ينتقل الشاعر عبد الرحمن السقاف في ديوانه ( مدينة بلابيوت ) باسئلة القلق من الخاص والتجارب الذاتية إلى الشأن العام وشؤون الوطن ، فلايمكن إنجازمجد ذاتي ، في الوقت الذي يعاني فيه الوطن من آتار الحرب ، وضياع الأحلام ، ولايمكن تضميد جراح الذات ، والقلب ، بمعزل عن علاج هموم وجراح الوطن ..
  و( صيحة ) السقاف لاتخلو من الاسئلة ، لكنها هذه المرة لاقلقة ولاحائرة ، بل محرضة على الإقدام ، والفعل ، وعلى تجاوز الصعب والمستحيل ، وكسر حاجز الصمت ، واختراق جدران الخوف ، والإنطلاق صوب رحاب السماء ، والموت بشرف واقفا كالاشجار . فالقضية تستحق ركوب الصعب ، والتضحبية من اجلها : ( هل لك الآن ان تشد الرحال / ان يضج المساء بك / في احتمال النشيد ؟ ) .    فالواقع القاسي ، المهيمن ،لاتكفي الصرخة المخنوقة على اقتحامه بل ان ( تجدإلى اقتحام الرصاص / فيلقا من دماء / لازدهار الغضب /؟). انها دعوة اوصرخة لاتكتمل إلابالتحريض على الفعل : ( ..فانهمر ) و( انتفض ) و(انفجر ) كلها تحريض وحض على الإقدام على فعل شيء : ( فانهمر موطنا لايجف الحنين / لاحتضان العراة / في سنا برقك ) ..( وانتفض وارفا في إخضلال الرؤي / بيرقاواحدا في سماء النداء الأخير ) .. ( وانفجر مزهرا قولة واحدة / تستحيل اللظى كي يهب / دفعة واحدة / في اكتساح اللهب ) .
  لكن دعوة السقاف إلى التمرد والثورة ، تتبع لغة شفافة ، فبعد لجوئه على استخدام مفردات التحريض على الفعل مستخدما صيغة الأمر : انتفض ، انفجر ، انهمر ، وهي مفردات في سياقها الشعري تدل على فعل التحريض لتحقق الغرض المطلوب منها وهي مما يفهمه ( المُحَرض ) ويسمعه في الخطاب السياسي والإعلامي ، او في إنهمار السيل ، ولايصعب عليه إدراك فهم المقصود به ، فان السقاف يشكل مقابله فضاءا نصيا في ثنايا نفس البيت الشعري ، يبدومتناقضا معه في الظاهر ، لكنه في الواقع ، وفي جوهره الحقيقي انسنة لفعل الثورة والانتفاضة والانفجار ، الذي عادة مااصبغ عليها العنف والدمار والدماء . فيبتعد بها السقاف عن ذلك التاريخ المألوف من العنف وإراقة الدماء والفوضى الذي الصق بها ، ويمنحها عمقا خاصا ، ونفحة إنسانية ينبغي ان تكون من طبيعة الثورة بعد ان اساء إليها الثوار والعسكر والحكام واللصوص ، ونحوا منحى دمويا ..سبب الأسى وخيبات الأمل . فالثورة تعني الحب لاالموت ! ( وانتفض وارفا ).. ( وانفجر مزهرا ) تعني التنمية . وهذه الدعوة إلى الإنتفاض الوارف ، والانفجار المزهر ، يحول بينها وبين العنف والانتقام ، مستخدما جماليات اللغة وشعريتها ، ليخلص دعوته وقصيدته من العادي والمألوف . وهو يدعو شعبه السادرفي دجاه وحده ، الايقف صامتا كالخشب ، وان ينفجر دفعة واحدة في صحاري الذهب ! وينضم إلى ركب الشعوب الحرة المتقدمة ،  بالتنمية والرفاه الاقتصادي ، وليس بالشعارات .

