▪️مرة ، في مطلع القرن العشرين صرخ يوجين أونيل الكاتب المسرحي الأمريكي " لقد جن جنوني من طول ما استخدمت لغة الكلام التي لم تعد تتحدث إلا عن الشيئ الذي لم أعد أريد التحدث عنه ، لقد ضقت ذرعا بتللك القضية المفتعلة .. ولكن، أين أجد تلك اللغة التي أبحث عنها ؟ " .. كان أونيل يقول لو أنه ولد في عصر آخر أو مكان آخر لكان أكثر أهمية لعصره ، وربما وجد من يقدر إبداعه .
    تذكرت صرخة أونيل وأنا اكتب بتعاطف عن الفنان اللامع عصام خليدي وجيله من الفنانين وقد استمعت إليه  في أول ليلة من ليالي القدر الرمضانية في دار منتدى الأديب وهو يحلق في الأعالي ينطلق من وصلة صنعانية " *يا ساري البرق*" ، " *غنى على نائف البواسق* " ، " *ألشوق أعياني* " ، ويسمق إلى قمة الهرم " محمد عبد الوهاب " : " *إجري إجري* " ، " *ألصبا والجمال* " .. ودويتو " *يا دي النعيم* " محمد عبد الوهاب و ليلى مراد…  وعودة إلى الوطن " *يا غارة الله* " ، " *ذات الخال* " للشاعرين الكبيرين " *أحمد الجابري* " و " *محمد سعيد جرادة* " ومن أعمال الفنان الكبير " *محمد مرشد ناجي* " واخيرا " *حالي البسمة* " من ألحانه وكلمات الشاعر الغنائي الجميل " *علي حيمد* " في قالب موسيقي يستشف أصالة الأغنية اليمنية في ثوب جديد لا يقلد فيه أحدا ، ولكنه وحي العصر الذي يعيش فيه ويصطدم فيه كل يوم بالمشاعر الفجة لدى بعض العناصر المهيمنة داخل المؤسسة الإعلامية في اليمن ؛ تحديدا " قناة عدن الفضائية حينها،  حيث يبدو مما يلقاه من تعبيرات لدى هؤولاء من مثل " التسجيلات الغنائية موقفة " و " ليست لدينا ميزانية للتسجيلات الغنائية " وأخيرا " الأجهزة كلها مخربة مما يحول بين إمكاناتنا ورغبتنا في تسجيل أغنياتك " ... يبدو أن هذا العصر ليس مستعدا لتقبل الإبداعات وغير ذي قابلية للتطور في بناء الدولة اليمنية الحديثة العصرية .
    يبدو ان هذه العثرات ، هذا الارتطام بالمشاعر الفجة ما زالت مرتبطة بفترة زمنية لم تعف عليها نجاحات الثورة للإنطلاق نحو مرافئ العصر .
    لقد تغيرت نظرة العالم إلى الفن ونتج عن هذا ظهور جو فكري وفني جديد تماما ، وخلق هذا الجو اتجاهات جديدة وأساليب جديدة .. واليوم هنالك دستة من الفنانين المبدعين النشطين وفيهم يمتلك عصام من الصفات ما يميزه عن غيره .. والجميع في انتظار *جودو* ! .. في انتظار من يرفع العصا عن دواليب عجلة التقدم والأخذ بأسباب العصر !
    فهل لوزير الإعلام الفاضل أن يمسك بزمام المبادرة فيسرع في هذه الخطوة .. ولطول ما دبجنا من المقالات حول هذا الموضوع والمتعلق بالحالة الثقافية الراكدة خصوصا __ أحوال أهل الفن الذين لا تسير الحياة هينة لينة بدونهم ومرغدة ... ، وحيث لا تجد أحاديثنا ولا كتاباتنا أذنا صاغية ولا عقلا متفتحا يفهم رطانتنا ، فإننا نهتف بلسان حال عصام مع *يوجين أونيل* ومع الأخر تنيسي وليامز الذي شارف عصرنا : " لقد ضقت ذرعا من طول استخدامي لغة كل يوم .. ولم تعد اللغة تعبر إلا عن الشيئ الذي لم أعد أريد التحدث عنه " 
    وإن عزائي لأهل الفن قول الشاعر الأبنودي :
          قالوا هجرت 'الفنَّ قـلت ضرورةً
           بـابُ البواعث والدواعي مُـغـلقُ
           خـلت البلادُ فلا كـريـمٌ يُـرتـجى
            مـنـه النـوالُ ولا مـليحٌ يُـعثشق
            ومـن العجـائـب أنـه لا يُـشتـرى
            ومـع الكساد يُخانُ فيه ويُسرَق

              ◾◾