أحزنني خبر وفاة الصديق والزميل الأستاذ محمد عبد الله مخشف "ملك الأخبار"..مساء يوم الأحد بعد معاناة طويلة من مرض السكر والضغط.
لي عبير ذكريات مع الزميل والصديق محمد مخشف الصحافي الفذ والإنسان الجميل..قبل أسبوعين عثرت على مسودة حوار كنت قد أجريته معه في صنعاء عام 2010عن مشواره الطويل في الحياة والصحافة والنقابة..عن ولادته وطفولته ونشأته الأولى في الشيخ عثمان /عدن وتعليمه في المدرسة الشرقية..ثم التحاقه بالعمل وهو مازال صغيرا لكي يعيل أسرته بعد مرض والده الذي كان يعاني من الربو..وقصة ارتباطه بصاحبة الجلالة من  فتاة الجزيرة وحتى الأيام..وكيف كان يعايش الأحداث السياسية كقيام ثورة سبتمبر 1962 في الشمال..واندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب.. والاقتتال الأهلي بين الجبهتين القومية والتحرير عشية الاستقلال ..ونزوحه  عام 1967 إلى الشمال والعمل في إذاعة صنعاء إبان حصار السبعين يوما لمدينة صنعاء..وعودته إلى عدن  اثناء احداث اغسطس 1968م..ومعاصرته لكل التحولات في اليمن الديمقراطي...الخ .
بيد أن حوار الذكريات ذاك لم ير النور بالكامل بسبب خلل فني في شريط  التسجيل..وقد عبرت له عن اسفي  اعتذاري في حينه.. وكان ان اتفقت معه على أن اكمل حوارنا عندما أزور عدن ..أو يكون هو في صنعاء في اي مناسبة ..لكنه لم يأت إلى هنا.. ولم أوفق أنا بالذهاب إلى عدن حيث هو يقيم ويعمل مراسلا لوكالة رويترز خلفا للأستاذ  محمد ناصر محمد -  أحد ضحايا حادثة الطائرة الدبلوماسية في 30 أبريل 1973م- الذي رشحه بدلا عنه  كمراسل لوكالة رويترز بعد تعيينه  سفيرا لليمن الديمقراطية في العاصمة اللبنانية بيروت. 
و هكذا هي الأقدار فقد كان الموت أسرع  في اختطاف فارس من الزمن الجميل -كان عمره كله صحافة- من بيننا في زمن  متشح  بالحزن والسواد حيث  بتنا نمسي ونستيقظ على وقع خبر صاعق يصدمنا برحيل صديق أو حبيب .. على أن ما يشفع لي أنني نشرت جزءا من الحوار مع الأستاذ مخشف ..خاصة ما يتعلق بالقسم الذي يروي فيه ذكرياته عن معايشته لأحداث ثورة 26سبتمبر 1962م وكيف رصد ردود فعل الجماهير في مدينة عدن- المستعمرة  البريطانية وقتذاك- إزاء إعلان قيام الثورة  والجمهورية في شمال الوطن.علاوة على  معاصرته لمواقف الصحافة العدنية في تغطية ذاك الحدث التاريخي الذي غير وجه الحياة في اليمن بخاصة .. ومنطقة الخليج والجزيرة العربية بعامة...ومما رواه لي الزميل  مخشف أنه في تلك السنة( 1962) كان قد التحق بالعمل في صحيفة فتاة الجزيرة لصاحبها الأستاذ المحامي محمد علي لقمان في وظيفة "الاستماع"  إلى الإذاعات العربية والأجنبية منها :صوت العرب من القاهرة وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC القسم العربي ) حيث تولى متابعة كل ما تبثه من أخبار وتقارير عن العالم العربي واليمن الشمالي وما يتصل بأحداث المستعمرة عدن في تلك الأيام.. ويقوم بتسجيلها في مسجل كبير عبر أشرطة (عجلة دائرية).. ويفرغ على الورق المناسب منها لنشرها في الصحيفة...وفي صباح يوم الخميس 27سبتمبر 62..رأى محمد مخشف في الشيخ عثمان حركة غير عادية في شوارع مدينته الناس  في المقاهي والمطاعم يتجمعون حول الإذاعة ..يسمعون ما تبثه إذاعة صنعاء ..ساعتها عرف بقيام ثورة أطاحت بالنظام الامامي في صنعاء ..فما كان منه الا أن أسرع إلى جهازي الراديو والتسجيل..ليرصد ما تبثه إذاعة صنعاء عبر الأثير  بين دقيقة وأخرى من بيانات ونداءات وقرارات صادرة عن القيادة العليا للقوات المسلحة الموجهة إلى الشعب اليمني شماله والجنوب ..فقام بتسجيل المواد عبر المسجل إياه ثم عكف  على تفريغها  كتابة على البياض وقدمها إلى رئيس التحرير الأستاذ لقمان ..لتنفرد "الفتاة" بنشر ملخص لبيانات ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام الف وتسعمائة واثنين وستين ميلادية  على صدر صفحتها الأولى في نفس يوم الإعلان عن قيام الثورة( 27سبتمبر 1962م) لكون الصحيفة " ظهرية " أي تصدر في الظهر..وليس صباحا.
