اليوم  كان الجمعة ..... 
والوقت ساعات الصباح الأولى..
  كل شيء حدث في البيت، وكنت محظوظاً جداً إذ كانت إبنتاي عبير وسالي لم تناما بعد مما سهل نقلي بسرعة إلى الطواريء لتلقي العلاج في الوقت المناسب..
  بدأت المحنة،  وهي الأولى،عندماشعرت بصعوبة في التنفس، وبعدم القدرة على التحكم بالحركة، بالدوار والصداع.. لم تعد لأدويةآلام الصدر و   الحساسية" الربو" الذي أعاني وأتعالج منه منذ سنوات نفس المفعول السابق .
  حاولت أن أتحمل الألم لعدة أيام على أمل أن يخف أو حتى يختفي مع مرورالوقت وأخفيت الأمر عن أسرتي في القاهرة،زوجتي وبناتي وبالأخص عبير حتى لا أسبب لها ولهم القلق بدون داعِِ. لكن هذه الصغيرة الحبيبة "بنت أبوها" كما تحب أن تعرف بنفسها، والتي  لا يخفى عليها شيء من أمور صحتي ، لاحظت الأمر،  وظلت تلح في السؤال. وفي كل مرة أنفي أني أعاني من شيء... الألم هذه المرة كان شديداً فوق طاقة إحتمال جسدي ففضحني،فلم يعد
بالإمكان إخفاؤه أو الإستمرار في تجاهله أكثر من ذلك. وهكذا قلت لعبير وسالي وأنا أتنفس بصعوبة والعرق يتصبب مني:    - خذوني إلى المستشفى فوراً...
 في عيادة الطواريء ( التقوى   ) في هضبة الهرم  حيث أسعفتاني في البداية، وضعت بعد الفحص الأولي على أنبوبة الأوكسجين، لكني  فجأة تعرضت لنوبة تشنج وغياب عن الوعي واحمرار في الوجه وجحوظ في  العينين وتغير لون جلدي، والشفتين إلى الأزرق ،الأمر الذي شخصه الطبيب المناوب بأنه نقص في الأكسجين. 
  لم تتمالك عبير وسالي وغاب صوتهما في نوبة بكاء ..
 طلب منهما الطبيب نقلي فوراً إلى مُستشفى الهرم في الجيزة حيث توجد إمكانيات أفضل،لتشخيص وعلاج حالةالغيبوبة التي تعرضت لها خاصة أجهزة الأشعة المقطعية. وكانت تلك نصيحة الدكتور محمد إبراهيم أيضاً الذي كان يتابع الحالة مع إبنتي عبير التي تواصلت معه فوراً،  وعلى اطلاع بوضعي الصحي منذ سنوات،فنقلتاني على الفور إلى قسم الطواريءوالدموع والقلق يسيطران عليهما ..والألم العميق يمزق قلبيهما.
 هذه التفاصيل عرفتها فيمابعد من عبير وسالي، فقد كنت خارج الوعي لا أشعر بشيء مما يجري حولي .
 قالت لي عبير بعد أن افقت أنها و سالي طول المسافةالفاصلة بين العيادة إلى المستشفى كانتا تقرآن كل ماتحفظانه من القرآن وتدعوان الله أن يشفيني ويساعد أباهما على تجاوز هذه المحنة ، وأن الله سبحانه وتعالى استجاب لدعواتهما 
سريعاً، إذ أنني أفقت من الغيبوبة قبل وصولي إلى باب المستشفى بقليل . وكانت تلك الإشارة الربانية على حدوث المعجزة وتجاوز الأزمة. 
  سألتني عبير  والدموع تملأ عينيها من الفرح :
 - هل عرفتني ؟
   أجبتها : 
 -أكيد ...أنتِ عبير...
 حينها عرفت ان الله استجاب لدعواتها ،  واختها فلم تسعهما الدنيا من الفرح.    فشكرتا الله على لطفه وكرمه .
  في المستشفى، باشرت جلسات  نقل مزيد من الأكسجين، وأخذ عينات من الدم ،وتصوير الأشعة المقطعية للصدر، وفيما بعد للدماغ بطلب من طبيبي محمد إبراهيم بعد أن نقلت للمرة الثانية إلى المُستشفى ،حتى تجاوزت الأزمة بفضل من الله، فله الحمد والشكر على لطفه ورعايته.
   الأمر لم ينته عند ذلك، فقسم طواريء الهرم ليس فيه طبيب صدرية وحساسية فلم يرد أحد من الأطباء المناوبين المجازفة بوصفة علاج لي خشية أن يضاعف ذلك من حالتي ، لكن طبيب المخ والأعصاب الشاب طمأننا على نتيجة فحص الأشعة المقطعية والصدرية.
   من جديد بدأت رحلة البحث عن عيادة  صدرية مفتوحة في نطاق سكني بهضبة الهرم، فاليوم الجمعة، وهو يوم إجازة أغلبية الأطباء الأسبوعية .. 
..أخيراً وبعد بحث عثرت إبنتي عبير من الشيخ (جوجل ) على عيادة مفتوحة هي عيادة الدكتور مجدي محمد.التي كانت على وشك الإغلاق ومغادرة الدكتور،  لكنه بمجرد أن علم بالحالة قرر أن ينتظر حتى حضورنا، وقد جاوزت التاسعة مساءً.
