"رفض التخلي عن نسيجه خشية ان يرتكب الخطيئة الأولى فيضطرب الموج ، ولم يكن هناك جنة حتى يطفق عليه من ورقهاويواري سوأته.. كانت الأجساد قد خلعت ثوب الستر ، وانصاعت لمذهب الطبيعة ..وحده العيون تسلط اشعتها عليه باستغراب وكأنه هبط على كوكبهم من كوكب الأنسجة ! "..
  تلك لم تكن سوى النهاية .. 
 لكن لكل شيء بداية ..ودائما توجد مرة أولى ..
  زرت المانيا مرتين ...
 الأولى ، زيارة صحفية صيف 1974 بدعوة من المركز الاعلامي بوزارة الخارجية الالمانية.
 الثانية، دورة تدريبية في معهد الدولة للعلاقات الدبلوماسية 1981 بموجب برنامج التعاون بين الخارجية الالمانية الشرقية وخارجية اليمن الديمقراطية.. ولكل ظروفها ، ذكرياتها ، ومتعتها ،لكني دائما اعتبر الزيارة الأولى هي الأجمل والأروع ..
تعطيك شعورا بالدهشة..إكتشاف ، ورؤية مالم تره من قبل .اوتتوقعه ،رغم انك لا تستطيع ان ترى كل شيء في زيارة واحدة .
   قبل هاتتين الزيارتين بسنوات ، عرفت المانيا عبر قواها الناعمة ، الفلاسفة والمفكرين والكتاب والشعراء : ديكارت ، كنط ، نيتشه ، هيجل . ماركس ،وانجلز. ولكل قرأت نتفا ، فهمت اشياء مماكتبوا ، وفاتتني أشياء.. وعجزت عن فهم اشياء في عمري ذاك ولم اتعمق في الفلسفة لأن الأدب اجتذبني إليه . وعندما حاول هتلر ان يستولي على العالم بقوة الحديد والنار قاومه وهزمه في عقر داره..
  قدم الأدب الالماني مساهمات مهمة للإنسانية في الشعر والقصة والرواية والفلسفة ، وعرفوا بالفهم الأفضل للطبيعة البشريةواحوالها إلى جانب الأدباءالروس .
  في تلك الفترة ، من عمري المبكر كنت اقرأ كل شيء ، وأي شيء ..وكانت كتب الفلسفة قليلة في مكتبة اخي محفوظ ..
فقرأت من ضمن من قرأت لهم يوهان غوته 1749/1832احد اشهر ادباء المانيا المتميزين : " الآم فرتز" ، التي جلبت له الشهرة وهو في الخامسة والعشرين من عمره و" الديوان الغربي" . غالبا مايشار لغوته بأنه شكسبير المانيا ، ومجموعته الشعرية الملحمية والغنائية هي اكثر مايعرف به من بين اعماله الأخرى ، لكن مسرحيته. "فاوست " إحدى اكثر اعماله شهرة .
*****
 اما مواطنه "برتولت بريخت "، فقد كان يحوز شهرة كبيرة واكثر الشعراء والكتاب المسرحيين تأثيرا في القرن العشرين ، ليس في المانيا فحسب ، بل في اوربا ايضاوالعالم، وكذلك يحوز على اهتمامي .
وكانت بعض من مسرحياته واشعاره ترجمت إلى العربية ، وقرأت له في مكتبة اخي " جاليليو " و " الأم شجاعة وابناؤها " و " دائرة الطباشير القوقازية " . 
  اثر بريخت في المسرح العربي، نلمسه  في اعمال المسرحي السوري سعد الله ونوس خاصة مسرحيته " الملك هو الملك " وفي مسرح الجزائري عبد القادر علولة ، وفي مسرحيات المصري الدكتورسناء شعلان .بل ان تأثيره امتد الينا في عدن ، فشاهدت في المسرح الوطني في التواهي " الأم شجاعة " من إخراج فيصل عبد الله وبطولة عديلة ابراهيم . وكان فيصل يتبنى المنهج البريختي في الإخراج ، كما شاهدت له "دائرة الطباشير "، وقد عكفت فترة من قراءاتي فيما بعد على بريخت 
ونظريته في المسرح الملحمي ،الذي يعد ثورة على المسرح الدرامي الأرسطي،الذي يراه دراما برجوازية تغرق الإنسان في الوهم بينما ان مهمةالمسرح هي حث المشاهد على التفكير والقيام بدور إيجابي في تغيير واقعه. وبريخت هو الذي قال:" ليس الفن مرآة للحقيقة ، بل مطرقة يمكن بها تشكيل الحقيقة ". 
