عفراء خالد الحريري
( مع الاعتذار لأولئك اللذين واللواتي يخدموا/ن العدالة دون قبول التعليمات ) 
 -----------------------
في أحيان كثيرة ، لا أحبذ الكتابة عن فساد القضاء كمنظومة(إدارية)  وفساد القضاة  ، على إعتبار أنه سلوك فردي يخص من يقوم به ، وأقصد هنا الفساد الذي يتعلق بالمال كرشوة أو سمسرة أو مصلحة مادية خاصة ، ولدينا في هذا نماذج قد رفعت بشأنهم ( رجال ونساء)  شكاوى إلى هيئة التفتيش القضائي ، التي لم تحرك القلم بجرة واحدة لتصدر قرار في هذه الشكاوى ، لأن القاضي فلان هو صديق القاضي علان ( رجال ونساء) .
إلا أن الأمر الذي ينبغي الوقوف حياله وتجاهه هو الفساد الإداري الذي يستند على سلوك غير مؤسسي ، يرتبط بتدخلات كبار القضاة والقوى السياسية التي تحكم دولة هشة ، و فاقم الفساد المالي والاداري للقضاة هشاشتها . 
 ومن المؤسف أن يمارس القضاة عمل سياسي في مهنتهم ، بحيث أصبح جليا أن الفساد القضائي يرتبط ويتأثر بالتأثيرات الخارجة عن القضاء ، فاليد الطولى للقوى السياسية تصل إلى تنظيم المستويات المهنية للقضاة ، ولايخفى على أحد هذا الان ، بأن عدد من القضاة ماكانوا ليتولوا مناصبهم القضائية لولا تبعية مجلس القضاء الاعلى ، و أن البعض من وظائف أخرى في منظومة القضاء ( من المفروض أن يتبعوا السلطة التنفيذية)  ، إلا أنهم يولوا مهام وصلاحيات القضاة ، وبالطبع ماكان هذا ليحدث إلا لشلل هيئة التفتيش القضائي ، وإلا كان الجميع تعرض للمساءلة ، وتوقفت المحسوبية و التدخلات الواسعة في أعمال القضاء .
لقد وضعت قضية فضيلة  القاضي وهيب فضل علي رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة العديد من التساؤلات لدى كثير من القانونيات و القانونيين ، والتي لم تجد لها إجابة حتى لحظة كتابة المقالة ؟! ، فالقاضي الفاضل وهيب بعد أن بح صوته وصوت المحاميين المترافعين ( نساء ورجال)  فيما أورده في قرار الحكم الصادر من قبله في يوم الاثنين الموافق ١٨يناير٢٠٢١م الذي جاء فيه ( - إلزام رئيس الجمهورية بتشكيل مجلس أعلى للقضاء يتولى القيام بواجباته ومهامه المنصوص عليها بالقانون ومنها توفير الحماية للقضاة وعدم التدخل في شؤونهم .
- إلزام النيابة الجزائية لمختصة بإحضار المتهمين في هذه القضية من محبسهم في جلسة الخميس ٨ جماد الآخر ١٤٤٢ه الموافق ٢١يناير٢٠٢١م ، وعليه أقفل المحضر ) ،  فهذا جاء بعد بحة الصوت وإرتفاع الضغط ووجع القلب ؛  وتبين كم أوجعت  هذه الفقرتين مجلس القضاء الاعلى ؟ إذ أنه في ذات اليوم و(بغض النظر ) عن حيثيات الحكم ، وحيث لايستدعي الأمر برمته أن يخرج إلى العلن قرار بتعيين قاض آخر رئيس للمحكمة الجزائية المتخصصة والمؤرخ في ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٠ م ، ( مرفق بخطابين " خطاب تعيين ق.يحي السعيدي وخطاب أستلام وتسليم" من ق. وهيب إلى ق. يحي السعيدي) ؟! إلا أن الأمر قد تم ، وكأنه رد فعل .
 لقد وعدتنا السلطة الشرعية بقوامها السابق والحالي  بالمحافظة على إستقلال القضاء ، وإذا بنا نكتشف و نأسف على مانشاهد ونسمع ، نتيجة لإستعمال السلطة الحالية مستحضرات تطهير القضاء ( ويبدو أن التطهير سيكون من القضاة المشهود لهم ولهن بالنزاهة و الكفاءة والاستقلالية ) ، والأمر الآخر أن تعيين نائب عام " ضابط من الداخلية " دون الرجوع الى مجلس القضاء الاعلى أو بناءا على مقترحهم كما ينص القانون ، لم يؤرقهم و يغضبهم ، كما هو الحال فيما جاء به قرار ق.وهيب ، وكذلك الوضع بالنسبة للناديين القضائيين ( في قضية ق.وهيب).
فهذه الأمور  "كأمثلة " ...وغيرها هي التي تجعل القضاء واقع تحت الضغوط السياسية ، وقريبا سنسمع عمن سيتم توقيفه قبل الاستماع إليه و إلى شهادته وأدلته وبدون إبداء أسباب ، و يكون لدينا قضاء تعليمات "نفذ ثم ناقش"   . 
فهذه التدخلات ليس وحدها سبب في إفساد القضاء ، بل صمت القضاة و اللامبالاة و الاستسلام والازدوجية في العمل والمحسوبية والوساطة...الخ ، هي التي أدت إلى إنتشار الفساد إغراءا وترهيبا فيه ، مما يفاقم من ضعفه و يمهد لمزيد من الافساد ، و تعيين النائب العام الجديد خير مثال على أن السلطة الرئاسية تعتبر السلطة القضائية ضمن فساد النظام السياسي ككل ، فهي من عينت كل قاض في موقعه ومنصبه خاصة بالدرجات القضائية العليا و التي تليها  و لديها بالتأكيد مفاصل ضعفه وقوته ، و تدرك أنها سلطة قضائية ترضى على نفسها عدم الإلتزام والخضوع للقانون و سيادة العدالة وهي التي تتحمل مسؤولية ضياع تلك "القواعد والقيم"  ، و تنأى عن إستقاليتها بعيدا ،  فترى من الظلم والباطل  ماتراه ولاتحرك ساكن ، فهي بالتأكيد ستقبل وتتقبل التعليمات السياسية مع بعض الضجيج ، وفيما بعد بدون أي إعتراض.