اطلع على نتائج الفحوصات التي أجريتها في المستشفى، وخلال ذلك أخذت تشرح له عبيري تفاصيل ماتعرضتُ له بدقة، فطمأننا على نتائج الأشعة للصدر والمخ وفحص الدم، وأجرى مزيداً من الفحوصات،ووصف لي العلاج والدواء المناسبين   وبمجرد أخذه شعرت بالتحسن والقدرة على التنفس الطبيعي فعرفت أن جسدي بدأ يستجيب للعلاج فله مني كل الشكر.

                       2


  "الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لايراهاإلاٌَ المرضى". مثلٌ كنا نسمعه من آبائنا ونردده ونحن صغار دون أن نعرف انه مثل إنجليزي ، ودون أن ندرك معناه الحقيقي.تاه منا في دوامة الحياة، وربما نسيناه رغم أننا تعرضنا في خلال عمرنا لشتى الأمراض أو تعرض لها غيرنا من الأهل والأقرباء والأعزاء ، لكني استعدته  خِلال الأزمة التي تعرضت لها ،وعرفت قيمةماتعنيه الصحة للإنسان في أعمق معانيها، بعد أن تجاوزت مرحلة الخطر والحمد لله بفضل عنايته ولطفه وكرمه والسرعة التي نقلتني بها إبنتاي عبير وسالي إلى المُستشفى .
  وبقدر ماأن المرض مؤلم للمريض ، فإنه
أشد إيلاماً لأهل المريض، ولقد رأيتُ مقدار الألم والفزع والخوف الذي عاشته أسرتي خلال تلك الساعات العصيبةالتي أظهرت خلالها حبها العميق وخوفها الشديدين، وهو أمر طبيعي في كل أسرة، نشعر به في كل وقت، لكنه في حالة المرض يكون أكثر وأشد بروزاً، ويعبر عن نفسه بتلقائية. وقد عشته بكل إحساسي وجوارحي من خلال دموعهم ونظراتهم وعناقهم ودعواتهم الصادقة من القلب  ..
مشهد لايمكن أن يغيب عني مدى الحياة..
  الشكر وحده لايكفي ..إلى "بنت ابوها" عبير وابنتي سالي. وعقد الشكر يمتد إلى ابنتي أسيلة وابني أسامة، وزوجتي أسماء، الذين هرعوا إلى المُستشفى على الفور وهُم على قلق وخوف، وإلى سبطي عبدالرحمن " بودي " الذي اجهش بالبكاء ما أن علم بالخبر ولايناديني إلاٌَ "بابا"،فقد كان لهم الفضل بعد عناية  الله ولطفه في تجاوز الأزمة،حيث أحاطوني بحبهم وعطفهم ودعواتهم ، واحمد الله كثيراً إذ منحني عائلة محبة تخاف علي كل هذا الخوف ، وتحبني كل هذا الحُب ، بوجودهم حولي شعرت أني لست وحدي.
  ماأروع أن يكون للمرء أناس يحبونه في كل وقت ، وفي كل الحالات بدون 
مصلحة شخصية أو منفعة من نوع ما..
 هؤلاء نادرون لكنهم موجودون في الحياة ويظهرون في الأوقات الصعبة.
   ومن هؤلاء الصديق والأخ العزيز د. محمد مثنى الذي تحامل على مرضه وظل يتابع حالتي من على البُعد من مُغتربه في الولايات المتحدة، فمعادن الأصدقاء لاتظهر إلاًَ في مثل هذه المحن والمواقف الصعبة، واعتبره أفضل صديق حظيت به خلال السنوات الأخيرة..
 وإذ اشكر أحداً فلا انسى الدكتور محمد إبراهيم الذي رغم إجازته الأسبوعية- إذ كان يوم جمعة- لكنه ظل يتابع حالتي مع ابنتي عبير التي استدعاها قلقها وخوفها على أبيها أن تتواصل معه فلم يبخل عليها بإرشاداته ونوع الفحوصات المطلوب إجراؤها لي في المستشفى، في حالتي تلك، فكان نعم العون والمرشد وهو الأعلم بطبيعة مرضي بوصفه الطبيب الذي اتعالج عنده منذ سنوات.. أشكره على صبره ولطفه وعنايته بي وبمرضاه.
 والشكر موصول إلى طاقم الأطباء والفنيين والممرضين في مستشفى الهرم  بالجيزة( قسم الطوارئ )رغم الضغط الشديد الذي يتعرضون له وزحمة المرضى والمرافقين لمرضاهم الذين يدفعهم القلق على أحبتهم الخروج عن طورهم في بعض الأحيان. 
 وإلى أهلي في عدن وحضرموت من آل بحاح، وإلى أسرة زوجتي من آل زيدان جميعاً بدون استثناء في عدن ومصر والسعودية،وكل الأهل والأصدقاء الذين تواصلوا عبر الواتس أو الهاتف للاطمئنان على صحتي خاصة جاري العزيز هادي الوليدي فلهم جميعاًعظيم شكري على مشاعرهم النبيلة فقد كان لسؤالهم وقلقهم أثره العميق في نفسي وأسرتي . 
  خِتاماً أقول :
الصحة نعمة ربانية عظيمة يجب أن نشكر الله عليها في كل وقت ونقدرها ونحافظ عليها.