عندما عملت في موسكوملحقاإعلاميا في سفارة اليمن الديمقراطية، سكنت في الشارع الذي يحمل اسمه "فالترا اولبرختا "، قريبا من البيت الذي سكن فيه الشاعر والكاتب المسرحي الالماني الكبير لفترة قصيرةمن حياته عندما انتقل عام 1935إلى الاتحاد السوفيتي ، هاربا من إضطهاد السلطات النازية .وكانت هناك لوحة معدنية مثبتة على جدار المنزل تحمل إسمه وتشير إلى فترة سكنه فيه .
                         
                               (2)

   وصلت مطار برلين .كان في إستقبالي ، السيد " كول" ، الصحافي ودليلي خلال الزيارة ، والدكتور محمدعمر ، مترجمي المصري الذي يحضر الدكتوراة في الإقتصاد .هذه زيارتي الأولى إلىالمانيا الديمقراطية .وثاني زيارة إلى الخارج بعد بيونغ يانغ . والمرة الاولى التي اسافر فيها بمفردي ..عادة اعاني من "فوبيا" السفر وحيدا ..احب السفر واكره إجراءاته وتحضيراته الكثيرة .. ومن حسن حظي كان خط الرحلة مباشرة من عدن إلى برلين ، ( 5184كم ) قطعتها الطائرةفي سبع ساعات ونصف تقريبا، وكان هناك من يستقبلني وينهي معاملاتي في مطار   "تيجيل" فلم احس بوطأة الإجراءات التي يعانيها المسافرون في مثل هذه الحالات .

*****
   يبدو ان الالمان ، كانوا يعتبرون عدن والمحميات الجنوبية والشرقية منطقة نفوذ بريطاني منذ ان احتلت بريطانيا عدن سنة 1839 في القرن التاسع عشرُ واخذت توسع نفوذها نحو بقية المناطق، لهذا لم يقتربوا منها ، وانحسر اهتمام الرحالة الألمان على اليمن اومملكة الإمام .فكانت رحلاتهم اما مباشرة إليها . وحين يجدون صعوبة في ذلك يدخلونها من الباب الخلفي،عدن وحضرموت ، مع مايحف بها من اخطار جسيمة كما فعل "هانزهولفريتز" الذي دخل اليمن سنة 1930في عهد الامام يحي حميد الدين ، والف كتابه الشهير " اليمن من الباب الخلفي " . كان الرحالة الالمان يريدون اكتشاف ذلك المجهول وفك الغازه الغامضة. وقد مات "نيبور" وفريقه الاكتشافي في تلك المجاهل إلا واحدا هو. "توركيل هانسن "الذي سجل لنا في كتابه " من كوبنهاجن إلى صنعاء " عن تلك الرحلة التي قام به نيبور وفريقه سنة 1762م . ولولاه لربما ماعرفنا عنها شيئا . وفيما تعود الجذور التاريخية للعلاقات اليمنية الألمانية الى سنة 1927 فان اعتراف الجمهورية العربية اليمنية بالمانيا الاتحادية تم بعد ثورة 26 سبتمبر 1962 ، فيما التمثيل الدبلوماسي تم في العام التالي ولكن بسفيرين غيرمقيمين.
*****
  اليمن الديمقراطية اعترفت بالمانيا الديمقراطية في 30 يونيو1969التي افتتحت لها سفارة في عدن وبالمقابل افتتحت ي .د سفارة لها في برلين ، وعينت الأستاذ علي باذيب اول سفيرلها ، ومن بعده محمود عشيش .وسبقت مصر في الاعتراف ( 9 يوليو ) من نفس العام وكانت القاهرة السادسة من دول العالم الثالث تعترف بالمانيا الشرقية بعد العراق ، سوريا ، اليمن الجنوبية ، السودان ُ. وكمبوديا . وكانت المانيا الاتحادية تحول دون اعتراف العالم بها او انضمامها الى الامم المتحدة . 
