الحقيقة المرة  التي علينا الاعتراف بها ونبني عليها اختيارات الحل , اننا فشلنا منذ انتصار ثورتي سبتمبر واكتوبر , في ترسيخ دولة محترمة , تحترم المواطنة والتعدد السياسي والفكري والعدالة الاجتماعية .

اذا لم نستطيع إنتاج دولة محترمة في الشمال ,أنتجنا في الجنوب دولة كانت صادقة للايديولوجيا , وعملت من وحيها , وامن وجيش ومؤسسات حامية ومدافعة عن هذا الوحي , وحي منتج من صراع الأقطاب في العالم , اقصى وهمش الرأي والفكر الآخر , وكان سببا رئيسا للفشل , أحلامنا هي أحلام الانتصار في معركة مع  القطب الآخر , وغرست فينا ثقافة الصراع مع الآخر , مصدر ثقافتنا ومعرفتنا محصورة , بإذاعة وقناة تلفزيونية , وحلقات تثقيف ايدلوجي , ومن أراد اقتناء كتب او صحف او مجلات , لابد ان تمر على رقيب الاستخبارات , ليتدخل القلم الأسود ليحجب علينا الأفكار الغير مسموح تناولها , لنبقى مأسوري للفكر ,  لم نرسو على فكر بذاته , بل تناقضات الفكر الواحد كان لها أثرها , تمزقنا إربا إربا , لجماعات اليمين الانتهازي واليسار الانتهازي , ولم تتوقف قائمة التصنيف حتى يومنا هذا .

اشتد الصراع دمويا , صراع قتل منا ما قتل ونفى منا ما نفى , ولم يبقى غير الخوف وعدم الثقة , ومشهد الاصطفاف عصبيات ونعرات ( مناطقية وجهوية وأيدولوجيا ) , خوف دفع للبحث عن مأمن , كان يرى في الوحدة فرصة لتحقيق أحلام الجميع , الفكرة السامية التي استساغتها الناس , وراهنت عليها القوى السياسية  لفتح ابواب واسعة للشراكة والديمقراطية والتعدد السياسي , وتجاوز الصراعات الدموية لصراع الأفكار الناعم والتنافس المنضبط بعقد اجتماعي ضامن للدولة المحترم التي تحترم حق الآخر بالمواطنة والحريات والعدالة .

فكرة كانت بحاجة لوعي يتقبلها , وعي مفقود لدى القوى التقليدية التي كانت تشكل معظم مكونات المجتمع , قوى لم تجد بعد ضمانات تبدد مخاوفها من النظام الجديد , واعتبرته مؤامرة على مصالحها , فكرة لم تهيئ لها الساحة , بعدالة انتقالية , لتحقيق عدالة اجتماعية وتصالح وتسامح , يرأب الصدع الذي كان قائم , ويردم الهوة بين المتخاصمين , ويعالج كل الشروخ التي سببتها الصراعات , ويقدم ضمانات حقيقية للجميع , ويلغي فكرة التقاسم للسلطة , ليفتح مساحة واسعة لشراكة حقيقية للجميع .

كل هذا الفشل تفجر في وجه الوحدة , وانتج حرب 1994م الكارثية , لتتواصل سلسلة  الكوارث , مع ما قبلها  من حروب عبثية كأحداث قحطان الشعبي وأحداث الحمدي وسالمين أحداث 13 يناير , وكل حدث يغذي الآخر , والمحصلة تغذية سلسال الدم الذي لازال ينزف ليومنا هذا , وعاجزين على إيقافه , أو حتى ترسيخ دولة تعالج تداعياته ونتائجه الكارثية .

وعاد البعض للهروب للأمام بفكرة الانفصال , ويبقى السؤال هل الانفصال يمكن ان يعالج كل تلك النتائج ؟ الجواب إن الانفصال مجرد وسيلة , مثله مثل الوحدة اليمنية , وسيلة لترسيخ دولة محترمة , تحترم حق الجميع بالحياة وتقدم ضمانات الشراكة للجميع دون إقصاء وتهميش واجتثاث وكراهية , فلا جدوى من انفصال لا يحقق ذلك , ويعيد تكرار ماسينا و صراعاتنا , انفصال لا يجد الناس أنفسهم فيه , ويجدون أنفسهم متهمين مصنفين مهمشين مقصين , مطاردين منفيين , بالضرورة يرفضونه , وينقسم المجتمع حوله بين  مؤيد يلبي قناعاته ومصالحه , ومعارض فقد حريته وحقه في التمتع بالمواطنة والعدالة والحياة .

تبقى فكرة الدولة الوطنية الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة هي الضامن الحقيقي للخروج من مآسي الصراعات والنزاعات والتجاذبات السلبية , وقف سلسال الدم النازف , كانت في دولة اتحادية ام في دولتين , فكرة تحتاج للتوافقات وحوار للأفكار , وان نضع السلاح جانبا , تحتاج للتكتلات وطنية بعيدة عن الارتهان للخارج , تحتاج لمواقف شجاعة يرفض الدعم الإقليمي والدولي لفرض واقع بالضرورة لن يقبله الآخرين , يرفض دعم استمرار الصراع , واعادت تموضع قوى تخدم أطماع واجندات الداعمين , نحتاج ان نبني مؤسسات دولة محترم , تفتح مساحات واسعة من الحرية , وتضبط إيقاع الحياة والعلاقات بالدستور النظم والقوانين الضامنة لذلك , ونترك للمخاض  يفضي لإرادة شعبية في واقع صحي وسوي , قادرة ان تفرض حق تقرير المصير بصندوق استفتاء وانتخاب سلس غير ملطخ بالدم والانتهاكات , الذي سيدير المنظومة , إرادة شعبية تعرف مصالحها الحقيقية , ترفض العصبيات والجهوية والطائفية والايدلوجيا , وتصطف مع قانون ونظام منضبط بدستور , تقف موقف رجل واحد أمام أي خلل في العقد الاجتماعي ( الدستور ) , فهل قادرين ان نكون محترمين باحترام النظام والقانون , واحترام بعض , لنحقق وطن ينافس بقوة في عالم لا يحترم غير الأقوياء بالعلم والمعرفة والمهارات والكفاءات واستغلال جيد لمقدرات البلد قدرات أبنائه , والله يوفقنا .