كثيراً ماتتوه منا بعض التفاصيل في زحمة ومعترك الحياة ونفتقد أشياء رائعة وجميلة كانت ذات يوم  عنوان للتألق والفرادة والتمييز وشكلت ذائقتنا بل وملأت صباحتنا وأمسياتنا بعطاءاتها النوعية وبأغاريد الضياء والنور والفرح كما كان لها حضور لافت بهي مبهج آخاذ ..

 وفي غفلة من الزمن تضيع كل تلك المعاني والأشياء التي تحمل بين ثتاياها قيماً فنية وإبداعية وأخلاقية وإنسانية وتبقى في عقولنا وذاكرتنا راسخة ثابتة كوشم على جدار الزمان والمكان الى ماشاء الله ..

بعد سنوات من الغياب الذي تجاوز 4 عقود من الزمن تفاجأت بإتصال هاتفي غمرني بفيض من السعادة وبث في قلبي الغبطة أستعدت من خلاله العديد من صور ومواقف شريط الذكريات في زمن صدى السنين الحاكي ،

 الحقيقة كان ذلك التواصل مع أخي الفنان المبدع ناصر سالم البيضاني الذي شهدت مدينة عدن مسقط رأسه ثم دراسته الإبتدائية في مدرسة علي سالم اليافعي (بالمعلا) ومن ثم تخرجه من المعهد الفني (بحافون) عاش ريعان شبابه وبواكير نبوغه الفني الإبداعي في مدينة (عدن الحبيبة) كان منذ بداياته وصباه ويفاعته حتى بلوغه وولوجه عنفوان مرحلة الشباب مثال يحتذى بسلوكه وأخلاقه ونتاجاته الفنية المتفردة ..

ربما لايعلم الكثيرين وتحديداً جيل الشباب عن الفنان ناصر سالم شيئ ولم يسمعوا صوته الدافئ العذب كما أن الإعلام بصورة عامة لم يعتني بما قدمه هذا الفنان بديع الصوت رائع المشاعر والأحاسيس ..

ومما يستحق الذكر أنه يعد من التلاميذ النجباء في مدرسة القامة الفنية الباسقة الموسيقار يحي مكي المربي الفاضل صاحب النهضة الموسيقية التي إتكات على علوم ومنهاج الموسيقى العلمي في مدارس عدن وتبني العديد من المواهب الذين يمتلكون حالات إبداعية إستثنائية خاصة ورفدها بالرعاية والألحان عالية الأثر والقيمة الجمالية رفيعة المستوى ..

 
  كان الحبيب( الناصر) من خيرة من تبناهم الموسيقار البارز يحي مكي في الستينات من القرن الفارط وتجلت ذروة ذلك التبني والعطاء ( للموسيقار الخالد يحي مكي) تحديدا من قبل وبعد الإستقلال الوطني في عام 67م ولعل من أهم إنجازات الموسيقار يحي مكي تأسيس وتشكيل فرقة البراعم الذي كان قائدها الصديق والحبيب رحمه الله عليه الدكتور أنور عبد الخالق إضافة لدوره في تدريب وإدارة الفرق النحاسية والوترية بشكل أكاديمي ومنحها الاوبريتات الإستعراضية والألحان (القمة) التي قلما يجود بمثلها الزمان ..

في واقع الأمر الحديث عن تلك الحقبة الزمنية ذو شجون وزاخر بالتألق والعطاء على كل الصعد والمستويات الفكرية والعلمية السياسية والفنية والرياضية والمسرحية ومن الصعب إيجازها بهذا المقال المقتضب الذي أحاول جاهداً أن يكون محوره في ضميري ونفسي تعريف الجماهير بشخصية فنية محبوبة ورقيقة أنه المطرب ناصر سالم كمبادرة لإبراز أهم عناوينها من وجهة نظري المتواضعة الوفاء والعرفان لمن يستحق ذلك الحبيب المبدع ناصر سالم الذي رحل وغادر الوطن مبكراً من الحبيبة عدن الى مجاهل الغربة وسفر الترحال في عواصم ومدن مختلفة بعد أن ترك مجال الفن والغناء وأمتهن وظيفة أخرى لاتمت للغناء بأي علاقة وصلة مطلقاً .. طلباً للبحث عن العيش والأستقرار والسكينة والهدوء نعم غاب عن الوطن ولازال حتى اللحظة يتحين الوصول الى معشوقته الأبداية عدن وتنفس هواها والإستمتاع بالتجوال والطواف بين شوارعها وأزقتها وحواريها مراتع الطفولة والصبا والشباب ..

قدم الفنان ناصر العديد من الأغنيات ذائعة الصيت وقام بتسجيلها لتلفزيون وإذاعة عدن لعل أبرزها كانت بعد الإستقلال وبعد أن تولى الرئيس السابق قحطان الشعبي دفة الحكم ورئاسة الجمهورية غنى في حفل كبير في ملعب الشهيد الحبيشي أغنيته الشهيرة ( أيها السيد الرئيس يازعيم نضالنا بالتهاني والأماني لك في يوم عيدنا ) ..

وحظيت بنجاح شعبي جماهيري واسع النطاق 
 وبعدها توقفت لإسباب سياسية لانريد الخوض في تفاصيلها بهذا المقام  وكان ذلك عام 68م بعد رحيل الرئيس السابق قحطان الشعبي ..

 تم جاءت تباعاً تسجيلاته الغنائية أتذكر منها هذه الأغنيات الحاليات العذاب : مر حبيبي سلم /  أنت ملكت الجمال والصبا/ جسر الهوى عطشان/ يانازله للبير يابوي أنا بأطير .. وغيرها من الأعمال الرائعة والخالدة ..

 والحقيقة كانت منتشرة قبل أن يغادر عدن وبعد سفره تلاشت وبعضها قام فنانين أخرين بتسجيلها وللأسف نسبت اليهم بسبب غيابه وعدم حضوره بل وإنقطاع تواصله مع وسائل الإعلام بشكل تام ومطلق الأمر الذي ترك فراغاً لم يسد حتى كتابة هذه السطور ..

قدم له العديد من الملحنين الحان مستقلة على سبيل المثال لا الحصر/ الموسيقار يحي مكي / المبدع حسن فقيه/ وشقيقه حسين فقيه وغيرهم من الملحنين العظماء في تلك الفترة الفنية الإبداعية الذهبية ..

 أتمنى أن أكون قد وفقت في إقتطاف بعضاً من خمائل حديقة الفنان الجميل ناصر سالم البيضاني وفي تسليط الأضواء عن تجربة فنان يستحق كل الثناءوالتقدير والإشادة والوفاء والعرفان ..

كما أرجو من الله التوفيق في طرح النقاط على الحروف فيما تبقى من ذاكرتي ومتابعتي لكل من أبدع وخدم الوطن فبادلناه بمشاعر الإمتنان والمحبة وقول كلمة الحق في نصابها ولمن يستحقها بجدارة في زمن الجحود والنكران ..

و أدعو الله أن يلتمس أخي ناصر سالم محاولتي الكتابة عنه دون طلب وقرأت تجربته من خلال هذا المجهود المتواضع التي إختزلته ذاكرتي عندما كنت طفلاً صغيراً فلم أجد مرجعاً ولا أرشيفاً أعود اليه مكتوب عن الفنان ناصر سالم أو تسجيلات على الأطلاق ..

فليستسمحني عذراً على أي تقصير غير مقصود فما سطرته إنتزعته من الذاكرة المتعبة من ضنك الكتابة والغناء والتلحين في وطن لايجيد ولايعي قيمة كلمة ( مبدع) ..؟!