صدرت ( الشرارة) مسائية سنة 1970. وعين صالح الدحان "1941_ 2012 " الصحافي المخضرم رئيسا لتحريرها ،كان مكتب الصحيفة في نفس مقر مؤسسة 14 اكتوبر في كريتر وتطبع في مطابعها ، ورغم انها جريدة حكومية مثلها مثل شقيقتها 14اكتوبر التي تسبقها في الميلاد والصدور. (صدرت في 19 يناير 1968) الاانهااتخذت اسلوبا خاصا بها ولااقول سياسة مختلفة .
  كانت اول صحيفة مسائية تصدرفي تاريخ عدن الذي يعود صدور اول جريدة فيها ( فتاة الجزيرة) إلى سنة 1940 علىيد المحامي العدني محمد علي لقمان ، رائد التنوير  .
  لم يكن صالح الدحان غريباعن عالم الصحافة..
 نشر اول مقال له في النهضة العدنية سنة 1956م كما اخذينشر مقالاته في الصحف العدنية : اليقظة ، الرقيب ، البعث ،الكفاح ، الفجر ، القات ، الأيام ، القلم العدني ، الأحد ، والآداب اللبنانيتين ، والقاهرة المصرية .
  كان هذا زمن عدن الجميل ، حيث كانت تصدر نحو 60 صحيفة ومجلة يستطيع ان يوزع كتاباته انى شاء ، اما الآن فلم تكن في عدن غير صحيفتين يوميتين يتيمتين هو رئيس تحرير إحداها .
  جاء الدحان إلى الشرارة من عالم القصة فقد نشر مجموعته القصصية القصيرة ( انت شيوعي ) سنه 1957في عدن .وله إصدارات اخرى ايضا .. 
صدور صحيفة مسائية في عدن كان حدثا غير مسبوق ومجازفة غير محسوبة، النهج الساخر والناقد الذي اتبعته، جرأة تحسب بالدرجة الأولى لرئيس تحريرها صالح الدحان ،كان هناك بون شاسع بين نظرته لدور الصحافة والصحفي ، وبين ماتريده الحكومة منه كرئيس لتحرير صحيفة هي مالكتها وتدفع اجوره واجور محرريه وكلفة طباعتها ..لهذا كان الصدام بينهما متوقعا وحتميا ..إنما مسألة وقت ليس إلا.... 
  حققت الشرارة نجاحا سريعا في السوق وإقبالا من القراء خلال وقت قصير ، يترقبونها بفارغ الصبر ويتخطفون نسخها فور صدورها .
  الأسلوب الساخر والنقد الذي مارسته للعديد من الأوضاع والظواهر السلبية   من اسباب نجاحها السريع إن لم يكن هو السبب الرئيس ..
الناس تحب ان تجدصوتا تحس انه يعبر عنها وينتقد السلبيات والحكومة وينفس عما تشعر به.وايضا السبب وراءإغلاقها !!
    صديقي صالح الدحان يتمتع بحس ساخر ، وبقلم رشيق،واسلوب لاذع ..      مدرسة صحفية مختلفة عما عهدته الصحافة في عدن . 
 يصفه زميله وزميلي الكاتب والصحفي فضل النقيب بانه " قلم لايتكرر ولايقلد ، يكتب بمداد مشاعره " ماركة مسجلة " ، شديد الإحساس بقارئه يرفه عنه بالطرفة اللاذعة والمعلومة الطازجةوتلك اللغة التي تتبختر كالطاووس بالوانها الفاتنة ثم لاتلبث ان تحلق كالصقر مثيرة الفزع في اوساط الكتاب الذين ينقرون كالدجاج حبوبا قديمة واخيلة سقيمة " 
   وليس الكتاب فقط من يثير فزعهم الدحان بل السياسيين الذين لايتورع عن نقدهم ..وهو ليس ولعابالكتابة الانيقة بل وراء هذا موهبة وثقافة ، ولامهووسا بالنقد الساخر بل انه يجد في سخريته الناقدة مضمونا حيويا يسهم به في عملية التغيير من خلال الصدمة - الفزع التي يحدثها .. 

  بذكائه وحسه الصحافي الذي لايخطىء اختار الدحان فريق عمل الشرارة من بين طاقم تحرير صحيفة 14 اكتوبر ، من محمد البيحي مديرا للتحرير ، والعبد لله سكرتيرا للتحرير ، وعدد محدود من الصحافيين الشباب الموهوبين الذين اختارهم الدحان بعناية . عملت معه في الشرارة فوجدت العمل معه ممتعا ، وتعلمت منه ، وحظيت بالكتابة معه مرة اخرى في صحيفته الساخرة "البورزان " التي أصدرها في صنعاء سنة 1990 بزاوية اسبوعية بعنوان ( قل كلمتك واجر ) ولم يكن سوى الدحان قادرا على النفخ في بورزانه للتنبيه إلى مالا يراه الآخرون !
                            (2)

