أشاهد على صفحات الفيس بوك هجوم عنيف لا علاقة له باي اختلاف سياسي أو مجتمعي..خلاف تعددت صوره واساليبه وطرق انتشاره .
 
انا كمواطنة يمنية ولدت وتربيت وعشت حياتي في مدينة عدن ، جنوب اليمن ، ولا اجد غضاضة في طرح انتمائي لليمن ، وكما قلت من قبل ،نحن جيل اقسمنا على تحقيق الوحدة اليمنية ، وتنفيذ الخطة الخمسية كل صباح امام علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ..
جيل لم يشعل في قلبه نار الكراهية والحقد .

مدينتنا علمتنا معنى التعايش،  فيها جنسيات متعددة،  وديانات مختلفة  ، معابد و كنائس ومساجد يشهد لها التاريخ بانها خلقت روح الالفة بين عدن ومن أتى اليها وعاش كريم على ارضها. واذا سُمح لي فأنا اعلن انتمائي لمدينتي عدن دون اليمن بشطرية او بكامل أرضه،  فلم أرى منهم ولا فيهم اليوم إلا الوجع والاثم وبحور الدم الذي أغرقت كل جميل واعدمته الحياة .

سابقا .. عندما تحققت الوحدة ، تحقق حلم طفولتنا وجزء من تطلعات شبابنا ، نقشنا فرحتنا على جدران قلوبنا التي انهكتها الحروب وملحقاتها من فشل سياسي واقتصادي وحزبي وقضائي أيضا .

لم تدم الفرحة طويلا ، فبعد سنوات قليلة تبدد الحلم وكانت إدارة الوحدة هي السبب الاول في فشل ركائزها الأساسية،  تحولت لكابوس اغتال ملامح الحلم وانهى تطلعاته المكتوبة بحبر قلم لم تسنده قوانين دستورية .

 فشل الإدارة قضى على مدخرات الارض ومقدرات جيش وكفاءة شعب ، ومع هذا لم نرضى يوما بان نكون في كشوف الموتى ونحن على قيد الحياة . حاولنا ان نرفع اصواتنا لنعلن باننا شعب يستحق الحياة في وطن نحميه بارواحنا قبل دمائنا .

مرت سنوات كثيرة بعد حرب ٩٤ لم نفكر يوما بان " اليمن " هذا الاسم الذي زين التاريخ العربي بالكثير والكثير من علامات النور والثقافة والفن والحضارة المحفورة في ذاكرة العرب والعجم دون استثناء ، 
هذا الاسم لم يكن يوما سبب في ازعاج ارواحنا او اخماد احلامنا ، كنا جيل يحترم تاريخ أرضه وثقافات شعبه الممتدة في طول وعرض اليمن .

اليوم تغيرت المعتقدات وتبدلت الانتماءات،  ملئ الكره القلوب 
تمزقت اوصال الشعب الواحد ، العلم الواحد ، القدر الواحد 
لم تكن السياسة هي المتهم الأول،  بل رافقتها أسباب أخرى لا علاقة لها بحرية الارض وكرامتها،  لم تتخللها معجزات الحياة الدنيوية التي ابهرتنا لعقود طويلة رغم اختلاف مسمياتنا وطقوسنا  ، كان انتمائنا للمكان اقوى وأكبر من اي مصلحة قد تحول المواطن البسيط المحروم من كامل حقوقه الإنسانية والعربية   لمسؤول  كبير تفتح أمامه  مطارات ودور ضيافة خليجيه وعربية وحتى أجنبية. 

سياسة امتزجت بحب الحياة الخاصة ، لا علاقة لها بعذاب الملايين وهموم قوتهم،  حقوقهم الطبيعية من ماكل وامن وكهرباء وماء .

سياسة فقيرة اختارت أن تعيش دور البطل بين سطور سيناريو ممنوع من العرض العام  او الخاص .

ابطال تحت الإقامة الجبرية في قفص من ذهب صنعته لهم دول تدعي محبتها لليمن وشعب اليمن ومقدرات اليمن وتاريخه .

نعم كنت مثل غيري ممن ينادون باستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، لكني اريدها دولة تتمتع بكامل حقوقها الدستورية والسياسية والقانونية  ، لا أريد تحقيق استعادتها كما تم تحقيق وحدتها عبر ورقة خالية من ملامح الغد ، عقدت وخطت في نفق مظلم رغم نوره ، لم نخرج منه بعد . 

الفوضى والعبث الذي تعيشه بلادنا اليوم سيخلق لنا اجنه مشوهه،  لا خير فيها ولا امل في البقاء  .. مخلوقات ناقصة غير مكتملة النضوج  تنهي الأصل وتفني الجذور   ..  لن نجد من خلالها يمن سعيد ولا جنوب متعافي .

       تمسكوا بالأصل اولا وبعدها اختاروا لانفسكم مكان فيه ..

ما يحدث اليوم لا علاقة له باي فكر او مخطط طرح في بداية العمل الثوري المسلح او السلمي ، بل هو   نتيجة حتمية لوقائع واحداث ارتفع فيها صوت الطبل عن صوت القانون خلال الاعوام القليلة الماضية .