ماأن يقترب الثلاثين نوفمبر كل عام ، حتى تتحرك شبكةالأقلام والألسن ومفاتيح الهواتف النقالة والمطابع والمطابخ في مثل هذه الأيام خلال السنوات الأخيرة،  والكل يحاول إخراج مافي جعبته،أو
جرابه من  مشاعر متناقضة تجاه يوم الإستقلال الوطني .
 البعض شهيته مفتوحة للقصاص من 30نوفمبر 1967، بسبب خسارته  لمشروعه، ناسيًا أو متناسيًا الفرحة والربح الأكبر للشعب وثورته ونضاله  الذي توج بنهاية إحتلال دام لهذه الأرض 
129سنة،حتى وصل الجنون أو الحقد الأعمى بالبعض إلى نكران كل نضالات شعب الجنوب من  أجل نيل حريته واستقلاله وقيام دولته الوطنية ، وهو نضال لم يتوقف من لحظة الاحتلال في 19يناير 1839حتى توج بالنصر والظفر ، وبالتالي هؤلاء بعد أن خسروا الرهان وفشل مشروعهم  لايعترفون بثلاثين نوفمبر ولا بالإستقلال، وحاربوه بكل الطرق والوسائل ولاتزال حربهم مفتوحة. ولو قيض  لهم أن يمحوه من التاريخ لفعلوا ....!
لكن ينسى هؤلاء أن حركة التاريخ لاتسير إلى الوراء، وعجلاته تندفع إلى الأمام وتدوس في طريقها كل من يقف أمام اندفاعه.
 هذا صنف لاعلاقة لنا بهم ولا لهم علاقة بنوفمبر الميمون، ولو فرشنا الأرض لهم ذهبًا لن يرضوا عنه أو يعترفوا به. وكل رجال وأبطال حرب التحرير الوطنية في نظرهم مجرمون، و30 نوفمبر خطئيةوسيظلون على حالهم تلك لايحبونه!!
ولايحبهم !!
 الصنف الثاني : لايزال يشم رائحة الإستقلال الأولى أو القديمةلاتبارحهم، 
ويبدو لهم ذلك الزمن قريبًا من قلوبهم لايبارحونه لحظة، ولاذكريات وتضحيات الثوار والقضية النبيلة التي استشهد من أجلها الأبطال وجرح الجرحى تفارق مخيلتهم ووعيهم. صار جزءً من حياتهم وسيظل معهم إلى آخر العمر ، ويرون وثيقة الإستقلال كتبت بالدم وانتزعت بتضحيات الرجال العظيمة ولم يكن الاستقلال هِبة أو منحة من أحد. وإن الشعب في الجنوب وقواه الوطنيه جميعًا لجأوا إلى خيار الكفاح المسلح بعد أن سدت أمامه كل الطرق والأبواب لنيل حريته وإستقلاله وإقامة دولته الوطنية.
  هذا النوع لن يغير رأيه وقناعاته بثلاثين نوفمبر ولامعناه كيوم خالد في التاريخ شاء من شاء وأبى من أبى..لكن مشكلته انه يرى نفسه الوريث الشرعي والأحق باستعادة حكم الجنوب غير مستفيد من المتغيرات والأخطاء ، بل يكررها بوعي أو بغيره..
 مشكلة هذا النوع انه يرى الجنوب له وحده لايشرك في حكمه وإدارته أحدًا. مازال يعيش أجواء نهاية سبعينيات القرن العشرين الماضي ،، لحظة الاستقلال :
 "كل الشعب قومية" ! و"انا قومي بن قومي"! ، حين أقصى بقية الشركاء عن السلطة وإدارة الدولة وانفرد بها وحده، ولايرى 
ماحدث في المشهد السياسي الجنوبي وفي المحيط الإقليمي والدولي من متغيرات تستدعي كلها تغيير أدوات الماضي التي أوصلتنا إلى مافيه شعبنا من تعقيدات تستدعي رسم سياسات جديدة وبناء تحالفات بين كل القوى الوطنية فيبني معها عن طريق الحوار جبهة وطنية عريضة تقبل بالآخر وتوسع حجم المشاركة ، وتترجم شعار الجنوب للجميع وبالجميع إلى نهج وسلوك وممارسة وبرنامج عمل لامجرد شعار !!

