لم يأتِ اللقاء الذي جمع السعودية والامارات بقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بوصفه محطة فاصلة في مسار الأزمة اليمنية، بقدر ما مثل خطوة محسوبة لاعادة ضبط الايقاع السياسي والامني، ومحاولة لاحتواء تعقيدات متصاعدة باتت تهدد بتفجير المشهد في اكثر من جبهة. غير أن هذا اللقاء، رغم اهميته الظرفية، لم يجب عن الاسئلة الجوهرية التي تشغل النخب السياسية والشارع اليمني على حد سواء، بل فتح الباب واسعا امام ما يمكن تسميته بـ"النتائج الناعمة" التي يصعب قياس اثرها الحقيقي على مسار الأزمة.

تتوزع القراءات بين من يرى في اللقاء فرصة لاعادة ترتيب الاولويات وتوحيد الجهود في مواجهة جماعة الحوثي، ومن يراه محاولة لترحيل ملفات شائكة، كملف مكافحة الإرهاب وادارة النفوذ في المناطق المحررة، دون معالجتها جذريا. وفي المقابل، يطفو سؤال اعمق على السطح: هل نحن امام اصطفاف سياسي جديد يعيد رسم موازين القوى، ام مجرد اعادة تموضع مؤقت لقوى تحمل مشاريع متباينة لا تزال متصادمة في جوهرها، مهما بدا التنسيق بينها مرحليا؟

التباين المستمر في الخطاب السياسي والتصريحات الصادرة عن مختلف الاطراف يعكس، في جوهره، اختلافا في زوايا النظر وحدود الادوار، اكثر مما يعكس توافقا حقيقيا حول مشروع وطني جامع. هذا التباين، الى جانب غياب الشفافية في ادارة المشهد، يفتح المجال امام اجتهادات فردية في التحليل والتفسير، ويبقي الشارع والنخب في حالة ترقب دائم، وكأن الصراع بات يدار بمنطق القوة والقدرة على فرض الامر الواقع، لا بمنطق المصلحة الوطنية او استعادة الدولة.

في هذا السياق، تشير معطيات المرحلة الى أن المقاربة الاقليمية الراهنة لا تتجه نحو حلول نهائية، بقدر ما تركز على ادارة اشلخلاف داخل معسكر الشرعية، وتنظيم حركة القوى الفاعلة بما يمنع انهيارا شاملا او انفجارا غير محسوب في مناطق شديدة الحساسية، كحضرموت والمهرة. وهي مقاربة قد تنجح مرحليا في خفض منسوب التوتر، لكنها لا تنتج حلا مستداما، بل تؤجل الانفجار الى توقيت آخر.

ويبقى السؤال الجوهري حاضرا: ماذا بعد هذا اللقاء؟ هل يمثل ما يجري محاولة جادة لمعالجة اختلالات تراكمت لسنوات، ام مجرد ادارة مؤقتة لأزمة مؤجلة الانفجار؟ ام اننا امام ترتيبات تمهد لمسار يفرض كأمر واقع، يطلب من اليمنيين التعاطي معه دون أن يكونوا شركاء حقيقيين في صناعته؟ وهو مسار مقلق، يحمل في طياته بذور توترات سياسية وامنية متجددة، وقد يكون اكثر خطورة في ظل غياب اطراف قادرة على احتواء الخلاف او ادارة تداعياته مستقبلا.

لا شك بانه على مدى سنوات، تراجع دور الشرعية من ادارة الدولة الى موقع العجز السياسي والمؤسسي، نتيجة غياب جيش وطني فاعل، إلى جانب خضوع اليمن للفصل السابع وما ترتب عليه من قيود على التسليح والتطوير، وضعف القيادة، والتعويل المفرط على الدعم الإقليمي. هذا التآكل الداخلي هو ما فتح المجال لادارة الأزمة من الخارج، لا لحلها من الداخل.

وفي ضوء ما سبق، لا يمكن قراءة لقاء الرياض وابوظبي مع المجلس الانتقالي بوصفه تحولا استراتيجيا، بقدر ما هو حلقة اضافية في مسار ادارة ازمة طويلة، تدار فيها التناقضات بدل حلها، وتؤجل فيها الأسئلة الكبرى بدل الاجابة عنها. فالدولة لا تستعاد عبر ترتيبات امنية جزئية، ولا عبر اعادة توزيع النفوذ داخل معسكر هش، بل عبر مشروع وطني واضح المعالم، وارادة سياسية تضع استعادة الدولة فوق حسابات القوة والنفوذ.

وما لم تدرك اطراف الصراع، وفي مقدمتهم الشرعية، أن الوقت لم يعد يحتمل مزيدا من الانتظار او التعاطي مع الوقائع كأمر واقع، فإن اليمن سيبقى عالقا في دائرة “منع الانهيار” دون افق حقيقي للانقاذ. وعندها، لن يكون السؤال ماذا بعد هذا اللقاء، بل اي دولة ستتشكل من رحم هذا المسار، ومن سيدفع ثمنها سياسيا وأمنيا واجتماعيا.