  قسم الألمان ، برنامج زيارتي إلىشقين :  إعلامي رسمي بحكم منصبي مدير تحرير لصحيفة 14 اكتوبر ، وثقافي ترفيهي ، احدهما يكمل الآخر ، الهدف منه الإطلاع على مدى التطور الذي وصلت إليه بلادهم ،ونقله إلى قراء جريدتي .وفي نفس الوقت وجدت فيها فرصة لقضاء عطلة ممتعة خلال فترة الزيارة التي استغرقت اسبوعين تقريبا ، حتى وإن لم يكن ذلك مقصودا ، ولم اكن قد حظيت باجازة منذ بدات عملي في الصحافة سنة 1970.
  كانت المانيا الشرقية تصنف الأولى صناعيا من بين دول المنظومة الاشتراكية والعاشرة في اوربا .عرف عن الألمان ،  أكانوا شرقيين اوغربيين ، والذين انقسموا إلى دولتين بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية ، انهم ماكنات ،اوالآت  عمل متحركة .اوكالساعات جودةودقة ، لهذا كانوامن بين طليعة البلدان المتقدمة إقتصاديا في البلدان الإشتراكية ..ينطبق هذا على الوقت والمواعيد ،اوالزمن ..
الوقت عندهم كالسيف إن لم تقطعه قطعك .فإذا قال لك الالماني : موعدنا السابعة صباحا ، فهو يعني هذا تماما..ان تصل متأخرا دقيقة واحدة بعد هذا التوقيت ، معناه انه لن ينتظرك ، وهو يحرص ان يصل تماما في الموعد،اوقبله بقليل . يحترمون الوقت ولا يفرطون فيه ، لهذا هم ناجحون . وقد حرصت كل الحرص ان اكون منضبطا في مواعيدي حتى اعطي إنطباعاجيدا عني، وعن شعبي وبلادي ، ولوأن الأمر ليس كذلك دائما.. نحن العرب ،لانعطي اهميةللوقت .
وهذا من اسباب تخلفنا ! مع اننا من اخترع الساعة ! 
                               (3)

   حللت في فندق "شتات برلين" ، في قلب العاصمة ، ويعد من احدث وارقى
الفنادق ، يقع في ساحة "الكسندر بلاتز "، ويعتبر اطول مبنى في برلين ( 125 ) مترا ، يتكون من 37دورا ، والطابق الأخير مطعم باناورامي دوار ،تناولت فيه وجبة عشاء واستمتعت بليل برلين وسحر الأضواء ، خاصة مقاطعة "ميتي" في وسط برلين ، حيث يقع الفندق الحديث الإنشاء والافتتاح في 1970م . وتعتبر ساحة "الكسندربلاتس" عامل الجذب الرئيس في برلين ، ونافورة الصداقة بين الشعوب الخلفية لصور الالاف الذين يترددون على الساحة ..هنا يمكنك ان تلتقي بمختلف الجنسيات ، واغلبهم من الطلبة الذين يدرسون في المانيا الشرقية ، وقد التقيت بطلاب من بلادي بما فيها من بلدتي الديس الشرقية ومن زملاء دراستي في الابتدائية ، ولكن ليس في هذه الزيارة بل خلال زيارتي الثانية سنة 1981 .
 لكن اكثر اجزاء برلين ، رأيتها من المطعم البانورامي في برج التلفزيون ، اطول برج في المانيا ، وثاني اطول برج في اوربا حينها ، طوله 368 مترا ، ويقع في حي "ميتا " التاريخي، وهو من اكثرعشر
مزارات يحرص على زيارتها الألمان ، ويتجاوز عدد زواره المليون في العام . وكان على جدول زيارتي ..مفخرة المانية ارادوا ان اراه .. 
