لدى إحاطته لمجلس الأمن: المبعوث الأممي .. الصراع اليمني ما زال بلا حل وأشبهَ بصدعٍ تمتد آثاره عبر الحدود ويُضاعف التوترات الإقليمية
صوت عدن/ الإعلام الأممي:
قدم المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ اليوم الإثنين إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي أكد فيها أن الإستقرار في اليمن لا يمكن فصله عن الديناميكيات الممتدة في المنطقة وان الصراع اليمني الذي ما زال بلا حل أشبهَ بصدعٍ تمتد آثاره عبر الحدود ويُضاعف التوترات الإقليمية .. فيما يلي نص الإحاطة:
شكراً لك، السيد الرئيس.
السيد الرئيس، دأبتُ على التأكيد أمام هذا المجلس مراراً على أن الاستقرار في اليمن لا يمكن فصله عن الديناميكيات الممتدة في المنطقة. فالصراع اليمني الذي ما زال بلا حل أشبهَ بصدعٍ تمتد آثاره عبر الحدود ويُضاعف التوترات الإقليمية. وفي الوقت نفسه، لا يزال عدم الاستقرار الأوسع في الشرق الأوسط ينعكس بدوره على اليمن، فيعمّق انقساماته ويُعيق التوصل إلى سلام مستدام. وبعبارة أخرى، فإن اليمن يعد مرآة لاضطرابات المنطقة ومكبّر لها في آن واحد. وإذا استمر النزاع دون معالجة، فسوف يفاقم التوترات الإقليمية ويمتد أثره إلى ما هو أبعد من اليمن. وفي المقابل، فإن عملية السلام في اليمن ستظلّ هشّةً إذا لم تُعالج مصادر عدم الاستقرار في المنطقة. فاستقرار أي جانب مرهون بتقدّم الجانب الآخر، ولا يمكن عزل ذلك عن بعضه البعض.
على خلفية الحرب في غزة، نشهد تصعيداً مقلقاً في الأعمال العدائية بين أنصار الله وإسرائيل. فقد واصل أنصار الله استهداف إسرائيل بالعديد من الطائرات المسيّرة والصواريخ، مما أسفر، بحسب التقارير، عن إصابات بين المدنيين وألحق أضراراً بمطار مدني. كما شهدنا في أغسطس وسبتمبر عدة غارات إسرائيلية استهدفت صنعاء ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة أنصار الله، والتي أودت، بحسب التقارير، بحياة العديد من المدنيين. كما أسفرت الضربات بتاريخ 28 آب/أغسطس عن مقتل مسؤولين كبار من أنصار الله، ومنهم شخصيات يتحاور معها مكتبي. لقد آن الأوان لوقف هذه الدورة المستمرة من التصعيد.
في الوقت نفسه، إذا جرى النظر إلى اليمن والتعامل مع أوضاعه بشكل رئيسي من زاوية المخاوف الإقليمية، فإن أصوات اليمنيين واحتياجاتهم وتطلعاتهم ستُهمَّش. إن دوامة العنف الراهنة تدفع باليمن بعيدًا عن عملية سلام يمكن أن تُفضي إلى سلام مستدام وتنمية اقتصادية طويلة الأمد. ونحن بحاجة إلى إعادة توجيه الاهتمام نحو اليمن، مع التركيز على تحدياته الداخلية وإبراز إمكاناته الكبيرة.
السيد الرئيس، إن الموجة الأخيرة من الاعتقالات التعسفية التي طالت 22 من موظفي الأمم المتحدة في صنعاء والحديدة تُعدّ تصعيداً صارخاً من جانب أنصار الله ضد الأمم المتحدة. ورغم الإفراج مؤخراً عن أحد الموظفين، لا يزال هناك ما يزيد عن 40 موظفاً من موظفي الأمم المتحدة رهن الاحتجاز، بالإضافة إلى زميل تُوفي أثناء احتجازه. إن الأمم المتحدة وجميع موظفيها يعملون وفق مبادئ الحياد والنزاهة واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. أن هذه الاعتقالات غير المبررة، واقتحام مقار الأمم المتحدة بالقوة، والاستيلاء على ممتلكاتها – في انتهاك للقانون الدولي – تقوّض قدرة الأمم المتحدة على دفع جهود السلام وتقديم الدعم الإنساني للشعب اليمني. وأود أن أشكر هذا المجلس الموقر على بيانه القوي الذي أدان هذه الأعمال.
أقف متضامناً مع زملائنا المحتجزين، وسأواصل العمل جنباً إلى جنب مع أسرة الأمم المتحدة الأوسع من أجل الإفراج عنهم فوراً ومن دون قيد أو شرط. كما أكرر حثّي لأنصار الله على إعادة أفراد طاقم السفينة إيترنيتي سي الناجين إلى بلدانهم، وقد مرّ الآن أكثر من شهرين على غرق السفينة.
