الأكاديمية العالية.. لكن أعمال. الفنان عبد الفتاح،  هي بحد ذاتها مدرسة فنية...بل أجزم وأقول  إنها بحق ظاهرة فنية مبهرة، و علامة مميزة  في مسار حركة الفن التشكيلي اليمني.وهذا مالمسته  في الساعة السليمانية للصديق عبدالفتاح عبد الولي. 

   ويمضي ياسين غالب ليستدعي صفحة من تاريخ الفن التشكيلي في اليمن : الفنان القدير فتاح، يعتبر امتدادا متواصلا لعطاء ومسيرة  رواد الحركة التشكيلية اليمنية منذ بزوغها منتصف خمسينيات القرن الماضي في مدينة عدن المستعمرة وقتذاك.. ثم لمع نجمها في شمال اليمن بعد قيام.ثورة 26سبتبمر 1962 على يدي الرائدين العظيمين هاشم على عبد الله وعبد الجبار نعمان رحمة الله تغشاهما .

وختم حديثه بالإشارة إلى أن الفنان عبد الفتاح يعد ملهما لجيل الشباب من خلال تبنيه، وتشجيعه لكل فنان تشكيلي يمني .

رسالة تحية ووفاء

    وهذا التميز الجميل للفنان عبد الفتاح، باعتباره ملهما للآخرين، هو ما جسدته الفنانة التشكيلية منال سيف عبر رسالة وجهتها للفنان نبيل قاسم الذي قرأ فحواها، حيث تضمنت حروفا دافئة وصادقة بليغة، مليئة بصور الوفاء والعرفان،  ومشاعر الاعتزاز تجاه الفنان فتاح .
مما جاء فيها: 

  كنت أحب أكون معكم..لكني سأشارك عن بعد..معرفش أقول كلام معبر
 ..فقط إنني أحب قلبه جدا وابتسامته..(تقصد عبد الفتاح) ..تصدق هو كان أكثر المتحمسين للوحاتي يوم المعرض..يسألني عن كل عمل..يقول لي ويشرح لي طرق لعب لأجربها..كل ذلك بكل صدق ومحبة.

إلى أن تقول منال سيف كان - عبد الفتاح- مهتما بفرح..
حتى يديه كانت تشرحان معه، وهو يريني كيف ألعب بالألوان.

وفي جملة أخرى تطلب منال من نبيل أن ينقل لفتاح إعجابها بأعماله: قل له لوحته الأخيرة تشبهه..قل له: يا عبد الفتاح عبد الولي أنا وأنت نتشارك تعلقنا بالأرض، قلت لي يوما: "أصوات الناس تشبه بعض الحيوانات والطيور". ففي حين أبحث عن تفاصيل الأرض في الكائنات الصغيرة حولي،تجدها أنت وبكل خفة مطلقة في كل شيء يحيط بك.
وتعيد الفنانة منال سيف إلى الأذهان  ما كتبته فتقول: في منشور ما ، كنت قد سألت الأصدقاء عما إذا رغبوا بأن يكونوا جزءا من الطبيعة..وكان جوابك: " أنا أحب الزهور، بس بأكون فراشة..
كنت أرى وبوضوح تنقلاتك الخفيفة بين أعمالي المعروضة، بنظرتك المسالمة، وابتسامتك الثابتة، وكم هائل من المحبة،كنت تلك الفراشة.

 إنه مُلهمنا الكبير

وتواصلا لما عبرت عنه الفنانة منال سيف تجاه عبد الفتاح وعنايته واهتمامه بإبداع الآخرين، وحبه الأبوي لهم..وهو ما أكدته  شيماءجمال  مدير البيسمنت، حين قالت : الأستاذ عبد الفتاح يتفاعل بشكل غير عادي مع كل فعالية ثقافية تقيمها مؤسسة البيسمنت....وعلى وجه الخصوص معارض الفنون التشكيلية للشباب، حيث أجده في كل مرة يسألني عن شخصية الفنان.. ويتعرف عليه، ويتحدث معه بتواضع  وبأسلوب جذاب ورقيق..يبدي ملاحظاته إن وجدت..يحفز الشباب على مواصلة الرسم التشكيلي، وشق طريقهم بثقة واقتدار دون التفات إلى المنغصات ..
والمحبطات... وقالت :ولعل أجمل ما في المعرض الثالث اليوم..تقول شيماء جمال هو أننا سمعنا صوت أستاذنا  القدير وعمنا الجليل عبد الفتاح عبد الولي  يتحدث عن نفسه بعد طول صمت ..فلطالما طلبنا منه ذلك في خضم المعرضين السابقين له ..إلا أننا فشلنا..عرض لنا اليوم صفحة قصيرة، تتعلق ببداية ارتباطه بالرسم.