  ومن المواقع التي حرصوا على ان اراها  بوابة "براندنبوترغ" ، رمز مدينةبرلين ، ويحرص الالمان ان تكون من بين المواقع التاريخية التي يرونها لزوارهم . بالاضافة الى "الرا يخستاغ " ويعود بناؤها إلى عامي1791و1798 ، وقد اعادوا بناء الجزء الذي تحطم خلال الحرب العالمية الثانية بنفس التصميم الهندسي ومواد البناء . تقسم البوابة برلين إلى شرق وغرب. وتعدمن اروع الأمثلة الكلاسيكية الالمانية . وفي عام 1793وضع تمثال الكوادريجا ( عربة تجرها اربعة خيول ) الذي صممه " غوتفريدشادو" ،على البوابة.. وتشير إلى الشرق في اتجاه وسط المدينة .
  وانااشاهد البوابة ، واسمع عن تاريخها ، وكيف اعادوا الأجزاء التي هدمتها الحرب، خطرت في مخيلتي بوابة المكلا التي امر بهدمها فيصل النعيري بعد استيلاء الثوار  على عاصمة السلطنة القعيطية دون ادنى إعتبار لقيمتها التاريخية!..وباب عدن الذي فجره الانجليز بحجة توسيع طريق العقبة ، وطواحين الهواء العملاقة في المملاح التي ازالها الصينيون عند تطوير حقول الملح في المنجراد ..
يحرص العالم على معالمه ، فيعيد بناء المهدم منه ، بينما نزيل القائم باكمله ببساطة.، وكأنه لايعني لنا شيئا !!
   إختلاف ثقافات ..عالم يبني وعالم يهدم .. 
   الهدم سهل لكن البناء صعب ..

                              (4)
   لكن ... 
 الهدم يكون احيانا ضرورة وجودية للإنسان ، فعندما تحس ان هذه الحجارة التي اعتقدت ذات حماية ، انها تقف بينك وبين الحياة ..بينك وبين اهلك ،لاتستطيع ان تذهب إليهم او ان يأتوا اليك بحرية ، ولاتستطيع ان تصافحهم إلاعبر جدار . إن اجتزته تقتل ، وان لم تجتزه تموت ، فلا بد من هدمه !  اتحدث عن جدار برلين ، بناه الألمان الشرقيون عام 1961م ، ويفصل شطري برلين الشرقي والغربي والمناطق المحيطة في المانيا الشرقية . وكان الغرض من بنائه تحجيم اومنع المرور اوالهروب من المانيا الشرقية إلى المانيا الغربية.. يبلغ طول الجدار نحو 180كيلومتر من الخرسانة المسلحة ، وارتفاعه عن سطح الأرض 60، 3 متر .
اعتبره الشرقيون للحماية من الفاشية ! والالمان الغربيون اعتبروه تقييدا لحرية التنقل .واطلق عليه عمدة برلين ( جدار العار ) لكنه في الواقع كان رمزا للحرب الباردة بين اوربا الشرقية والغربية. حين زيارتي الأولى في منتصف سبعينيات القرن الماضي ، والثانية في مطلع الثمانينيات كان قائما(تم هدمه بشكل شبه كامل سنة 1989م) وعد نهاية لسقوط المانيا الشرقيةوالكتلة السوفياتية وبداية للوحدة الألمانية .لم يكن الجدار كتلة اسمنتية ، لكنه قسم اسر وعائلات بأكملها وجدت نفسها في لحظة منقسمة بين دولتين .. ومات140 وهم يحاولون الهرب من برلين الشرقية الى الغربية .
    وكما دخل الجدار السياسة ، دخل عالم الأدب ، فكان" الجاسوس القادم من الحرب الباردة " ، و" لعبة برلين " ، "واليوم السابق لجدار برلين : هل كان يمكننا ايقافه ؟ " ، و" الجدار " ، و " غرب الجدار " ، و" قافز الجدار "  كلها مؤلفات واعمال استوحى كتابها احداثها من جدار برلين . كما كان الجدار مادة للسينما الامريكية والغربية عموما ، وكلهافي نطاق الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي !

