تتوغل اكثر في الحوطة، فتعطيك بيوتها المتلاصقة بحميمية، إحساسا بمدى قسوة الزمن، بلادة اللحظة، وقوتهما الغاشمة! وانطباعا بانها مجرد أطلال..بقايا ألق يقاوم الانطفاء قبل ان تفاجئك بخطأ ذلك الانطباع، فخلف الجدران المتهالكة، الساكنة تسكن الروح التي لاتموت ..شرط اية حياة.. القادرة على الإبداع وعلى البعث. 
  تدخل إلى واحد من تلك البيوت، فتجدها على عكس 
ماتوحي به من الخارج، تنبض بالحياة، تتمسك بها، بحقها في الحلم والارادة، وتتوهج بالنقاش فتملؤك يقينا بان المدن ليست البيوت اوالجدران، بل الناس..
الإنسان بوصفه القيمة العليا والغاية النبيلة في هذا العالم .
  وليس غريبا ان تجد في بيت آخر، من هاجسه خوض غمار البحث، حول وحدانية اللغة في العالم، منطلقا من البيئة واللهجة اللحجية، وينتهي إلى إستنتاج يقول به، وهوان اصل جميع اللغات هو اللغة العربية، وان الجذر الاصلي للغة العربية وبالتالي لكل اللغات في الكون هو اللهجة اللحجية، ويسوق الامثلة، ويجري المقارنات للتدليل على صحة مايذهب إليه، وليبرهن لك انه لايجدف في عالم الخيال اومنطلقه تعصب لهوية لحجية وبالتالي عربية، بل ان ماوصل إليه هو نتاج سنوات من الدراسة والبحث العلمي الجاد الرصين وحتى مع عدم إستيعابك، والتحصن بمنطق شكي، وعدم الاتفاق مع استنتاجه العلمي، غيرالمسبوق، لايمكنك إلا احترام الرجل وجهده واجتهاده سواء اصاب فيه ام جانبه الصواب، لأن المحصلة النهائية هي لمصلحة الإخاء البشري، ومادمنا جميعا اخوة مهما اختلفت دياناتنا واعراقنا والسنتنا ولغاتنا. 
  على العموم ،ليس هذا إلا موضوعا ضمن السياق لايمكننا الخوض في تشعباته المعقدة والشائكة، لان الالمام به يحتاج إلى عرض اشمل من تلميح كهذا،وإلى معرفة بعلم الالسن وإجادة العديد من اللغات لتأكيد مدى صحته، وربما إلى تحكيم علمي وإن لايحدونا الشك بثراء اللهجة اللحجية، وموفور مفرداتها، وقوة ادائها، وغنى تعبيراتها، وجمالها، وشاعريتها، وغنائيتها، وقدرتها على التصوير ،وهي امور نلمسها بوضوح في الغناء اللحجي، وفي الاشعار الغنائية للقمندان وشعراء الاغنية اللحجية امثال عبدالله هادي سبيت، وصالح نصيب،والكرد ، والاميرعلي مهدي ، وأحمد سيف ثابت ، اوفي إبداع شعرائها الشعبيين امثال مسرور مبروك ، وحمود نعمان ،ومحمود السلامي ،والمحلتي، الملئية بالمعاني والدلالات والقدرة المدهشة لتلك اللهجة على الخيال الشعري والفني، والتصوير الحسي، وعلى التعبيرعن الواقع والحياة والطبيعة والمشاعر الانسانية،  وايضا قدرتها على حمل الرؤى والافكار وعلى تصوير المشاعر الداخلية، وبالتالي مقدرتها- اللهجة - على الإيفاء بمتطلبات الناطقين بها من مفردات ومتطلبات اشياء الحياة اليومية وكل موجودات العالم الخارجي . 
لذلك فان إستخدام الشعراء للهجة اللحجية لم يأت من فراغ اوعن عجز، او عدم معرفة وإلمام بالفصحى بدليل ماكتبوه من اشعار بها، بل لإدراكهم بأن العامية اواللهجة اللحجية تنطوي على مخزون ضخم ومنظومة واسعة من المفردات والمعاني وعلى سطوع جمالي، وعلى قدرات تصهرها في نار الإبداع..وان الثراء الذي تتمتع به لن يعجزها عن التحليق بأي إبداع شعري وهو مالا يمكن 
قوله عن كل اللهجات.