شخبطات المعلامة

وكان الفنان عبد الفتاح الولي ..قد تحدث بايحاز عن قصته بالرسم .. وهو يسترجع بداية ظروف وملابسات ما وصفها بخربشاته على لوح المعلامة عندما كان  طفلا ..فيقول:

عندما كنت طفلًا في السابعة اخذتني أمي  إلى معلمة الفقيه علي جازم في القرية..واوصته خيرا بي قالت له علمه وخذ الجلد الأول من جسمه في اشارة إلى أسلوب التربية والتعليم السائد في اليمن . 
    
   كنا نتلقى تعليمنا على حفظ القرآن والكتابة على الواح ملساء ..ونستخدم مادة  من القطاط (البحاح)تمحي ما كتبناه بالقلم اليرع الممزوج بالمداد ..طبعا بعد أن عَلّمنا من كان أكبر منا في كيفية تحضير المداد البلدي من مادة (العبلي) الصبار والحطام.

   كان الفقيه على جازم رحمه الله وطيب ثراه  يكتب لنا على وجه اللوح الآيات القرآنية التي يجب علينا قرأتها وحفظها..ونمحيها في كل مرة لنكتب ما هو جديد علينا تَعَلمه. وكنت استغل الوجه الابيض للوح وترسم فيه شخبطاتي.

و قبل أن يستطرد متابعا حديثه الشيق.. يبتسم الفنان عبد الفتاح وهو يسترجع ماتعرض له من ابتزاز من قبل زميل له في المعلامة..أو حادثة طريفة عرضته للخوف من عقاب الفقية فقال :
 يحدث ذات يوم أن رأني أحد زملائي في المعلامة وأنا أقوم بممارسة هويتي كالعادة..فوجئت به يقول لي سوف يشتكي بي عند الفقيه بأنني أرسم على اللوح.شياطين.ساعتها ارتعدت فرائصي خوفا من عصا الفقية الغليظة التي لاترحم في زمننا ويعرفها أبناء جيلي وكل من بدا حياته التعليم الأولى  بالمعلامة.
ترجيت صاحبي الا يخبر الفقيه..فقال لي : " إيش بتجيب لي" ..قلت له: باشقي لك سُكّر أحمر  و بالفعل وفيت بوعدي.. إلا أن صاحبي ذاك لم يكف من أذيته لي .. فظل يراقبني ويهددني..وأنا أواصل الشخبطة عصرا واشطبها من خلفية اللوح في اغلب الأحيان حتى لا يراها الفقيه وينزل بي العقاب الصارم...لكن يحدث أن نفذ صاحبي تهديده لي وأوشى بي عند الفقيه الذي استدعانا معا وحين مثلنا بين يدايه قال لي :" وريني ماذا ترسم خلف اللوح.."وعندما رأى مافيه لفت نحو صاحبي ضاحكا وصاح : "هذه خرابش دجاج..." ثم وجه كلامه لنا وهو يلوح بالعصا : "لا أريد أن أسمع مرة ثانية مثل هذا الكلام.."..هذه الحادثة لم ولن أنساها.. بعد حين كنت كلما التقيت بالفقيه أثناء تواجدي بالقرية كان يذكرني بها وهو يوضح لي ما كنت اجهله..ويقول لي : كيف صاحبي يفتن بي وهو يعلم أن أهله يشتغلون بالتصوير في عدن في حين ان البعض أيام الإمام يحيي  في الشمال يراه حراما مثل الرسم .