   كان صالح الدحان رئيس تحرير الشرارة ومستشارا لوزير الاعلام والثقافةعبد الله الخامري في نفس الوقت ، وكان يسخرمن كونه مستشارا لايستشار ! وهوحال معظم المستشارين في الوطن العربي وفي اليمن خاصة .اوكما اسمهيم ( المستشالين ) إن لم يكن كلهم ..لكن ليس صالح الدحان من يرضيه مثل هذا .. فكان يتصل بالوزير من مكتبه في الجريدة ويقول له على طريقته الساخرة :
 - إستشارة لله ياخامري ! 
   ولم يكن يوفر الوزير من نقده اللاذع .
في إحدىالمرات نشر قائمة. بلمبوسات الوزير :  القميص ،الساعة ، الخاتم ،الحذاء
 ، النظارة وكلها ماركات عالمية مشهورة ، والمقصود واضح ولايحتاج إلى تفسير ! 
 وكان هذا يسبب الصداع للوزير وربما يجعله مادة لندرة زملائه في الحكومة التي لم يكن اهتمامها يتعدى حدود العاصمة عدن من وجهة نظر الدحان داعيا إياها ان تنظر إلى ( ابعد من دار سعد ) وهو العنوان الذي كانت تتبناه الشرارة كسياسة لنقد الظواهر السلبية .

                              (3)
 
   خلال الفترة التي صدرت فيها الشرارة كان سالم زين محمد ، هو رئيس تحرير صحيفة 14 اكتوبر شبه الرسمية ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الصحفية التي تحمل كلتاهما إسم ثورة الرابع عشر من اكتوبر ، والمدير العام لها ، ليس لأنه اراد الجمع بين المناصب ، بل لأن قانون تأسيس المؤسسة ينص عليه . وقدجاء خلفا للمؤسس الأول عبد الباري قاسم الذي عين سفيرا في الصومال بعد خروجه من الحكومة التي كان يشغل فيها منصب وزير الثقافة والإعلام عقب الإطاحة بالرئيس قحطان وحكومة فيصل الشعبي . 
في حالات قليلة تم الفصل بين المناصب الثلاث ، وكان ذلك عندما عين الفني محمد جامع ،رئيسا لمجلس الإدارة والمدير العام واسند منصب رثيس التحرير إلى سالم عمر حسين ، لكن سرعان ماتم الجمع بينها كلها في ادارة عوض الحمزة محمد ، واحمد سالم الحنكي ، ومحمد حسين محمد ، و
ومحمد. علي سعد  ، واحمد محمد الحبيشي ، ونادرة عبد القدوس ، ونجيب مقبل .    
 ينتمي سالم زين محمد إلى الرعيل الأول المؤسس للجبهة القومية ، واحد الذين صاغوا ميثاقها الوطني ، غضبت عليه   قيادة الجبهةباعتباره ممن وقعوا على قرار دمج الجبهة القومية بمنظمة التحرير في الإسكندرية بدون علم اوموافقة القيادة ، لذلك تم تجميد وضعه إلى جانب آخرين منهم علي السلامي وطه مقبل ، لم يعرفوا التنصل من توقيعهم كما فعل عبد الفتاح اسماعيل ، فبقيوا في مصر مبعدين بينما اصبح عبد الفتاح امينا عاما وعضو مجلس رئاسة . ولم يعودوا إلى عدن الا بعد الإطاحة بالرئيس قحطان الشعبي ومجيء قيادة جديدة عقب حركة 22يونيو ، وتم تعيينه في منصبه هذا على راس المؤسسة الصحفية الكبيرة الوحيدة والصحيفة شبه الرسمية لكن لم يعيدوا له وضعه في القيادة . 
   اتبع سالم زين اسلوبا إداريا صارما إلى حدما فيما يخص إدارة عمل المؤسسة الاداري والمالي ، واسلوبا حذرا فيما يتعلق بالجريدة .. ماينشر فيها ومالاينشر .    بعكس هامش النقد الذي كانت تتمتع به الشرارة المسائية بفضل رئيس تحريرها صالح الدحان الذي كان نمطا مختلفا . 
 كان سالم زين يلازم الحذر ، وهو حذر لازمه منذ كان مدرسا في معهد البيحاني في كريتر قبل الاستقلال ، وفي نفس الوقت قائدا في الجبهة القومية التي كانت تخوض الكفاح المسلح ضد الانجليز ، وزاد من حذره ماتعرض له من غبن واضطهاد رفاقه في الثورة والآن حتى بعد ان عاد إلى عدن لم يفارقه الحذر..فكان يحسب حساب كل خطوة يخطوها ، ويحرص الا يقع في اي خطأ قد يتخذ منه الرفاق ذريعة لفتح الدفاتر القديمة والجديدة .
  وبلغ من حذره انه كان يمر في المساء على المطبعة يتصفح عناوين ومانشيتات الصحيفة والمقالات والمواضيع التي ستنشر في اليوم التالي حتى يطمئن انها لاتحتوي على مايزعج  ! وكثيرا مااصدر اوامره للعمال إلغاء بعض الأعداد التي قد طبعت رغم كلفة ذلك المالية .
  سالم زين كان سياسيا ولم يكن صحافيا مثل الدحان . ربما كان كاتبا سياسيا. والسياسي يختلف عن الصحافي . الصحفي يبحث عن حرية التعبير ، ويجد في النقد وحرية الكلمة ساحته لممارسة تأثيره في المجتمع والمساهمة في عملية التغيير او على الاقل الحض عليها ..وليس بالضرورة ان يكون معارضا  ..اما السياسي خاصة في موقع الاداري ، فان حساباته تكون مختلفة ، خاصة لرجل بحذر سالم زين، فكان لابد ان يصطدم السياسي والصحافي في مرحلة ما .. وقد حدث هذا اكثر من مرة.
كان سالم زين يرى انه مسؤول إلى حدما على صحيفة الشرارة طالما يدفع مرتبات طاقمها ويعدون إداريا ضمن الهيكل الإداري والمالي للمؤسسة التي هو رئيسها ومديرها العام ، لكن من ناحية اخرى لايملك حق توجيه سياسة التحرير فيها ، ولا سلطة له على رئيس تحريرها . 
  كان سالم زين من ناحية اخرى اخبر باصحابه في هرم السلطة ، ويعرف انهم لايتقبلون النقد ، وقد عانى شخصيا من مرارة النبذ لسنوات لمجرد انه كان احد الموقعين على قرار الدمج في 13 يناير 1966لهذا كان يسلك طريق الحذر حتى لايتورط في امر تكون عواقبه وخيمة  
..  سيكون السجن وربما القتل مصيره طالما هوفي متناولهم ويسهل اعتقاله في اي لحظة . وبلغ من حذره انه دبر لنفسه طريقة ذكية للهروب والعودة إلى القاهرة دون ان يثير الشك او الشبهات . 
                              (4)