                            ( 5) 
   ومثلما يعطي الألمان _ والأوربيون _عموما العمل حقه ، ويخلصون فيه إلى حد القداسة ، فانهم ايضا يعطون الجسد حقه من الراحة ..ويخططون لإجازاتهم   اسبوعية كانت اوسنوية بنفس الدقة .. يدخرون ، ويقررون إلى اين سيذهبون ، وكم سينفقون على:المواصلات ،الفنادق 
،الطعام والشراب ، الاستجمام ، والأماكن التي سيزورونها..كل مارك محسوب حسابه .والخيارات امامهم كثيرة في العاصمة برلين او المدن الشاطئية ،او الجزر والمرتفعات الجبلية .ولم ينسواأن يدرجوا من بين برنامج زيارة العبد لله قضاء السبت والأحد وهما عطلة نهاية الاسبوع عندهم في مكان مريح بعد اسبوع حافل بالعمل الكثيف : الزيارات والمقابلات بدون رحمة ،زيارة مصانع ومزارع دولةوتعاونيات زراعية ومتاحف
، ومدينة دردسدن ومرتفعات سويسرا السكسونية ، وإجراء مقابلات مع مسؤولين .تخللها مشاهدة حديقة حيوان برلين ، ومسرحية استعراضية ، ولعب "البولنيج" وزيارة مدينة العاب مائية ، والانزلاق من اعلى مرتفع والهبوط على بركة ماء ....
   يبدو ان مرافقي الالماني كول ، وهو بالمناسبة دليل سياحي وصحافي حركما قال لي ، كان له دورما، في وضع لمساته على تنفيذ برنامج الزيارة خاصة في جانبها الترفيهي ..وبالمناسبة بعكس مايقال عن الألمان من شدة وصرامة فقد وجدته في منتهىالكياسةواللطف ، واضفىعلى زيارتي متعة وفائدة ماكنت لأشعر بها بدونه والمترجم المصري د . محمد عمر .وكسبت صداقتهما خلال فترة الزيارة إلى درجة انني رأيت الدموع في عيونهما لحظة ودعاني في مطار برلين عائداإلى عدن عن طريق موسكو . لكنهما اخفيا عني المكان الذي سنقضي فيه العطلة إلى اللحظةالأخيرة .. 
  فقط قالا لي اننا ذاهبون إلى روستوك .
وهي مدينة وميناء بحري تقع في شمال ألمانيا على مصب نهر" فارنوف" على بحر البلطيق .. ويعد اهم ميناء في المانيا الديمقراطية تم بناؤه بين أعوام 1957 - 1960. 

                                ( 6)
  قبل ان نصل "روستوك " بقليل اسر لي الدكتور محمد عمر ، بأننا اوشكنا الوصول إلى شاطيءالعراة..قلت وقد اذهلتني المفاجأة : 
  _ ماذا ؟!
  _ شاطيء العراة ..
  لم اكن مصدقا بعد ..ظننته يمزح كما هي عادة المصريين ، فسألته مجدداهنا. وفي المانيا الشرقية ..؟! قال : نعم . قلت : لو قلت لي في المانيا الغربية ، او فرنسا ،  لصدقت . 
  قال وهو يضحك من سذاجتي : 
   _ كلهم المان ! واوربيون ! 
   واضاف : 
  - المذهب الطبيعي - ليس بالأمر الغريب في ألمانيا ، ظهرت "ثقافة الجسم الحر" جنبًا إلى جنب مع شعبية الطب الطبيعي في القرن التاسع عشر وقيل إنها تعالج الأمراض الشائعة من الروماتيزم إلى التهاب الشعب الهوائية.
   انشيء اول شاطيء للعراة في جزيرة " سيلت " في سنة 1920 ومن المعروف ان جزيرة سيلت Königinدير نوردسي (ملكة بحر الشمال). تقع في أقصى الطرف الشمالي من ألمانيا ، وتشتهر بمناخها الصحي ومناظرها الطبيعية الخلابة وشواطئها البكر.. هناك أميال من الشواطئ الرملية الجميلة تؤدي إلى الكثبان الرملية والمياه الصافية. بعيدا عن الاكتظاظ ، في بعض المدن والشواطيء .
   وصلنا الشاطيء المقصود ..وهو واحد من اوسع الشواطيء على بحر البلطيق . عرضه80 مترا ، كنا في الصيف لهذا كان الشاطىء مزدحما بالمصطافين .. الرمال المتلألئة والمياه النقية والممشى في أفضل شواطئ ألمانيا ..
