صوت عدن | كتب: حسن الردفاني

عادةً ما يتأثر اليمن بالعلاقات المتغيرة بين الدول الخليجية، سواء بالسلب أو بالإيجاب. ولا يعني تحسن العلاقات بين الدول الخليجية أن ينعكس ذلك على مصلحة اليمن، فكثير من الأحيان يتأثر اليمن سلباً بسبب ازدهار العلاقة بين هذه الدول، كما أن سوء العلاقة بينها لا يعني بالضرورة أن يتأثر اليمن بالسلب، بل إنه قد يجد ذلك في صالحة من منطلق "مصائب قوم عند قوم فوائد". 

ففي حين سادت علاقات جيدة بين دول الخليج؛ مورست ضد اليمن ضغوطاً اقتصادية غير معلنة، ولحقت به ظروفاً سياسية سيئة، وفي نهاية المطاف تم تشكيل تحالف عسكري للتدخل في اليمن، بإستثناء سلطنة عمان، الدولة التي تتمتع بعلاقات تاريخية متميزة مع اليمن.

وتجسّدت قوة التحالف بصورة أكبر في التحالف السعودي - الإماراتي، وهو ما جسّد بدوره تدهور الأوضاع في اليمن، من خلال العديد من الأمثلة على الأرض، أبرزها دعم أبوظبي لكيانات وقوات خارج إطار الدولة ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي والتشكيلات العسكرية والأحزمة الأمنية التابعة له، كذلك دعم المكتب السياسي للمقاومة الوطنية والتشكيلات العسكرية المنطوية تحته، بينما استمرت الرياض بالدعم السياسي والعسكري لحكومة الشرعية، وعدم قطع علاقاتها مع حزب الإصلاح، المصنّف كمنظمة إرهابية من قبل أبوظبي.

في المقابل، حين اختلفت المملكة العربية السعودية مع دولة قطر في ما عُرف بالأزمة الخليجية عام 2017، انعكس هذه الاختلاف سلباً على اليمن، لذلك غالباً ما تسوء الأوضاع في اليمن، سواء باتفاق دول الخليج أو اختلافها، إلا أننا اليوم أمام تطور لافت ومختلف قد يستفيد منه اليمن بالخروج من عنق الزجاجة، وهو تدهور العلاقة بين التحالف السعودي - الإماراتي من جهة، وتعزيز علاقة الرياض بالدوحة ومسقط من جهة ثانية، وقد تجلّت هذه العلاقة بأول زيارة خارجية لسلطان عُمان، طارق بن هيثم، التي قصد بها السعودية، وتأسيس مجلس تنسيق عُماني سعودي لتعزيز علاقات البلدين الثنائية في شتى المجالات، والأهم هو تأكيد الدولتان على "تطابق وجهات نظرتهما حول مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية".

لم يعد سراً أن سلطنة عمان تمتلك علاقات متميزة وخاصة مع جماعة الحوثي، وهذه لوحدها ليست ميزة كافية لمسقط، بل إنها إضافة إلى ذلك، تمتع بعلاقات ممتازة مع كافة الأطراف اليمنية، الأمر الذي سيجعل من موضوع التقارب اليمني - اليمني أمر قابل للنقاش والنجاح، فضلاً عن إمكانية مسقط في كسر الحاجز وتقريب المسافة بين جماعة الحوثي والسعودية.

وبما أن بناء السلام بعد الحروب، سيما المدمّرة والطويلة منها كما حرب اليمن، يحتاج إلى فاتورة باهظة، وقوة ناعمة تتمثل بالإعلام والدبلوماسية والتحالفات، فإن الدوحة، وإلى جانبها الكويت والبحرين، ستلعب هذا الدور المكمّل للجهود العمانية، والمتعاون مع السعودية، ما يعني أننا أمام تحالف عربي جديد، تقوده سلطنة عُمان هذه المرة، ليس للحرب على اليمن كما التحالف السابق، إنما لدعم جهود السلام في اليمن، وهذه ليست المفارقة الوحيدة، حيث أنه هناك مفارقة أخرى لا تقل أهمية، وهي عدم مشاركة الإمارات في هذا التحالف.