السيد الرئيس، إن عائلات المحتجزين من موظفي الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية والمجتمع المدني ليست وحدها ممن يعانون فراق أحبائهم، إذ ما زال آلاف اليمنيين محتجزين نتيجة النزاع، ونحن لا نغفل عنهم. وأعيد التأكيد على أن إحراز تقدم في هذه القضية المؤرقة قد تأخر كثيراً. ويواصل مكتبي العمل عن كثب مع الأطراف لضمان الإفراج عن جميع المحتجزين على خلفية النزاع، وفق مبدأ "الكل مقابل الكل".
وفيما يتعلق بخطوط المواجهة في اليمن، وعلى الرغم من استمرار الاستقرار والهدوء النسبي، فإن الأنشطة العسكرية الأخيرة في مناطق مثل الضالع ومأرب وتعز تُنذر بأن أي حسابات خاطئة من أي طرف قد تدفع نحو عودة نزاع شامل. وستكون عواقب الحرب مدمّرة لليمن وللمنطقة بأسرها. وعليه، ينبغي أن نواصل الجهود الرامية إلى خفض التوتر على خطوط المواجهة، والحفاظ على حوار أمني بنّاء مع جميع الأطراف المعنية. ويظل الانخراط البنّاء من جانب الممثلين العسكريين للحكومة اليمنية، وكذلك من المنطقة الأوسع، تحت رعاية لجنة التنسيق العسكري، أمراً حيوياً للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة وبناء الثقة بين الأطراف. إن فتح وتأمين بعض الطرق الرئيسية في أنحاء البلاد خلال العام الماضي يُبرز أن التعاون أمر ممكن، ويجب البناء على هذه الخطوات.
خلال الشهر الماضي، شهدنا كيف أسهمت جهود الحكومة اليمنية في تحسين الاقتصاد اليمني، من خلال المكاسب التي تحققت بجهد كبير في رفع قيمة العملة وما رافقها من انخفاض في تكاليف المعيشة لليمنيين. وقد انخرط مكتبي مؤخراً بشكل واسع مع محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، وعدد من وزراء الحكومة اليمنية، وطيف متنوع من ممثلي القطاع الخاص. وأرحّب بعمق الحوار ونهجه البنّاء، وبالتركيز على الحوكمة الرشيدة كضمانة لاستدامة الاستقرار الاقتصادي. ويظل مكتبي على استعداد لمواصلة الانخراط في هذه القضايا الاقتصادية مع الطرفين. إذ لا يمكن تحقيق الإمكانات الاقتصادية الكاملة لليمن إلا عبر التعاون، وإبعاد المؤسسات الوطنية عن التسييس، وتبني رؤية وطنية جامعة.
في الأسابيع الأخيرة، أجريتُ مناقشات مع عدد كبير من المحاورين اليمنيين، بما في ذلك من الحكومة اليمنية وأنصار الله، ومع ممثلي الدول الإقليمية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة، إضافةً إلى ممثلين عن المجتمع الدولي الأوسع. وقد شددتُ في جميع لقاءاتي على أن أفضل سبيل للمضي قدماً هو الانخراط في الالتزامات التي تم التعهد بها تجاه خارطة الطريق، مع ضمان أن تكون مرتكزة على ملكية يمنية، وأن تستجيب للتحديات الراهنة وللاحتياجات الأمنية الإقليمية الأوسع. إن الحاجة إلى وقف إطلاق نار شامل، وإصلاحات اقتصادية على مستوى البلاد، وعملية سياسية جامعة، لا تزال قائمة كما كانت من قبل. ويستمر عملي على هذا المسار، رغم كل التحديات التي ذكرتها، من دون أن يثنيني شيء.
السيد الرئيس، نبلغ أفضل ما يمكن تحقيقه حين نعمل معاً. أما القرارات الأحادية فنادراً ما تُفضي إلى حلول، بل إنها تُعقّد المواقف، وتُعمّق انعدام الثقة، وتُطيل أمد النزاع. وفي لحظات التوتر المتصاعد، فإن الإبقاء على قنوات الاتصال مفتوحة لا يُعَد ضعفاً، بل دليلاً على القيادة والمسؤولية. إن الحوار – مهما كان صعباً – يظل السبيل الوحيد الممكن لرأب الفجوة والمضي قدماً. رسالتي لجميع القادة اليمنيين هي أن الأمم المتحدة لا تزال ملتزمة بالعمل معكم من أجل خفض التصعيد، وتعزيز الحوار، والتوصل إلى تسوية سياسية جامعة وطويلة الأمد بقيادة يمنية. من خلال هذه الطريقة يمكننا أن نضمن استقرار اليمن وازدهاره. وهذا ممكن، لكنه يتطلب تراجعاً واعياً عمّا نحن عليه الآن. أود أن أشكر أعضاء هذا المجلس مجدداً على دعمهم الموحد والثابت لهذا الهدف، وعلى دورهم في دعم اتفاق يحظى بثقة اليمنيين، وبدعم إقليمي، ويظل محصناً من التداعيات الجيوسياسية الأوسع.
شكراً جزيلاً، السيد الرئيس.