فتوقفت بالفعل عن مواصلة الشخبطات في المعلامة..- يكمل فتاح حديثه - وكان على  أبحث عن وسيلة أخرى ثابتة  تنقذني من ابتزاز زميلي المؤذي...وتكون اللوحة ثابتة وجميلة أحفظ ما اشخبط على جسمها...وكانت تلك الوسيلة المريحة هي باب حمام الدار..مع الأيام طلعت التشكيلة جميلة  فقد اشبعت جزءا من هوايتي...ويحدث أنني انتقلت إلى عدن للدراسة..وعندما عدت الى القرية.. وأول ما فعلته كان الذهاب لزيارة لوحاتي المنقوشة على باب حمام البيت.. ووجدت انها قد امتسحت لأن المداد البلدي غير فعال ليحفظ الخط الابواب ويمتحي مع الزمن ..ساعتها شعرت بالحسرة والحزن والألم  لأني فقدت ما كنت أعبر فيه عن مشاعري الطفولية.هكذا كانت بداية علاقتي مع الرسم أي من المعلامة. 
 
  ثم يتحول الفنان عبدالفتاح للحديث عن قصة الكم الكبير للوحاته المعروضة فيقول: 

  هذا المعرض المقام حاليا في هذه القاعة وكما ترون لوحاته .يمكن اعتباره  كشخابيط لستجر بها الحنين لشخابيط البداية في زمن الطفولة والتي انمحت من لوح المعلامة وباب حمام البيت ..انجزت هذه اللوحات في الفترة التي كنت أخزن القات ..وعندما كانت تحل الساعة السليمانية أنزل ابدأ بممارس هوايتي في الرسم أي الشخبطة واتركها متراكمة لوحة بعد أخرى واحتفظ بهالداخل شنطة كبيرة.. واحتفظ بها في زاوية البدروم مع كتبي المتناثرة..ويحدث في ديسمبر  الماضي (2020) قررت الزوجة أن تقوم بحملة لتنظيف البدروم الذي هجرته بعد انقطاعي عن عادة تخزين القات...و فوجئت بالزوجة تخبرني بأنها عثرت على كنز ثمين موجود في شنطة...وبالفعل كانت هدية كبيرة ومفرحة بالنسبة لي..كنت قد نسيتها مع مرور الزمن وضعف الذاكرة ..وعلى الفور اتصلت هاتفيا بالاصدقاء ياسين غالب و نبيل قاسم و شيماء جمال.. أخبرتهم بأني عثرت على كنز يتمثل بكم كبير من اللوحات الفنية معظمها غير معروضة سابقا...فعلى الفور تحمسوا واقترحوا على أن اسلمهم الشنطة بما فيها وهم سيقومون بتنسيقها لتكون  مادة المعرض وهو الثالث من نوعه في مؤسسة البسمنت .

                     فتاح لايشبه أحدا

أعود من جديد لعرض إجابات أصدقاء زاروا المعرض التشكيلي، وتوقفوا أمام لوحاته المتنوعة...وذلك ردا على سؤال لي، عما لفت انتباههم في معرض الفنان عبد الفتاح

الكاتب الساخر والشاعر الكبير عبد الكريم الرازحي..ماذا قال عن معرض فتاح حين طلبت منه ذلك :
في معرضه الأخير أثبت  عبد الفتاح عبد الولي أنه فنان كبير، له خصوصيته وفرادته وتميزه.. وهو لا يحيلك إلى مدرسة بعينها.. ولا إلى فنان بذاته ..ولايشبه أحدا.. أنه يشبه نفسه.. وجميع لوحاته ال 110 نابعة من ذاته، و تختزل مسيرة حياته.

البساطة المبدعة

    المهندس محمد قاسم الحمادي يقول :  الفنان عبد الفتاح أحمد عبد الولي..متعدد المواهب.. فهو شاعر مع كبار الشعراء..وتجده مع كتاب القصة في المقدمة..و مع الفنانين التشكليين أشاهده في قمة الخلق والإبداع.. في مجمل لوحاته الفنية في هذا المعرض، تشعر وكأنك  أمام كتاب ضخم زاهي الألوان زاخر بالمعاني ..كلها تفتح الابتسامة، وتغني للحياة والسلام.. كما أن أعماله تعد حافزا  لجيل الشباب من الرسامين، وذلك في زمن للأسف غابت التربية الفنية من المدارس..ولعل في إقامة مثل هذه المعارض للرواد بين حين وآخر، تعد وسيلة جاذبة للشباب .ويعتبر الصديق عبد الفتاح واحدا من القلائل الذين لايبخلون في الدفع بالرسامين الجدد...وهو  شخص رائع..خجول ..لكنه خلف هذه القيم تختبي جوهرة إنسانية نبيلة ..غاية في الوداعة والود.