                               
                               (7)
  تجرد كول و" المترجم " من آخر نسيج 
..وطلبا مني ان افعل المثل ..ولكن هيت لهما !! . كنت اتصبب عرقا مع ان الطقس لم يكن حارا ..في اعماقي ارتال من ثقافة العيب والحرام التي تربيت عليها ، والتربية الدينيه للمسلم الذي يعتبر إظهارالجسد حراما امام الغرباء ،اوحتى الاقرباء : فكيف امام هؤلاءجميعا ؟ 
عندما كنت صغيرا كنت اتجرد من نسيجي وانطلق كالسهم في البحر مع اترابي بدون ان نشعر بالحرج ، واحيانا في "مقالد " المساجد مع اقرباء في عمري ..لكن كان هذا عندما كنا صغارا...
   اما الآن ....
 تصورت انني إن فعلت ذلك فان كل العيون على الشاطيء سوف تلهب جسدي بنظراتها ..كان الشاطيء يعج بعشرات الاف العيون لرجال ونساء مجردين من النسيج ،يتشمسون على الرمال ، او
يتمشون على الشاطيء .او يسبحون داخل البحر ...
لم استطع النظر إلى جسد واحد بعينه..لم يكن احد ينظر إلى احد ..او يعتبر ذاك عيبا اوحراما. مثلي ..مرة اخرى اختلاف ثقافات ! ومااظنهم كانوا سيحفلون بي لو خلعت نسيجي مثلهم ونزلت البحر .. ماكان احد ليهتم .وحتى بعد ان التحقت بالمعهدالدبلوماسي في" دردسدن" بعدها بسنوات كنت احرص وزملائي في الدورة ان نستحم في وقت متأخر من الليل عندما نتأكد ان الطلبةالالمان نائمون . كانت الحمامات التي تقع في اسفل المبنى بدون ابواب ، الألمان يستحمون بدون نسيج دون حرج ولم يكن منا من يجرؤ على ذلك !
  ليس كل الالمان يقرون المبدا الطبيعي ، فعلى نفس الشاطيء كان عشرات الالاف من الألمان يقضون إجازاتهم ويسبحون في نفس الشاطيء بالمايوهات ولكن في النصف الاخر، المخصص لهم ،ولايفصل بينهم والبدون سوىحبل فقط !!. 
   لم يستطع " كول" إقناعي بالتخلي عن نسيجي ، ولم اكن أحضرت مايوها، ولما لمس إصراري اخرج واحدا من حقيبته الصغيرة ، يبدو انه احتاطه لمثل هذا الموقف .
  ارتديته ونزلت المياه .. 
كل العيون اخذت تنظر الي باستغراب وكأني كائن غريب هبط على شاطئهم المخصص لغير اللابسين من كوكب الأنسجة !. ..او يبدو انني من تصورت ذلك ..
 واحد الالمان بعد ان اكتشف ونحن في البحر انني البس منسوجا اخذ يشير لي ان اخلع المايوه او اذهب للسباحة في الجزء
المخصص لأمثالي ..لكن كول الذي كان بالقرب مني افهمه كما يبدو بأنني ضيف على الحكومة الألمانية فتركني وشأني ، لكن الأمواج العالية والتيارات الشديدة لم تتركني وشأني ، أخذت تقذف بي إلى الخلف مع كل موجة احاول تجاوزها، وتدفع بمزيد من المياه المالحة إلى جوفي ، والحرقة إلى عيوني ، فوجدت صعوبة في السباحة مع انني اعتبرنفسي سباحا ماهرا إلى حدما لكن ليس في مثل بحر البلطيق ، مما كدر علي متعة قضاء عطلة مريحة .. كانت تيارات بحر البلطيق ورياحه قوية وامواجه عالية ، بعكس شاطيء جولد مور الهاديء والمثالي الذي تعودت السباحة فيه .او شاطيء شرمة الذي لايوجد له مثيل برماله الناعمة ومياهه الصافية الدافئة !والسلاحف الخضراء النادرة الوديعة ..والاف الأميال من الشواطيء الذهبية التي لانعرف كيف نستثمرها !