لايترك لنا هذا الموت فرصة ولو صغيرة لالتقاط الأنفاس ، فما ان ودعنا بالأمس الثلاثاء الإعلامي الكبير صاحب اشهر برنامج إذاعي ( العلم والانسان ) الاستاذ احمد عمر بن سلمان ،حتى اختطف منااحمد خضر زعبل يوم الاربعاء 5 يناير .
 وبين الأحمدين اقل من 24 ساعة هو كل الوقت الذي احتاجه ، لينتقل الإثنان من دنيا التعب والكبد ،إلى رحاب الله ورحمته الواسعة ، ويوقعنا في عوالم الأسى ، وبحور الحزن والألم .
  عرفت احمد خضر زعبل ، عندما كان المدير العام للمؤسسة العامة للسينما في عدن . كنت حينها مدير تحرير 14 اكتوبر اليومية شبه الرسمية ، وبصفتي هذه كنت احضر احيانا اعمال لجنة الرقابة على الأفلام التي كانت تجيز الافلام العربية والاجنبية التي تعرض في دور السينما في عدن ايام كان فيها دور سينما . وكان مقر اللجنة في قاعة عروض صغيرة في مبنى المؤسسة الواقع في شارع الملكة اروى في كريتر . وبصفتي هذه منحني بطاقة مجانية لدخول اي دار سينما في عدن ، لكني كنت افضل إرتياد سينما بلقيس في حقات ، وسينما ريجال في خور مكسر . وكان للسينماحضور عائلي وجماهيري ، وكانت جزءاً من تقاليد الاسر والناس في عدن يحرصون عليه . اليوم بكل اسف لم تعد هناك دور سينما في عدن بعد ان تحولت إلى خرائب تنعق عليها الغربان ..والبلد كلها إلى ساحات حروب وحرائق بدل الجنان التي حلموا بها ذات يوم قبل ان تلتهمها نزاعات وصراعات الرفاق  الاخوة / الاعداء . او على حد تعبير الدكتور احمد قايد الصايدي في رثاء رفيقه احمد خضر زعبل :
 "حَلِمنا معاً ذاتَ يومٍ

بجنَّةِ عدنٍ على الأرضْ 

بنقطةِ ضوءٍ  

فلا جنَّةَ عدنٍ رأينا على الأرضْ

ولا نقطةَ ضوءٍ أضاءتْ سمانا  "
كان أعضاءاللجنة، وهي برئاسة الاعلامي المخضرم علوي السقاف يتكونون من نخبة من المثقفين والنقاد، بينهم الشاعر فريد بركات ، والقاص والصحافي سعيد عولقي ، والروائي والقاص حسين السيد ، والناقد السينمائي شكيب عوض ، والمخرج المسرحي محمود اربد ، والناقد الفني عبد القادر خضر ، والناقد السينمائي محمد فارع الشيباني الذي كان المشاغب الاكبر في اللجنة ويشكل مع حسين السيد  ناقر ونقير كما ذكرني الاعلامي المثقف ناصربحاح الذي كان يحضر اعمال اللجنة بين وقت اخر  وآخرون . وفي لجنة كهذه ، من الطبيعي ان تختلف الآراء ، وتتباين الافكار والرؤى ازاء الافلام مثار النقاش . واحيانا يحتد النقاش ، ويتمسك كل عضو اوفريق برأيه ، اما بالموافقة ، او بالمنع ، اوحذف مشهد معين،حسب وجهة نظره وحيثياته التي بنى عليها موقفه ورأيه . فكان خضر زعبل بروحه السمحة ، وشخصيته الجميلة ، وبروح الفكاهة والنكتة عنده يلطف الاجواء ، ويقود الحوار ، ويقرب وجهات النظر ويصل بالنقاش إلى بر الامان .
    من خلال حضور اعمال لجنة الرقابة على الافلام وفي ظروف اخرى، تعرفت إلى المغفور له احمد خضر زعبل ، المثقف والإنسان، وإلى سجاياه ، التي منها البساطة ،والتواضع ،  والقدرة على الحوار وتقبل الاخر ، ونقاء الروح ..
  يصفه رفيق دربه الأستاذ انيس حسن يحي ، "برجل المواقف الصلبة الذي يتنفس عشقا للوطن . وبالفارس الصلب ، ورجل المهمات من العيار الثقيل ، الذي لاينتكس امام الويلات او الملاحقات" .
  رحل احمد خضر زعبل ، ليزيد وجعنا وجعا ، وحزننا حزنا ولم يمض على رحيل احمد عمر بن سلمان سوى اقل من 24 ساعة ، فما اشد وجع الفراق ، والرحيل بصمت دون ضجيج ، ولاوداع . رحل الأحمدان ، ولاندري على اي احمد اومحمد يكون الدور اليوم اوغدا ..
لهما الرحمة ..ولروحيهما السلام . 
ولارثاء يليق بك عزيزي الراحل احمد بعد ما رثاك به الدكتور أحمد قايد الصايدي  ا :
 "رحلتَ بصمتٍ
كما يرحل الطيبون 
دون وداع
ودون ضجيج
ودون ادّعاء 
كأنك كاسمك من معشر الأنبياء 
خفيفاً...شفيفاً كما كنت دوماً"..