منذ بدء التاريخ مَلأ عدن الفجاج من كل أرجاء العالم، من الشرق والغرب، ومن الداخل الجنوبي والشمالي، وهي المناطق التي يسميها المؤرخ "الحِجري" وقبله سماها المؤرخ "الهمداني": نـَواحي عدن .. 

قال المؤرخ العدني "عبدالله محيرز" :
" من دخل عدن احتوته" .. واحتواء الشيئ هو الاحتضان .. 

وقال عبدالله نعمان، شعرا غناه أيوب: 
" قالوا عدن شَلـَّت نفر" أي غيَّبته عن موطنه وطاب له المكان فاستقر ..
  
كان هذا حال عدن على مر الزمان حتى في مَسرد رحلة "ابن بطوطة" التاريخية حين طاف بعدن ووجد أسواقها تكتض بالتجارالآسيويين والافريقيين المتوطنين في عدن، بمعنى اتخذوها وطناً .. 

أعرِف الفقيد "جميل شينة" صاحب المطعم الصيني في المعلا رحمة الله عليه، هو (صيني الوالدين والأجداد من البر الصيني) من يستطيع أن ينكر عليه عدنيته وعاداته ولباسه ولهجته بكل ما ترسخت مفرداتها العدنية فيه .. فقد عاش في عدن ومات ودُفن فيها .. 

وشخص آخَرٌ عمل في "مصافي عدن" تراه جاثما بجوار منزله مؤتزرا الفوطة والكمر العدني ومُمسِدا شعره الأسود الخفيف إلى الخلف  تتخلله تكشُّفات صَلع، ليست له أية لغة يتحدث بها إلا اللكنة العدنية، هل تصدقون إنه (إيطالي الوالدين أباً عن جد .. وربما تكون الممثلة الايطالية الشهيرة صوفيا لورين، بنت عمه)، صارَ عدنيا 100% لايخالطه شك في ذلك .. 

وهكذا كان شأن فُرْس الهند ومِنهم فضل عباس علي العجمي (بيت العجمي) في كريتر - عدن، وهو رائد المسرح الغنائي العربي في عدن (أخرج أول مسرحية غنائية " بإسم شهداء الغرام، روميو و جولييت" المعرَّبة عن ROMEO AND JULIETTE لِـ "شيكسبير", ومـَثـَّل دور "جولييت" وهو الدور الذي رفضه فنان عدني إسمه "علي عوض الجراش"، فاضطلع به فضل عباس العجمي نفسه .. 

وكان والد "جولييت" في المسرحية هو "كابولييت"، الذي اضطلع بدوره الشيخ مسعود عوض ( العدني المنحدر من الضالع ) ..

والفنان المسرحي "سعيد سالم" الذي اضطلع بأدوار الملوك في مسارح عدن (1938 -1951)؟ أنه سعيد سالم اليافعي ( العدني _ المنحدر من يافع )، وهو والد الصحفي المرحوم "عصام سعيد سالم"، والمعلق الرياضي المعروف "محمد سعيد سالم" .. 

أما علي وأحمد عوض الجراش وحتى "محمد الماس" وإبنه ابراهيم الماس فَهُم ينحدرون من مناطق الشمال، ومن قبلهم الممثل المسرحي العدني الذي لا يغادر "التمبل" فمِهِ حتى وهو عجوز " حسين بن حسين الضوراني، وهو من آنٍس في الشمال ! .. 

هل تدرون من هو "علي قاسم" و "اسماعيل لامبو" ؟.. إنهما عدنيان ينحدران من (الهند) أباً عن جد ولا يجيدان الهندية، وهما من شغلا المسرح بأدائهما البارع .. 

بل قولوا لي من الذي اضطلع ببطولة  مسرحية "عنتر بن شداد" شعرا وغناءً وتمثيلا، والتي أحدثت ضجة هائلة اهتزت لها كل أرجاء عدن عام 1940م؟، أنه الحدَّاد الهندي الذي إمتلك مِحدادة في الشيخ عثمان، إسمه (عبدالعزيز لالو) وقام بتمثيل دور "عبلة" أمامه الممثل "أحمد نعمان علي" (العدني _ المنحدر من  ذبحان) ومعه علي الدبعي الذي اضطلع بدور "مُسيكة" زوجة مقري الوحش، وهو (عدني من دُبع)، والكوميديان علي فارع وأخوه  وهما عدنيان من مدينة الشيخ عثمان  .. 

 ولا ننسى حبيبنا المسافر من ضفاف النيل إلى وادي تُبن الفنان "اسكندر ثابت" الذي يمتد نسبه الى جِده التركي، وهو صانع مسرحية يوسف الصديق التي أحدثت ضجة عظيمة في مساجد عدن قبل ان يبدأ المصريون أو الايرانيون في عرض هذا الدور الجريء، وقد أخرجها قاضي الشيخ عثمان القاضي "عوض أحمد شرف"، (بالمناسبة اتدرون أن كبار أدباء مصر ينحدرون من أصول تركية: يحي حقِّي، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، وغيرهم ..) 

ثم  من هو حبيبنا "حامد جامع" العدني أكثر من كُل العدانية وهو الصومالي .. بل من هو حبيبنا الفنان "محمد مرشد ناجي"؟ وهو عدني - صومالي، والذي لا زلنا نردد أغانية الرائعة حتى يومنا هذا، مثل أغنية "هي وقفة" و "لقاء" و"يا حبيبي اي عيدٍ أي سعدِِ .. سوف تبقى هذه الليلة عندي .. عندنا ورد حكى رقَّة خدِّ .. وفراشٌ ناعمُ المخمل وردي" ..

ولنتوقف عند عَلَمنا الأديب والسياسي "مِسواط"، وهو الهامة التعليمية السامقة و"شابوك مارو" الصحافة العدنية .. 

إنصهر الكل، من الداخل ومن جاؤا من وراء البحار في بَوتقةِ عدن وتَشكل منهم المجتمع الإنساني النموذجي في الجزيرة العربية والعالم، هذا المجتمع الكوزموبوليتاني، مجتمع المواطَنة العالمية ..