لا يعني أن هذه التفاهمات الخليجية ستلغي دور الشرعية في اليمن، لكنها بلا شك، ستطوي حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، وتعطي الشرعية الدستورية حجمها الطبيعي المتوافق مع التغيرات والتطورات على أرض الواقع، وبما أن الكفّة على الأرض تميل في شمال اليمن لصالح الحوثيين، فإنها في الجنوب متوزعة بين العديد من الأطراف، أبرزها حكومة الشرعية، والمجلس الانتقالي الجنوبي، ومجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي؛ إلا أن الأخير صاحب الحظ الأوفر من الخلاف السعودي الإماراتي، والمصالحة القطرية السعودية، وازدهار العلاقة بين الرياض ومسقط، كونه يقدّم نفسه اجتماعياً وسياسياً كبديل عن الحكومة الشرعية الرخوة، والمجلس الانتقالي المرتجل في قراراته والقائم فقط على التدخل الإماراتي. 

منذ إعلان تأسيسه في العام 2019، ومجلس الإنقاذ يتصدّر المشهد في جنوب اليمن، ويعبّر عن تطلعات غالبية الجماهير الجنوبية، سواءً في رفضه للتدخل الخارجي في اليمن، حيث ارتفع صوته، خاصة في المهرة وحضرموت وعدن وباب المندب وسقطرى، أو في قيادته للاحتجاجات الجماهيرية ضد الفساد السياسي والاقتصادي، أو من خلال تمثيله للقضايا العادلة ضد التطبيع والمتاجرة بالقضية الفلسطينية والوطنية، كذلك مساندته للمجتمع ضد النافذين.

هذا على المستوى الداخلي، أما خارجياً فليس غريباً أن يصدر مجلس الإنقاذ بياناً رحب فيه وبارك بـ"التقارب العماني – السعودي، وإنشاء الدولتين مجلس تنسيق مشترك"، قائلا: "تابع مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي، بزخم كبير، تجديد أواصر الإخاء والمودة بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، إثر الزيارة التاريخية لجلالة السلطان هيثم بن طارق إلى المملكة، وتوقيع اتفاقية إنشاء مجلس سعودي عماني مشترك مبشر وواعد بالخير والرخاء على الشعبين الشقيقين"، وقبل ذلك رحب مجلس الإنقاذ بإستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة والرياض. ومن المرجح أن ترى دول الخليج، باستثناء أبوظبي، في مجلس الإنقاذ منافساً كبيراً للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، إن لم يكن بديلاً عنه في جنوب اليمن. 

في مقابل هذا الحظوة التي يتمتع بها مجلس الإنقاذ، داخلياً، والفرصة التي تتهيأ له خارجياً بالتزامن مع إعادة ترتيب الأوراق داخل البيت الخليجي، وقربه سياسياً من سلطنة عمان، إلا أن المجلس الانتقالي يتعرّض لنكسة تلو نكسة، بسبب تهوره السياسي والعسكري، وارتهانه المطلق للقرار الإماراتي. وليس هناك أكثر تعبيراً عن تدهوره داخلياً من ترحيبه بالتطبيع مع إسرائيل، حيث خسر على إثر هذا الموقف العديد من جمهوره وأنصاره، إضافة إلى عدم نجاحه في تحمّل المسؤولية، إذ لا يمر أسبوعاً واحداً من دون احتجاجات ضده نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة الفساد والنهب والسلب والعشوائية في المناطق الخاضعة لسيطرته.

أما تدهور المجلس الانتقالي على المستوى الخارجي، فقد عبرت عنه العديد من المواقف الدولية، أبرزها الموقف الأمريكي الذي شدد الأسبوع قبل الماضي، صراحة، على ضرورة التزام المجلس الانتقالي بتعهداته، وحذره ضمنياً من عدم الإيفاء بالتزاماته، وهذا هو أول موقف واضح وصريح لواشنطن ضد الانتقالي، ومثله تتعدد المواقف الدولية، الذي يأتي من أهمها الموقف السعودي، الذي بات ينظر إلى الانتقالي، نتيجة مماطلته في اتفاق الرياض، كـ"دود زائدة"، بحسب ما عبّر عنه الصحافي السعودي، القريب من السلطة السعودية، عامر البدري.

حسن الردفاني

أخبار متعلقة