 تناهى إلى علمه ان الحكومة بصدد تدبير سلسلة إعتقالات ، واوعزله حذره المعروف ان اسمه قد يكون من بينها ..اتفق مع صديقه السفير المصري سمير عباس في عدن ان يوعز للكاتب يوسف السباعي وكان يومها وزيرا للثقافة في مصر دعوته  إلى القاهرة ، لحضور مؤتمر كان يعقد هناك ،وهكذاسافر بمعرفة الحكومة واجهزتها الأمنية دون ان يساورهم أدنى شك انه سينضم هذه المرة إلى قائمة ( ذهب ولم يعد ! ) 
 علق على هربه فيما بعد لمن التقاهم على طريقة اللحوج الساخرة : 
  احسن يقولوا إبن ..... فر ولا مسكين انزقر ! " .
  اما صالح الدحان وشرارته المسائية التي جعل شعارا لها داخل الترويسة " ومعظم النار من مستصغر الشرر " فقد اغلقتها الحكومة خشية ان تحرق السهل كله ! بعد ان ضاقت بسخريته ونقدها الذي لم تستطع تحمله لوقت طويل . بعد سنوات قليلة سيتولى الخائفون من الكلمة السهل بايديهم المرتعشة ! 
   وعادت 14 اكتوبر كما ارادت الجهات الرسمية الصحيفة اليومية الوحيدة ، كان صدور الشرارة في الزمان والمكان غير المناسبين لهذا انتهى وجودها سريعا رغم ماحققته من نجاح في وقت قصير . 
   كان الدحان القادم من الصين الشعبية حيث عمل لخمس سنوات في الترجمة  ومحررا للنسخة العربية من مجلة الصين المصورةومراسلا من بكين لصحيفة النهار ومجلة الاداب اللبنانيتين  يردد مقولة الزعيم الصيني ما وتسي تونغ الذي ترجم بعض اعماله إلى العربية والانجليزية :" دع مائة زهرة تتفتح " لكن مناخ عدن في تلك الايام لم يكن يتحمل سوى زهرة اونجمة وحيدة حمراء في سماء عدن .
 كانت القيادة تريد ان تجعل من 14اكتوبر (برافدا)الروسية لايعبر المواطن عن رأيه فيما يجري الابعد ان يطلع على ماقالته  .. لم تكن تقبل بالتنويعات اوالتنوع حتى في إطار الحزب الواحد ، لهدا كان ( ربيع ) عدن الدائم حمام دم ! نجا منه السياسي سالم زين بسبب حذره وهروبه ..ونجا منه الصحافي صالح الدحان لأنه ليس من (الدائرة) المطلوبة !
   لم يكن سالم زين الوحيد الذي فر بنفس الطريقة .. سافر كل من فضل النقيب ومحمود الحاج الصحفيان في 14 اكتوبر إلى العراق لحضور مهرجان شعري برفقة الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة . وفي حين عاد ، فان النقيب والحاج بقيا في بغداد . 
   حين. عاد سئل الجرادة : 
 - اين صاحباك ؟
  اجاب بطريقته الساخرة : 
 - التقدميون تقدموا والرجعي رجع !