                               ( 2)  
  
 وتتكثف الحيرة واسئلة الوجود امام لغز الحياةوالموت . في (الغرفة ) المهداة إلى روح النقابي الفقيد عبد الله علي مرشد . وقد كتبها الشاعر بعد زيارة لغرفته ، المسجى فيها ( لاذ بالفرار إلى الموت ! ) وهو الذي كان يلوذ اليه خوفا كل من في القرى ) ..لقد انحنى اخيرا ذلك الذي ماانحنى ، كان هو الضوع والنور ، الذي صفقت له الدنى .. وكان هو المليك . 
  ان الشاعر مذهول بقدر ماهوحزين ، لكنهما ذهول وحزن لايخلصانه من قلق ومشروعية الأسئلة التي يثيرها الألم عندما يدخل إلى الغرفة المسجى فيها جثمان مرشد ..لكنه لايراها إلافارغة ، فقد مات شاغلها ..لم يعد سوى جثة راقدة اوهامدة ! 
   وفي ( صباح المغني ) يواصل إثارة الأسئلة التي نثرها في ثناياوزوايا اغلبية قصائد ديوانه ( مدينة بلابيوت ) لكنه هذه المرة ليس حائرا كماكان بل يملك الجواب واليقين ، فهذا خياره كشاعر اواختياره وحده ، وهوقادرعلى حسم موقفه ، وعلى الدفاع عنه لأنه مؤمن به ، ولاينتظر مساعدة من احد ، اويبحث عن حل عند الآخر ..وبنفس القدر عنده الثقة بان كل الناس ، كل النهارات ستقرأ شعره وتسمع غناءه : 
" سيبقى المغني يغني 
 ستقرأ كل النهارات شعره " 
 وهو مصر على الغناء لانه قدره ومصيره ، بل هي رسالته في الحياة ، حتى لوضيقت الحياة بتعقيداتها واعبائها صدره وصدور الذين يغني لهم ..حتى لومات على صدر قول شاعر في عذاب الطريق / حتى لو كانت القرى النازفات بالتعب لاتجيب ، اوتفيق ! /حتى لوجفت الحقول في الصدور ، وتحول الكلام إلى يباس وضيق ،/ والصبايا يرحن ..يجئن ، جرار الظما حاملات الهموم في انطفاء الحريق ! 
  ويسأل : ماذا يضيف المغني اوالشاعر إلى صدور الذين يغني لهم غيرهمِِ وضيق ، وبماذا سيأتي لهم خاطر يقوله لهم اوموالُُِ انيق ؟ ( ولماذا إذن يكتب العاشقون / رسائل وهمِِ ...خيالا طليق / وتلك القرى لاترى فنهم ؟ ) لكن لأنه واثق من ان شعره وغناؤه سيفضيان إلى شيء فهاهو يقول بلغة الواثق : 
  ( سيفتح بابا 
 بجدر الليالي ..يشق طريق ).
   انه يملك اليقين هذه المرة ، قدره واختياره ، صوته الملىء بالحب والحنان والتصميم ، ويقظة الضمير ، انه لحنه الشجي ، مواله الجرىء الذي ينشغل به . ليجلونهار الكلام ، بعد بياضه كي تخب خيله ويمضي لزهر الأغاني ، ويرحل إلى اين ؟ ليضمخ كل البوادي ، بعطركحادِِ ، يرود صحاري البلاد ، ل بعيد..لأرض الحضارات شيئا بلحنه ، ويحلم .. ويغني لسد عصي تحطم . لكن إلى اين ستمضي القصيدة ؟

                           ( 3)
  
  ( نقول : 
- سيحكم شعري 
يحمل دنياوكوناباسره 
ويمضي يرش الزمان 
صباحا مساء بعطره 
وينشر ضوعا 
سخيا بسحره 
سيمضي الصباح / 
حديث الدوالي 
لشعر يضم 
الزمان / المكان 
لاسرار سره 
سيبقى المغني يغني 
سيمسح دمعا 
 اذا ماتحدر
على خد زهرة
سيبقى المغني يغني 
ستقرأ كل النهارات 
شعره .)

"