 وهناك قطاع ثالث، ليس له مشكل مع 30نوفمبر ، بل مشكلته مع من استلم الاستقلال وحكم الجنوب ، ومع مشروع الدولة التي أقامها . هؤلاء يقيمون إيجابيات التجربة وسلبياتها، ولكنهم بالمقابل لايتسامحون مع حماقات أولئك الذين بصراعاتهم وخلافاتهم الدموية أضاعوا التجربة وأساءوا إلى الإستقلال ، وسمحت لهم أنانيتهم التوغل في دم رفاقهم فكسروا حلم الشعب في العيش بأمن وسلام في ظل دولة حرة مستقرة فكتبوا قرار موتها وأجهزوا عليها بنفس السلاح الذي حررت به . فكانوا القاتل والقتيل ، والأبطال والضحايا في نفس الوقت . وهذه المرة لم يكونوا وحدهم بل الشعب والثورة والدولة والاستقلال والتجربة!!
  هذا النوع أو الصنف يريد أن يعرف ماحدث.. ولماذا حدث ؟ وخلال البحث عن جواب للسؤال لايريد معرفة الحقيقة فقط ، بل البحث عن طريق يجنب شعبنا مآسي الماضي الأليمة
ويفتح أمامه آفاق الحاضر والمستقبل . 
 هؤلاء يدركون من تجارب التاريخ والشعوب والدول ومن تجربة اليمن الديمقراطية ذاتها، إنها تجربة بشرية مثل كل التجارب ، شابها ماشابها من أخطاء وخطايا لم يقدروا للحظةخطر ماكانوا يفعلونه، وكانوا تحت ضغوط نفسية ومحيطية سلطوية ماتت فيها حتى مشاعرهم الإنسانية، ونسيوا ان الجسد الذي يمزقونه ليس جسد خصومهم السياسيين الذين اختلفوا معهم، ولكن جسد الوطن والشعب اللذين لم يحسبوا له أي حساب ..
 لكن يقع هؤلاء وبعضهم من الأكاديميين انهم لايفرقون بين الاستقلال كقيمة وطنية عظيمة  ، وبين من حكموا دولة الاستقلال ، فيتخذوا من أخطائهم وخطاياهم ذريعة
تضيع بسببها منهم الحقيقة، فينكرون ما لاينكر !!

 الذكرى ال 59 للإستقلال الوطني 30نوفمبر 2025
ليست مجرد ذكرى للإحتفال، وإستحضار الخطابات والشعارات.
ولامناسبة لإنكاره والتبرؤ منه ومن نضال الشعب الذي صنعه بتضحياته العظيمة.. لكنه تاريخ وطني  عظيم يجب أن يحظى بحقه ممايليق به  من التقدير وإحترام عقول الناس، وأن نتوقف عند معانيه الجليلة، وأيضًا عند عبره ودروسه، والا يكسرنا الفشل أو يصيبنا اليأس، والا نسلم زمام أمورنا إلى مجموعة أخرى من الحمقى الجدد يحملون نفس السكاكين، ومازالوا يحملون نفس القناعات المسبقة حتى لا  يودووا بنا إلى نفس الهاوية السحيقة...
 إنها ارضنا الطيبة ياسادة..ونحن عشاقها الأوفياء، وقد ضاع  أوأضعنا حلمنا الأول ، وهانحن نعيش انكسار ضحكتنا الطفولية، مات مطرنا الأول.  وهاقد بدأنا مشوارنا من جديد نحو شواطيء الروح...
 
كل30نوفمبر وانتم بخير ..