 فنان عبقري مٔبهر

أما المهندس عبد الواسع الأدومي فقد أجاب قائلا:

يمكن أن يقال الكثير عن الفنان العبقري  الأخ عبدالفتاح عبد الولي..لا أقول ذلك مبالغة.. ولكن إذا ماعدنا إلى ماحكاه حين كان طفلا في معلامة القرية، وهو يخصص واجهة اللوح لكتابة الآيات القرآنية..ويستغل الواجهة الأخرى للوح لرسم ما يعبر عن فطرته ومشاعره الطفولية، أيا كان فهم المتلقي، الذي هو زميله ونظرته لرسوماته على أنها بدعة أو شخابيط .
فعبد الفتاح في كل رسوماته، يبقى متميزا وثريا.. فمثلا عندما تشاهد لوحاته  الفنية، تجده يحاكي الكون.. ويحاكي الإنسان والبشر.. ويحاكي الطير.. وتشعر باندهاش عجيب، وأنت تتأمل لوحاته  الجميلة في المعرض، حيث تلاحظ  على بعض رسوماته وقد كتب بخط المسند.وفي بعضها الآخر، تظهر كتابات صغيرة.. هنا تستشف مدى قدرته على خلق لوحات جميلة ناطقة ..وكأنه يناقش مضمونها مع  المتلقى .

و ثمة علامة مائزة في أعمال فتاح بخاصية اخرى،  فتراه يرسم بحرفية .... الماء كولاج . وزيتي على الورق كولج..وهذا فن يحتاج إلى خبرة وموهبة غير عادية..وحينما تنظر  بعمق إلى تلك اللوحات..تحس أنك  بحق تقف أمام فنان عالمي متوهج.. وأنا لا أقول ذلك من باب المجاملة..بل قولي هذا يؤكده  المتمرسون وخبراء الفنون التشكيلية وسواهم ممن تناولوا أعماله المتنوعة، فننبهر بما يقولونه عنه وفي وصف إنتاجه .. ونفس الانطباع - والحديث هنا مازال للمهندس القدير عبد الواسع الأدومي-  عندما تتحدث أنت مع الفنان فتاح تحس ببسمته وهدوئه وغزارة ثقافته، وكأنه شاب صادق وطفل صغير ..وبراءة الطفولة، تخرج من بين شفتيه ومن عيونه .

ويختم المهندس الأدومي اجاباته.بقوله : أعود إلى ما بدأته فأشير إلى أن الموهبة الفذة لعبد الفتاح عبد الولي لم تتركز على الفن التشكيلي فقط.. فهو شاعر مجيد، وقد غنى له الفنان الكبير عبد الباسط   العبسي اغنيةجميلة ..وهو كاتب قصة، وله نحو مجموعتين قصصيتين .   .

غابة المشاعر والأحاسيس

في لوحات الفنان عبد الفتاح عبد الولي نجدنا دائما أمام غابة من التفاصيل - بهذه الكلمات استهل الفنان نبيل قاسم حديثه عن معرض عبد الفتاح -. فهناك فضاء مترابط مع عدة فضاءات أخرى، حركة الكائنات نستطيع ملاحظتها، من خلال تنقلات العين، فهناك الطائر.. وهناك محطة لهذا الطائر.. وهناك مسار.. وهناك أثر يتركه.. هذا في إحدى اللوحات على سبيل المثال. 

ويستكمل الفنان نبيل قاسم قراءته لجوهر مضمونات اللوحات فيقول: في اللوحة الواحدة تفاصيل كثيرة مصغرة، تعطيك الانطباع بأن الفنان نحتها بانهماك تام.. وكلما انتهيت من قراءة اللوحة، تعود للربط بين الأجزاء التي أشرت إليها بشكل انفرادي.. كل لوحة هي حوار بين نظرات مسافرة في الخوف..نظرات ناقصة.. إما بعين واحدة.. أو بعين حائرة.. أو بنظرة أسطورية الملامح.. أستطيع القول إن كل لوحة، هي عالم مكتمل مشبع بالخيال الشعبي والخيال الأسطوري، ومعبر عنه ببساطة الفنان.. تلك البساطة التي لا تخلو من العمق الثقافي.

#إلى اللقاء مع كاريكاتير" أبو وضاح "الرسام عبد الفتاح عبد الولي.