تعود معرفتي بالزميل محمد مخشف الى مطلع ستينيات القرن الماضي ..عندما كنت أعيش وأدرس في كلية بلقيس ..حيث كان كثيرا ما يتردد على دكان والدي وعمي في حافة دبع (سكشن2) أصبح شارع الكويت بعد الاستقلال نوفمبر 1967.. ولطالما رأيته مرارا وهو يتأبط صحفا او مفكرة ...انقطعت رؤيته بعد انتقالي إلى تعز عام 1969م لكنني لم أنساه وغيره من زملاء الطفولة ومن شخصيات فنية وثقافية مرموقة ممن قدر لي معرفتهم في الشيخ عثمان...إلى أن رأيته في صنعاء أثناء مشاركته في إحدى مؤتمرات نقابة الصحافيين في الثمانينات..وتكررت  اللقاءات بعد قيام الوحدة في مايو 1990م.. فوجدته..هو.. هو لم يتغير..محبا وصديقا عزيزا وزميلا وفيا للجميع..لا بل وأستاذا تتلمذ على يديه العشرات من الصحافيين..كان طيب اللسان .. يتسم بعلاقة جميلة وإنسانية مع زملائه  ويتحدث بفخر واعتزاز عن أساتذته ومن عمل معهم..وعلى الرغم من كون محمد مخشف ليس منتميا للجبهة القومية أو الحزب الإشتراكي اليمني  فيما بعد الا أنه بقي على علاقة متميزة مع زملائه المنتمين تنظيميا وحزببا.. أهله استقلاليته عن لعب دور في قيام منظمة الصحافيين اليمنيين الديمقراطيين  بعدن في مؤتمرها التأسيسي المنعقد للفترة في 5 مايو 1976م ..ولكونه حظى بتقدير من أبناء المهنةو أرباب القلم فقد انتخب في كل مؤتمرات المنظمة عضوا في مجلسها المركزي ..ثم في عضوية نقابة الصحافيين اليمنيين بعد الوحدة منذ مؤتمرها التوحيدي الملتئم في صنعاء يوم 9يونيو 1990م.
والزميل محمد مخشف من مواليد مدينة الشيخ عثمان/عدن 1947م من أب ينحدر من وصاب/ذمار  وأم من قرية دبع  في الحجرية/تعز -إن لم تخني الذاكرة-..، وهو متزوج بنت الأستاذ الفنان الخالد محمد مرشد ناجي وله ثلاثة أبناء وبنت..عظيم التعازي وخالص المواساة للزملين الصحافيين العزيزين ريام وذو يزن محمد مخشف وإلى كل أفراد أسرة ال مخشف الكريمة. 
 
هذا ما أتذكره للتو..وكتبته بعجالة فور علمي بخبر رحيل الزميل الجميل الصحافي المخضرم محمد عبد الله مخشف..طيب الله ثراه ..لروحه السكينة والسلام