محمدعمربحاح

 تستحق هذا اللقب عن جدارة ، إسمها سعيدة بنت عمر برقة .. يقول ابي انها انجبت له العديد من الأبناء الذكور لم يعش منهم غير اخوتي فرج ومحفوظ وصالح واختي آمنة ..
  مامن الم اشد على الأم من ان تفقد ولدا واحدا ، فكيف بعدد من الأبناء ، وكلهم ماتوا في سن مبكرة ؟! 
  مامن معنى كامل للحياة إلا بالإكتمال . والإكتمال لايكون إلا بالموت.. والإحتمال لايكون إلا بالصبر .. 
    بكت كثيراََِ .. حزنت كثيراََ ، فهي أم والضنى غالي .. ياالله كيف استطاعت ان تحتمل كل تلك الآلام والأحزان على فقد فلذاتها واحداََ إثر الآخر ؟. وفي كل مرة تأتيها الشجاعة فتتحمل آلام الحمل ، والوضع ، وعناء التعب ، والسهر ! لعل القدر يمهل ضناها فتكتب له الحياة ، وتقر بها عينها وعين ابيه !   
 ياالله كم دعت ، وتضرعت ، وصلت حتى يستجيب الرب دعاءها ؟.. وقد استجاب القدير فكان حصاد صبرها أن عاش لها اربعة ابناء ثلاث ذكور وانثى ، ملأوا عليها حياتها ، وجعلوا لها معنى . 
لكن ...
   نهر الأحزان لايتوقف .. يشق له مجرى جديداََ .. 
    ليس الموت وحده مايجلب الحزن ويستدعي ذرف الدموع ..اخذت الغربة من أمهات ونساء الديس أجمل سنوات العمر. ، وزينة شبابها . دفعت بهم الى البحار ، والقارات البعيدة ، في إفريقيا ،  والهند. ، وشرق آسيا ..أقربها عدن .. والكويت . 
   سعيدة عمورة لم تسلم من مرارة هذه الكأس .. شربت منه حتى الثمالة .. في الأول عندما ركب رجلها سفينة البحر إلى عدن ، ومن ثم إلى الصومال ، وتبعه إبنها الأكبر فرج .. وفي كل مرة كانت تبكي ، تحزن ، وتصبر ، وتنتظر ، وتدعو لهما بالعودة سالمين . 
  يغيبان ، لكنهما كانا يعودان دائمآ ، ولو كل عدة سنوات ، يملأن قلبها بالفرح . لكنه فرح مؤقت ، سرعان مايشدان الرحيل معا ، اوكل بمفرده . لتبدأ رحلة جديدة من الحزن ، والصبر ، والإنتظار .. فبقيت في البيت وحيدة مع حمويها ، ترعاهماوتشرف على شؤون البيت من طبخ وغسيل وتنظيف ككل امرأة في الديس ، وتربي الصغار ..
 عندما تزوج إبنها فرج وجاء بعروسه الى البيت فرحت كثيرا ، يومهاقالت شعرا في ظعينة خديجة فرج معيتبية ، وكان ذلك سنة 1953م : 
  " صبحينابلولة في الصدف مختبية
  نوب عايحتشي شاف المطارح زهية 
  نوب اهل الدويلة مامعك درية " 
 
   ثم تبعهما محفوظ .. الابن الثاني في سلسلة الغربة والسفر الطويل ، ليراكم كومة من الأحزان فوق القلب المتعب ، والصدر المثقل بأحزان العمر .. وعندما تزوج بابنة خالته فاطمة سعيد غانم 
 ضخ في البيت دماءاجديدة ، ودب فيه الفرح من جديد ، وعندما جاء احفادها عايشة واحمد وجميلة وصفاء ابناء ابنها فرج ، ومن ثم حفيداها صبري ونجيب محفوظ ، ملأ وجود كل هؤلاء الأحفاد في البيت فرحا ، ضحكا ، بكاء ، صخبا ككل الأولاد في الدنيا .. لكنه صخب لا احب منه لقلب الجدة .. الحبابة كما نقول في حضرموت .. عوضوها بعض الغياب لكن ليس كله .. بعض الحزن لا كله .. كان ثم ماينقص الفرح ، ويكدر صفو السعادة .. كان ثم دائما زوجا او ابنا في مكان بعيد خلف البحارتنتظر عودته .. مرة يكون زوجها عمر ، ومرة ابنها فرج ، وثالثة اخر العنقود صالح الذي كانت تناديه بلفظ التحبب " برودي "  وكان سافر لإستكمال دراسته الجامعية في رومانيا .. اما حجر الرحى فهو محفوظ وغيابه الذي طال اكثر من ربع قرن في مكان ما لاتعرفه حيث  انقطعت اخباره ! كل الغائبين يعودون إلا محفوظ ! اين انت يامحفوظ ؟ لماذا لاتعود ياولدي .. لماذا يامحفوظ .. لماذا ...
   وكل يوم بعد صلاة الفجر تصيح بحرقة الأم  : 
  يامحفوظ ... 
ولامجيب ..
وتصيح : يامحفوظ .. 
  ويجيب الصدى : 
  في الخليج .. 
  وتصيح بالخليج ! 
ياخليج ..
 ولامجيب !