الفنان اليمني الجميل عدنان الخضر ، الذي امتعنا ولا زال يمتعنا بفنه وموهبته الفائقة ، كتب الخضر على صفحته الخاصة  بالفيس بوك سطور جميلة ، تعد بمثابة رسالة حب ممزوج بالشكر والفخر والعرفان لوالدته التي ضحت بشبابها وعمرها لاجل تربية ابنائها 
اليكم ما كتبه الخضر حيث قال  : 

أناتربيةحرمة
لا أخجل من قول هذا فهي حقيقة أفتخر بها .. ربتنا #جليلة .. كنا خمسة أطفال يعرف أبي منّا أربعة فقط أما الخامس فقد اشتم رائحة الحياة بعد ثلاثة أشهر من انتهاء حرب 94 التي أخذت أبي رهيناً ! معتقلاً ! أم شهيداً ! لا ندري .. في الأوراق الرسمية حكمت المحكمة بوفاته .. أما نحن فقد كان الأب الأسطورة الذي عرفناه بضع سنين ثم انتظرناه باقي حياتنا بصفة "مفقود" .. 

بقيت المرأة الثلاثينية وحدها .. تعلّقٓ برقبتها خمسة أطفال أكبرهم كان 12 عام .. كان بإمكانها تركنا عند عائلة أبي لتعيش هي حياتها .. وياليتها فعلت .. كي لا أشعر بأني كنت  مِن من اتكأ على سنينها وشبابها وأكل الجزء الأكبر من حياتها .. لكنها قررت تربيتنا وهي حرمة لاتملك أي مصدر دخل ..

لم يترك #المفقود عدا بضع ريالات كانت تحويشة عمر الغربة التي قضاها في السعودية .. غير أن هذه الريالات لم تُكمل مسيرة بحث عام واحد عنه في كل سجون الدولة ..

كان رأس مالنا ( شولي ذهب ) زار مُعظم معارض العطور كرهن مقابل أدوات ومحتويات صناعة البخور .. ومن هنا صنعت أمي قصتها التي تبدأ من عند محمود صاحب العطور ووصولاً لأم أصيل  الدلالة ..

كانت تصنع خليط العطور بدقة متناهية وتحرك كل محتويات الطبخة التي أحفظها عن ظهر قلب ( عفص وظفري ومسك وعود وسكر ..الخ ) غير أنها كانت تضيف  شيء من صحتها ونظرها وحبها وانتظارها وإيمانها وعجزها وقوتها  وأجمل سنين حياتها إلى تلك المكونات ليصبح بخور أمي لايشبه بخور الأخريات الذي كان يصنع من أجل المتع أو تحسين الدخل .. فقد كان بخور أمي يصنع لأجل الحياة ..
 
فعندما تطلق أمي إشارة البدء يترك الجميع مافي يديه ونمسك إخوتي وأنا بصحون متوسطة الحجم مدهونة بعطر وتأتي أمي مسرعة بدست البخور لتوزعه علينا بكميات متساوية وما علينا إلا أن نحركه يميناً يساراً تباعاً ليتوزع بشكل متساوٍ وهي عملية يجب أن تتم بسرعة وإلا فٓسُدٓ كل شيء .. ليصبح بعدها مصروف شهرنا من مأكل ومشرب وملبس ورسوم تعليمية وصحية جاهز على هيئة بخور له رائحة أمي ..

هي ليست أرملة ولا مطلقة ولا امرأة هجرها زوجها ولم تكن متزوجة .. بل كانت ( بطلة ) قررت أن تنتظر حبيبها #المفقود حتى إذا ما جاء يوماً يطرق نفس الباب الذي تركه سيجدها منتظرة .. ولا أعلم إن كان سيعرفها  وقد نال منها الزمن ورسم قسوته في ملامحها وصوتها وغيّر كل ما حلمت به وطمحت له .. 

رغم كل روايات أمي الإيجابية عن أبي إلا أني لا أعلم حقيقة .. إن تبدلت الأدوار وكنا تربية رجل .. هل سأكتب يوماً بفخر ( أنا تربية راجل ) ؟؟؟

إلى أبي الرائع في كل ذكرياتي والذي أعرف جيداً أنه هنا في مكان ما ( عد لمرة واحدة عالاقل واشتم البخور الذي صنعته أمي )

إلى أمي التي آمنت أن الجمر يجب أن يحترق تماماً ليعطي البخور رائحة جميلة فصنعتنا بخوراً وكانت هي الجمر الذي احترق فقط لأجلنا  .. ( أحبك وكل عام وانتِ طيبة )