في المقهاية " المقهى"
في ذلك المقهى الذي أعرفه كما أعرف ملامح وجهي، أجلس كل ظهيرة أحتسي شاي الحليب الممزوج بالحنين، أرتشفه ببطءٍ كأنّي أستيقظُ على طعمه من سُباتٍ طويلٍ لا من نومٍ عابر.
هناك، أمامي، تتكرر الوجوه ذاتها ، وجوهٌ أرهقها التعب، ملامحُ ذوت قبل موعد الوداع، وابتساماتٌ ذابت على حوافّ الحزن.
أسمع أصواتهم المنكسرة تتهاوى بين ضجيج الأكواب، وأرى في العيون زوابعَ من الخذلان، كأنها مرايا عكست كل ما تكسّر في الداخل.
همسهم المتقطع، نظراتهم الزائغة، وارتباك أصابعهم حول فناجين باردة... كل ذلك يشبه محاولةً فاشلةً للتشبّث بما تبقّى من الحياة.
إنهم يغرقون ، لا في قهوةٍ ولا في شايٍ ، بل في رمالٍ متحرّكةٍ اسمها الواقع، ذراتها الألم والخذلان، وسكونها الرضا القسري بالمصير.
كأنهم أيقنوا أخيرًا أن النجاة رفاهيةٌ لا تُمنَح للجميع، وأن الحياة تمضي كما تشاء، لا كما نرجوها أن تكون.